كم أشعر بالآمان بقربه، لكنني أخاف نظرة عينيه فهي تخترقني لتصل لنهايات أطرافي العصبية مارة بكل قطرة دم في عروقي، وتتملكني الرجفة فنظرته تحمل لهيباً يخلع سترة برودتي، فيسألني بعين حانية لما أخاف؟ فيتملكني مزيداً من الخوف وأتمنى الإختباء من عينيه بين ذراعيه فلا أجد ما يساع خوفي كذراعيه، فأتمنى ويمنعني خوفي لينتهي هروبي منه إليه باكية... شاكية... ناقدة... رافضة... متمردة... فأغضبه وأشعل فتيل ثورته الخرساء فيعقد حاجبيه ويصمت فيقتلني صمته، لم أتمكن يوما من تفسير صمته الجارح المهين، لم أعرف لما لم يصفعني ليفيقيني أو يعصرني حتى تختلف أضلعي، لم أعرف قط لما لا يقتحمني كما تقتحمني نظراته أو يحتلني كما تحتلني عيناه، فأعانق نفسي وأحتضن ركبتاي وأتمنى الموت فربما كان أكثر دفئاً من صمته... والآن أين هو؟ فقط أردت الإعتذار... لكنه لا يجيب، فهو يعرف أنني لا أريد أن أعتذر له بل أصفعه وأصرخ بوجهه... نعم هو يعرف أني كاذبة... لكنه هو الآخر كاذباً حتى النخاع، يناديني طفلتي لكنه لا يعاملني كطفلة بل كإمرأة... يسألني عن خوفي... نعم خوفي... وكأنه لا يعرف... لا يفارقني ذلك اليوم حين بكيت لأمي من جرح لا أعرفه ويالتني ما بكيت لها، فقد قالت أنني لم أعد طفلة... لم أشعر قبلها بنعمة أن أكون طفلة... فلم أكن الطفلة الأسعد حظاً، لم يكن ما يسعد الأطفال يسعدني ولا ما يبكيهم يبكيني، كنت طيفاً لم يلاحظني الكثير، كنت الأذكى... كنت الأكثر مهارة ويقولون أنني كنت أيضاً الأكثر مرحاً، لكنني ما عرفت المرح حتى أعلنت أمي الخبر... ربما قبل إعلانه بقليل، منذ بدأت أتضايق من منابت الشعر بجسدي فيعطيه خشونة أكرهها... منذ بدأت تظهر النتوءات ويستدير صدري وتستطيل بإستدارة أردافي... فأخفي ما نتأ من جسمي الصغير بملابسي وأخجل أكثر حين تبدأ البثور بالظهور بوجهي بكل دورة قمر فأشعر أن الجميع يعرف بأني الآن أدمي... لم أعد طفلة... لا يمكن الأن أن أسير حافية القدمين فأنا لم أعد طفلة... لا يمكن أن أطارد الفراشات بالحديقة فلم أعد طفلة... لا يمكن أن أضحك ملء قلبي أو أصرخ أو أبكي فأنا لم أعد طفلة ومن وقتها وكان علي تحمل مسئولية إنتفاخ صدري ودوران أردافي... ومن وقتها والجميع يبتسم لي إبتسامة تخيفني وكأنهم يتوددون لإمرأة يرونها في جسدي الهذيل، وكأنهم يتوددون لصدري وأردافي... وكأنهم يريدون إلتهام فاكهة نضرة ويلقون بما في داخلها من بذرة صغيرة التي هي أنا... هو يعرف مما أخاف... وكم أخاف... فرغم ما قالته أمي ورغم الإبتسامات المرعبة والنظرات المخترقة... أنا طفلة... وهو يعرف جيداً... هو قال لي أحب طفولتك... هو قال لي أعشق براءتك... فهو يعرف جيداً... لكنه يتعمد إذلالي فيحبني كطفلة ويريدني كإمرأة... لم أشعر قط بالخجل منه فهو الوحيد الذي رآني عارية ليس من ملابسي فقط ولكن من تلك القشرة الأنثوية التي لا يرى غيرها الجميع بل أكثر من ذلك فهو يراني بدون دمائي وعظامي... يراني طيف مضيئاً ويزيدني حضوره ضيا... يراني فراشة من نور لا تهاب النور وتهابها شمس النهار... يراني بسمة صادقة وضحكة شقية يراني طفولة عشتار وأثينا ومينرفا وحواء ذاتها ويبشرني دوماً بأنني سأكون يوما عشتار الأم والصديقة والحبيبة والقديسة والعاهرة واللعوب المتصوفة المتسامية المتدانية المتدنية الظمأى المتنمرة الوديعة الرضيعة الوضيعة الأميرة الحسناء... هو يعرف خوفي... يدركه... يراه... ينكره... وربما يسخر منه... يعرف مما أخاف حين تنتصب نتوءات جسدي بحضوره... يعرف مما أخاف كلما تحرقت شوقاً للمساته التي أعرفها ولم أذقها... يعرف مما أخاف كلما استشعرت أنوثتي ورغبتها له ورغبته لي... يعرف مما أخاف كلما أسكرني صوته وتمنيته سيداً لي يملكني... يعرف مما أخاف كلما تملكني إستسلامي الكامل له... يعرف مما أخاف كلما تحتلني رغباتي بأن أحويه بأحشائي... هو يعرف الطريق ولا يسلكه... هو لا يحتويني ولا يتركني... هو يملك المفتاح... مفتاحي، لو يعدني أن أظل طفلة.... لو يعدني... سأكون له الأول والآخر... سأكون له الأم والأخت والإبنة... سأكون له المرأة والحكيمة الماجنة... سأكون له العاهرة والكاهنة والمريدة... سأكون له البيت والصدر والكتف والساق... سأكون له كل نساء الأرض... فكلانا يعرف أنني لم أعد طفلة... لكنه الآن لا يجيب، فقط أردت الإعتذار... فقط أردت أن أصارحه بخوفي الذي يعرفه.... لكنه يعرف بأني كاذبة وبأنني فقط أشتاق إليه.