بقلم الكاتب و السينارست والمُعد المصري وائل مصباح المقال الثامن عشر الثورة الكلبتومانيا مرض السرقة أو الكلبتومانيا وهى كلمة مكونة من شقين،الشق الأول (Kelpto) والتي تعنى السرقة،أما الشق الآخر (Mania) والذي يعنى الهوس أو الجنون أي جنون السرقة،وهو أحد الاضطرابات النفسية التي يكون فيها المريض مدفوعاً إلى سرقة الأشياء البسيطة غير باهظة الثمن،حيث لا يكون المريض بحاجة إليها كما لا يكون عاجزاً عن دفع ثمنها وشرائها،فالهدف هو القيام بفعل السرقة وليس الرغبة في اقتناء الشيء المسروق،ويتبع فعل السرقة شعور باللذة سرعان ما يتبدد ويشعر بعدها المريض بإحباط وخزي،هذه الحالة المرضية نادرة الحدوث،ولا يقوم المريض بالاحتفاظ بما سرقه فإما أن يتخلص منه أو أن يعيده إلى صاحبه خلسة. فهل تعانى ثوراتنا العربية الربيعية من ذلك المرض الارستقراطي؟أم أن تعبير سرقة الثورة الذي يردده البعض تعبير لا معنى له؟!! اعتقد حان الوقت لمعرفة ما هي الأطراف القوية التي سيطرت على السلطة،ليس لأنها سرقت الثورة إنما لأنها كانت الأكثر دهاء وتنظيماً فوصلت للحكم،ولو لم يكن ذلك قد حدث لكانت أطراف أخرى احتفظت بالسلطة،والنتيجة واحدة وهى عدم وصول الثوار إلى السلطة،ولنأخذ ما يجرى في مصر الآن مثالا لذلك،فهناك قوى الاحتجاج التي أشعلت الثورة بعفوية،ولديها ثقافة احتجاجية تفنن وتبتكر في مواجهه رجال النظام القديم،من أول هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام" إلى "يسقط حكم المرشد" دون أن تشير إلى نظام سياسي بديل للإخوان أو المجلس العسكري من قبله،واكتفوا فقط بنشر مصطلح «سرقة الثورة» لإخفاء الخيبة في بعض الأحيان والفشل في أحيان أخرى،يجب أن يعترفوا بان الوصول لكرسي الحكم لن يكون بالولولة على صفحات الانترنت إنما بترتيب الأوراق والأولويات، فهناك من اعتبر الثورة غاية وهناك من اعتبرها وسيلة،والإخوان كانوا في مصاف من اعتبروها وسيلة فحققوا هدفهم بسهولة. وادلل على ذلك بثورة اليمن ففي الأسابيع الأولى لها كان الشعب اليمني هو المالك الفعلى لكل السلطة في ساحات الفعل الثوري،غير أن امتلاك الشعب السلطة وزمام المبادرة السياسية لم يستمر حتى نهاية المشهد الثوري وإقرار النظام برموزه السياسية ومنظوماته العسكرية والأمنية والاجتماعية، بالهزيمة،وعلى خلاف ذلك، ولأسباب وعوامل كثيرة،سرعان ما استطاعت مراكز القوى القبلية والعسكرية أن تستعيد السلطة من أيدي الشعب تدريجيا،ولكن باسم الثورة نفسها،وليس من خارجها. ومن أكثر الأشخاص المروجين لشعار سرقة الثورة نجد الثلاثي التالي يحتل المقدمة: ففى برنامج "الحدث المصري" الذي يقدمه محمود الورواري على شاشة "العربية" يصرح سامح عاشور _رئيس الحزب الناصري_ بأن الثورة يتم اختطافها من قبل الإخوان بمجموعة من القوانين التي يتم تشريعها حالياً بعيداً عن باقي القوى الأخرى،كما أكد أن ثورة 25 يناير هي ابن شرعي لثورة 23 يوليو،مدللاً على ذلك برفع صور عبد الناصر في كل التظاهرات والمناسبات من دون تخطيط من الأحزاب الناصرية،مضيفا أن كل الشعارات التي تم ترديدها في ثورة 25 يناير هي ذات الشعارات الناصرية. أما مؤسس حزب العمال - كمال خليل – فقد أكد في مؤتمر القوى السياسية بالمحلة الكبرى،انه لو طبق حد السرقة لقطعت يد الإخوان لأنهم سرقوا الثورة - على حد وصفه - مشيرًا إلى أن سياسات رئيس الجمهورية محمد مرسى هي نفسها سياسات النظام السابق،بل دعا المواطنين إلى النزول للشوارع والميادين يوم 25 يناير المقبل لاستكمال الثورة،والاعتصام بالميادين حتى يرحل رئيس الجمهورية محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين،موضحًا أن الشعب أصبح ساخطًا على هذه الجماعة. وأخيرا يخرج علينا الدكتور جابر عصفور - وزير الثقافة الأسبق- خلال مؤتمر مستقبل حرية الفكر والتعبير في مصر الذي أقامته الهيئة القبطية الإنجيلية بالإسكندرية بقوله:أن ثورة يناير سرقت بعد جمعة القرضاوي لغير رجعة، مضيفا"لست متفائلاً بالوضع الحالي في مصر،من المعروف أن عصفور كان من رموز النظام السابق حيث كان رئيسا للمجلس الاعلي للثقافة وطبعت في عهده رواية "وليمة لأعشاب البحر"للسوري حيدر حيدر التي يسب فيها الذات الإلهية!! وعربياً وصف قائد شرطة دبي_الفريق ضاحي خلفان_ثورات الربيع العربي ب«الفسيخ العربي»،مشيرا إلى أن الإخوان المسلمين ارتضت باحتلال إسرائيل للقدس،متوقعا أن الثورة ستقوم ضد الجماعة بعد عامين في كل مكان_نسى أن يقول زنجة زنجة_ولكنه لم يخبرنا ماذا فعلت بلاده _الأغنى عربياً حالياً_ لتحرير القدس،وكأنه يردد كما ردد القذافى في السابق"مستعدون لتحرير القدس حتى أخر جندي مصري"والقرعة تتزاين بشعر بنت أختها!!. نعم سمعنا عن سرقة ونش،سرقة كلية من مريض خلسة،وعن سرقة سيارة من سيارات الحرس الجمهوري الخاص بتامين رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى،وتابعنا حتى سرقة غشاء بكارة في فيلم صرخة نملة،ولكننا لم نسمع ولن نسمع عن سرقة ثورة من الشعب الذي قام بها،لان من يبنى حزباً قوياً ومؤسسة ديمقراطية حقيقية وبرنامجاً بديلاً ً،ويتوقف عن نشر أوهام «الثورة سُرقت»،فهو الذي سيصنع المستقبل وسيكون قادراً على تغيير أي حكم بالديمقراطية،فالمعضلة هي في اغتصاب الوعي الثوري من قبل القوى النافذة داخل الثورة نفسها،وليس خارجها،وإذا كان هنالك من مخرج فهو في استعادة الوعي وتحريره أولا وأخيرا. إلى اللقاء في المقال التاسع عشر مع تحيات فيلسوف الثورة وائل مصباح عبد المحسن