هذا الملاك الذي لم يلحظه سكان الأرض .يمتطي همته بلا كلل يخرج مساءا للعمل.. ينزع النوم من عينيه وهو يعبأ اجوله السماد ويرتبها وينظم سيرها تحت المكبس. يرفعها بهمه لتلقط ماكينة الخياطة طرفها العلوي فيتم غلقها .تكون الاخري امتلأت فيدفعها دفعا صوب الماكينة.. يظل بهذا الحال حتي يسمع صفاره الراحة فيفتح بؤجه الطعام ليتناول قطعه الجبن والخبز وبعض المخللان.. يلتهم وجبته بنهم ...يسعيلعده الشاي.. ليصلح له ولرفاقه أكواب الشاي الأسود .. مرتاح البال حتي تنتهي نوبة الراحة فيقدم علي المكبس قبل رفاقه بكل همه.. رافعا بقايا الرتش الذي وقع علي الأرض .منظفا المكان. . تدق صفاره العمل فيبدأ مره أخري دوران العمل.. دوره جديدة.. كان يتحدي نفسه في الهمة.. فيزيد كل يوم من الترتيب والتنظيف حتى اعجز من يتابعوه ان يلحظوا ولو عجزا في الإنتاج او تكون رصه الأكياس . مايله ...يسهل لمن بعده العمل ويعجز من قبله ان يؤخره أو ان يلحقه . بنهاية الوردية في الصباح يكون المكان نظيفا جميلا.. يخلع ملابس العمل ليرتدي جلبابه ..يحمل كاهله المتعب سائرا لمنزله .يجلس بجوار سرير ابنه الكبير ماسحا علي رأسه بيده ليوقظه بحنان الأب . يلا ياعماد ع المدرسة ..يصحو الولد مبتهجا وهو يعانق رأس أبيه ليحمله إلي صنبور المياه ليغسل وجهه ... يرتدي ملابسه ويبدأ البيت ف النشاط .تكون ام عماد قد جهزت طبق الفول بالزيت ليأكلا ويجلس عم عزيز للصلاة طويلا لينهي صلاته صباحا علي صوت عربه الكارو.. يهتف سائقها من أسفل المنزل.. يلا يا ابو عماد.. فيحمل لفه الاقمشه لينزل الي السوق .انهارضه سوق قويسنا .عارف ياعم صلاح ..يغالبه النعاس فلا يغلبه .وينزل السوق ليبيع ماتيسر .مع آذان العصر يلم بضاعته ويرتبها جيدا واضعا المقص في جيبه ويجهز للعودة إلي بنها .ما ان يصل حتى يهرع لصلاته فاتحا كتابه المقدس ليقرا ماتيسر من تراتيله ثم يأكل ماحضر من الطعام وينام الي ان يشعر بلمس يدها الحنون فوق وجهه لتمسح عرقه وتنبهه ان الساعة أصبحت الثامنة مساء يصحو مترنحا من قله النوم يجلس بعد الصلاة مع أسرته متفرسا وجوههم الجميلة ويحمل صره الطعام ليذهب للعمل . يوم الجمعة يسابق الجميع الي الكنيسة. بيده صغيره الجميل.. يسمع الوعظ وينهي الصلاة ويترك ابنه يلهو ببهو الكنيسة مليا مع أقرانه . .لم يلحظ بهذا اليوم كيس الملابس الذي بيد ابنه ..عندما عرج علي صالون الحلاقة .صاح إدريس الحلاق .الله.. مبروك ياعماد .انتبه عم عزيز للكيس بيد عماد فتملاه كثيرا وضحك وغادرا الصالون وهو يتساءل منين الكيس ده .أجاب الطفل بكل براءة عمو شدني من أيدي وقالي استني هنا وراح مديني الكيس ده وقالي فيه قميص لك . ظل يفكر كيف انتبه الجميع لردائه قميص ابني وكيف تبين لهم انه فقير يستاهل الصدقة ......امسك بيد عماد وقال له هامسا .بص ياقمري.. إحنا مش فقرا عشان حد يدينا صدقات إحنا هنرجع القميص لصاحبه وأنا هشتريلك قميص جميل .لم يعلم عماد الصغير كيف استدان اباه ليشتري له لبس جميل .ظل يلوم نفسه كثيرا كيف لم يلحظ اهتراء ملابس عماد ليصل به الحال الي هذا الحد الذي يجعل الغير يكتشف فقر الحال وهو الذي عاش العمر يداري فقره ويحارب العوز والحاجة. بالعمل الكثير . مرت السنوات وهي تهلك من صحة وعمر الرجل الأبي.. الي ان نال منه التعب. ليرقد في مستشفي التأمين.. الي ان وافته المنية وهو يصلي.. بعد ان أرسل عماد الي خارج غرفته في طلب هو من أوهمه انه يريده حتى لايلحظ تغريبته الاخيره في صراع البقاء والموت .. حملت سيارة الإسعاف جثمانه للمنزل ...أسرع ابنه الي الكنيسة ليأتي بمن يصلي عليه.. خرج القس من باب الكنيسة.. شاهد السيارة الصغيرة التي جلبها عماد علي عجل فرفض ان يركبها وطلب من عماد ان يأتي بسيارة أخري اكبر .وقف عماد مترددا في الرد.. لكن حسم الامر وقال للقس .صدقني انت لن تنال شرف الصلاة علي أبي .دخل عماد للقس لوقا ليخبره بما حدث فخرج معه الأب لوقا مسرعا . ممسكا بيده ..انا اللي هصلي عليه دا ملاك ع الأرض لازم أنول شرف الصلاة عليه .. تسربت كل الأنوار من مقابر بنها ووقف الابن وحيدا ممسكا بيد امه يودعا ملاكا رحل الي عالم اخر.. كان المارة ينظرون الي تابوته الخشبي منتظرين ان يصحو عم عزيز ليلقي عليهم السلام كما كان يفعل دوما.. كان بكاء العابرون أكثر من المطر الذي انهمر علي الطريق . *********