بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح المقال الخامس والخمسون الثورة ما بين عقيدة السمع والطاعة ومبدأ القبلية "أعداء اليوم هم أصحاب الأمس" حكمة سياسية قديمة ظهرت وتجلت بوضوح بعد الحرب العالمية الأولى وما أعقبها من تحالفات أدت إلى الحرب العالمية الثانية،وبين الحربين الأولى والثانية نشأت جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الإمام حسن البنا،على مبدأ السمع والطاعة وظلت هكذا في المنفى لفترة طويلة إلى أن قامت ثورة 25 يناير 2011 وما يصاحبها من صعود التيار الإسلامي وتحكمه في الساحة السياسية والمتمثل في التيار السلفي بجوار الإخوان واكتسحا معا أول انتخابات برلمانية نزيهة بعد الثورة،ليتبنى التيار السلفي مبدأ القبلية والمتمثل في الدفاع المستميت عن من ينتمي إليهم حتى ولو كان على خطأ،ولكن يجب أن نفرق جيدا بين المجتمع القبلي من المنظور الاجتماعي، والمجتمع القبلي من المنظور الثقافي،فالمجتمع القبلي بالمعنى الاجتماعي،هو مجتمع تمثل القبيلة فيه التنظيم الاجتماعي الوحيد، وتضم القبيلة عدداً محدوداً من الأفراد،وهي تنظيمات تقوم على المساواة ، أما القبلية من المنظور الثقافي، فإنها تشير إلى المجتمع الذي يقوم على القيم والثقافة القبلية، أو الهوية القبلية. وما بين سياسة السمع والطاعة ومبدأ القبلية بدا بعض أفراد هذين الفيصلين في الخروج عليهما ليظهر اتجاه شباب الإخوان وينقسم السلفيون على أنفسهم في أكثر من حزب سياسي. ليس عيباً أن نتعلم كيف تمارس السياسة ولكن العيب أن نغمض أعيوننا ونتفلسف لنبرر أخطائنا،واعتقد كل من يستمع للدكتور عصام العريان بعد الثورة يؤكدني في هذا الرأي،وكذلك بعض الشيوخ المحسوبين على التيار السلفي،فنحن نقدم لأعدائنا_ أعداء المشروع الاسلامى _ وسيلة نقدنا ومهاجمتنا على طبق من فضة!،مع الأخذ في الاعتبار أن سياسة بلا اختلاف،كرأس بلا عقل، شجرة بلا ثمار، أو جسد بلا روح، مع الأخذ في الحسبان أن الاختلاف يفقد قيمته حينما يتحول إلى خلاف أو عداء شخصي،فاختلاف الفرد في رأيه مع الآخر،ميزة إيجابية قد تكشف لأحدهما أو لكليهما قصورا ما،فيسارعان إلى إعادة النظر فيما اختلفا فيه، فيدفع كل منهما نفسه أو الآخر إلى التصويب بقصد أو بغير قصد،فليس هناك ضير أو ضرار في ذلك الاختلاف،ما دامت نتيجته محمودة العواقب،وأن كلا منهما يتقبل الآخر، حتى وإن لم يتوصلا إلى أن يقنع كل منهما الآخر،فالمحصلة النهائية تتجسد في قبول ثقافة الاختلاف مع الرأي الآخر،وأيضا لغة التفاهم،على ألا يُكرِه أحدهما الآخر على قبول رأيه بشكل تعسفي، تغيب عنه لغة التعقل والمنطق. لكن وللأسف لا أرى أي فلسفه تجمع بين كل القوى السياسية المتنافرة الآن على الساحة المصرية إلا فلسفة الحفاظ على الأمر الواقع دون تغير،وهذا دفع بالحراك الاجتماعي إلى العودة إلى أبعد من ذلك،إلى مجتمع ألا دولة،لتبنى كلاً منا رأى الفنان احمد زكى في فيلم الشهير الهروب"من النهارده مفيش حكومة أنا الحكومة"ألسنا كلنا إخوان في الله؟!!ألسنا كلنا نحب ونقتضى بسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!! إلام الخلف بينكم إلامَ وهَذِي الضجة الكبرى علامَ وفيم يكيد بعضكمُ لبعض وتنسون المحبة والوئامَ إن ديننا الحنيف يقبل ثقافة الاختلاف، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، أو المجادلة بالتي هي أحسن، والبعد عن التعسف وتسفيه آراء الآخرين، فرسولنا محمد -عليه الصلاة والسلام- كان يشاور أصحابه ونساءه، يستشيرهم ويأخذ بآرائهم ومقترحاتهم، وهو الذي يُوحى إليه، على عكس من يرتدون اليوم جلابيب الوقار، ويحسبون أنفسهم ضمن الخط الديني، فالتنوع مثل حوض من الزهور جمالها في تنوع الألوان وتناسقها، ولا يقضي على جمالها، إلا إذا أهملت بدون رعاية للأعشاب الضارة لتخنقها، وتقضي على استمرار جمالها، ليحل مكانها قبح الأشواك،فثقافة الاختلاف يا سادة - والتي انتشرت عدواها في المجتمع انتشار النار في الهشيم- تتطلب شخصا واعيا مؤمنا بها،منفتحا عليها مع الآخرين في آرائهم، لا يخرج عن سلوكياتها القويمة،ولا يقبل ما يناقضها من أي منهجية غير أخلاقية، تغيب عنها لغة الحوار الهادف، البعيد عن التشنج والصراخ وقلة الذوق، أو استخدام أي ألفاظ غير لائقة. وفي النهاية لا أجد أفضل من قول المولى عز وجل فى كتابه الكريم لأهديه للجميع بلا استثناء،بسم الله الرحمن الرحيم"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"صدق الله العظيم. إلى اللقاء في المقال السادس والخمسون مع تحيات فيلسوف الثورة سينارست وائل مصباح عبد المحسن [email protected]