للواقع – محمد فريد اختلف العلماء في حكم من مات وهو في طريقه إلى الحج، وهل يلزم ورثته الحج عنه، أم يسقط عنه الفرض بمجرد النية، وقد كان للفقهاء فيه الأقوال التالية: 1- وجوب الحج عنه: وفي هذا يقول الإمام ابن قدامة الحنبلي المقدسي: «من توفي ممن وجب عليه الحج، ولم يحج وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر، سواء فاته الحج بتفريط أو بغير تفريط»، وبهذا قال الحسن، وطاووس، والشافعي، ولأن الحج عبادة بدنية، لا تسقط بمجرد النية بل بالفعل، ولم يتحقق الفعل هنا بسبب الموت. 2- أن الحج قد سقط عنه بالموت، وبهذا قال أبو حنيفة، ومالك، فإن وصى بالحج عنه فوصيته من ثلث تركته، وبه قال أيضاً الشعبي، والنخعي؛ لأن الحج عبادة بدنية فتسقط بالموت كالصلاة. 3- التفصيل: وإلى هذا ذهب ابن تيمية فقال: «إذا استطاع الحج بالزاد والراحلة فقد وجب عليه الجج بالإجماع، فإن حج عقب ذلك بحسب الإمكان ومات في الطريق وجب أجره على الله، ومات وهو غير عاص، وله أجر نيته، فإن كان فرط بأن لم يخرج إلى الحج حين وجب عليه، ثم خرج بعد ذلك ومات قبل أداء الحج مات عاصياً آثماً، وله أجر ما فعله، ولم يسقط عنه الفرض بذلك، بل الحج باق في ذمته، ويحج عنه من حيث بلغ -أي من المكان الذي وصل إليه عند موته- وإن كان قد خلف مالاً فنفقة من يحج عنه في ماله واجبة في أظهر أقوال العلماء». وانظر مذاهب هؤلاء في :«مجموع فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية»، ج26، ص21»، «والمغني لابن قدامة»،ج3،ص242. وبعد هذا، فإن الرأي الراجح عندي أن من مات في طريق الحج يجب قضاء حجه من ماله، أو مال ورثته، وقد ثبت أجره على الله بنيته، لكن المطالبة بالعبادة باقية في ذمته، فإن لم يكن له مال فلا شيء عليه؛ لأنه غير مستطيع، والحج على الاستطاعة. أما إن مات في أثناء الحج، وأتم أكثره، فإن حجه صحيح، وذمته بريئة، فقد وقع أجره على الله لحديث ذاك الأعرابي الذي وقصته ناقته فمات، فأبقاه النبي صلى الله عليه وسلم في إحرامه وقال إنه يبعث يوم القيامة ملبياً، والله أعلم.