تركت فدوى بجانب الحقائب على رصيف القاهرة بجانب القطار الذى سنستقله لمدينة بنها، والذى يتبقى على تحركه نصف الساعة؛ وذهبت إلى دورة المياه، وإذا بها مغلقة، ازداد قلقى ويداى تضغطان على أسفل بطني وحركات طفولية لا إرادية تعزفها قدماي على الأرض. مشيت فى اتجاه محصل التذاكر عند مدخل الرصيف، وسألته: - مفيش حمام تاني هنا لو سمحت؟ - شوف الناحية التانية عند رصيف الدرجة الأولى. قادتنى قدماي بحركات سريعة إلى الجهة الأخرى، ويداى يزداد ضغطهما على أسفل بطني، حتى وصلت إلى حمامات الدرجة الأولى لأجدها- هى الأخرى- مغلقة. ارتعشت قدماى مع سخونة في وجهى أحس بحرارتها رغم اعتدال الجو، وحبيبات من العرق تخترق جبهتى فى طريقها إلى عينيَّ فألتقطها بمنديل ورقي تبلل في يدي، وقفت حائرًا لا أستطيع التفكير وعيناى تنظران إلى القطار على الرصيف الآخر، وفدوى التي تراقبني وسط الزحام بجانب الحقائب، وضعتُ كلتا يديَّ على رأسي ونظرت إلى سقف المحطة، أنوار كثيفة يعلوها ظلام دامس، سمعتْ أذنايَ- على بعد- خطوات أقدام رهط من إثنى عشر رجلاً يمشون باتجاهى، ويرددون: "سلمية.. سلمية". ولما وجدت نفسي أتوسطهم، سألت أحدهم: - فيه إيه؟ - إحنا عمال الحمامات، بنطالب بحقوقنا. - أنا عايز أدخل الحمام؟ فردد مع زملائه الأحد عشر: "سلمية.. سلمية". أوقفهم رئيس المحطة سائلاً إياهم: - فيه إيه؟ رددوا معًا: "عايزين حقوقنا.. عايزين حقوقنا". خاطبهم عليهم بعنجهية وتكبر: - مالكوش حقوق عندى، إنتوا بتوع حمامات! رددتُ عليه سريعًا: - لكن أنا عايز أدخل الحمام! وقبل أن أنتهى من عبارتى وجدتهم يرددون: "حرامية.. حرامية"! كانت قوايَ قد قاربت على النفاذ، وجدتنى أسير بينهم، وصوت داخلى يهاتفنى: "هل هذا وقت ثورة؟". وظل الرهط المكون من ثلاثة عشر فردًا يطوفون أرجاء المحطة، يرددون: "حرامية.. حرامية". كان كل ركاب القطارات يطلون برؤوسهم للفرجة دونما سؤال، بينما وقفت فدوى حيرَى، بين ثقل الحقائبِ من جهة، وعينيها اللتين ترقباني بين الرهط نبتعد شيئًا فشيئًا، وقطار القاهرة الذى بدأ فى التحرك وئيدًا، قبل أن يطلق صافرته المزعجة وينطلق بسرعة هائلة.. بينما أصوات عالية تملأ سماء المحطة: "حرامية.. حرامية". 9 سبتمبر 2012.