بقلم محمود طرشوبي أبتليت الأمة الإسلامية في العهود المتأخرة بأزمة كبيرة في تغيير المفاهيم و أصبحت هناك تغطية مقصودة علي كثير من مفاهيم الإسلام , و طافت علي السطح مفاهيم غريبة لم نسمع عنها في الصدر الأول و هو خير القرون , مثل فقة الموازنات و فقة الأولويات و فقه الواقع و غير ذلك من مسميات لم يعرفها أئمة الإسلام في القرون الهجرية المختلفة , و اصبح التحدث في أمر الدين مهنة من لا مهنة له . و خرجت علينا من خلال الفضائيات و الصحف شخصيات أساءت ألي الدين و لم تصلح شيء و تساهلت في أمر الفتوي و بضاعتها في العلم قليلة و تسمع منهم ما ينكره القلب و العقل , و أصبحت بلاد العالم الإسلامي سوقاً رائجاً للفتوي و تدر دخلاً لا بأس به خاصة و إن الفتوي تتم حسب القناة و توجهاتها . و لكن أن تأتي الفتاوي علي هوي الجماعة و نشاطها السياسي فهذا أمر جديداً علينا في عصرنا , صحيح أن كثير من الجماعات و الفرق في القرون الهجرية المختلفة قد وضعوا الحديث من أجل نصرة مذاهبهم و أرائهم ,و لكن أن يعود هذا الأمر من جديد و علي يد متخصص في علم الحديث و رجل له مكانه و علم في داخل مجتمعنا فهذا أمر ننكره بقلوبنا و عقولنا , فقد وجه الدكتور عبد الرحمن البر- أستاذ الحديث وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين - ومفتي الجماعة – الدعوة مجددا لفصائل الحركة الإسلامية للمشاركة في العملية الانتخابية وتشكيل مشروع إسلامي وطني واحد ولو من خلال عملية التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة. ووصف البر المشاركة في الانتخابات بأنها نوع من الجهاد قائلا:المشاركة في الانتخابات ترشيحًا وإدلاءً بالصوت نوع من الجهاد الأكبر؛ لأن فيها جهدًا كبيرًا يبذل لخدمة الإسلام والوطن والمسلمين، وسائر الناس أجمعين، وفيها كذلك رفع لبعض الضرر عن الأمة.وأضاف أن المشاركة في الانتخابات باتت جهادا أكبر؛ لأنها فريضة الوقت، فقضية الإسلام اليوم هي انحراف كثير من الحكومات عن دين الله تبارك وتعالي وعن شريعة الحق، وشيوع الفساد في كثير من الجوانب ومناحي الحياة علي أيدي رجالات الدولة، والجهاد الأكبر هو في إصلاحهم أو استبدالهم. ( جريدة الدستور ) . وفي محاولة لتأصيل المشاركة أو العزوف عنها من الناحية الشرعية يقول البر في مقال له نشره موقع الجماعة تحت عنوان «الانتخابات.. رؤية شرعية» يقول: إذا تخلف المسلم عن المشاركة في مثل هذا الأمر؛ فقد قصر في القيام بواجبه الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قد لا نختلف مع الدكتور البر في حكم الإنتخابات و إنها نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. و سواء بالمشاركة الفعلية من الترشيح أو الإنتخاب أو حتي القيام بواجب المراقبة , كل هذا قد لا نختلف عليه و لكن أن توضع الإنتخابات محل الجهاد الأكبر فهذا غير مقبول , و إن السبب التي سقيت من أجله الفتوي ( الغير شرعية ) و إن كان صحيح فعلاجه ليس بجعل الإنتخابات محل فريضة الجهاد , و كيف لنا الآن أن نقف أمام الجماعات الإسلامية التي أتخذت نفس السبب – إنحراف الحكومات - كذريعة للقيام بعمليات مسلحة ضد النظام المصري مما أضرت بحال البلاد و العباد , و دخلت مصر معها في متاهة لا يعلمها إلا الله و ما خرجنا منها إلا بعد تضحيات كثيرة . و بعد مبادرة وقف العنف التي أتخذت من جانب الجماعة الإسلامية و الجهاد , خرجت علينا مجموعات صغيرة تبنت فريضة الجهاد كحل لمعالجة الإنحرافات الحكومية , و بدأت في الإعداد للقيام بعمليات مسلحة داخل مصر و لولا رحمة الله بهذا البلد لكان هناك بداية حقيقة لمرحلة جديدة من العنف . إن الإختلاف بين الحركات الإسلامية في مشروعية الإنتخابات معروف و مثار منذ فترة طويلة و الأمر يدور بين الجواز و عدم الجواز , و هناك فريق داخل الحركة الإسلامية لم يتخذ موقف و اقتصر فيها علي أن الانتخابات ليست من أعمال الدعوة , و لذلك رفضوا إتخاذ حكم شرعي في المسألة و كانت الحركات السلفية أكثر من تبني هذا الرأي . إن الجهاد : و هو قتال الكفار من أجل إعلاء كلمة الله بالنفس و الجهد و المال , هذا هو تعريف الجهاد عند جل علماء المسلمين و هو أمر لا ترتقي إليه أبدا الإنتخابات , فلن يكون المقتول فيها شهيداً أو أن يتبدل الحكم الشرعي في الزكاة و تصرف في الإنتخابات علي أنها جهاد في سبيل الله و هو من الأصناف الثمانية التي تصرف فيهم الزكاة . أليس هذا انحراف للحكم الشرعي مثل الإنحراف الذي يتكلم عنه فضيلة الدكتور البر بالنسبة للحكومات . ثم يقول الدكتور البر (وإذا تخلف المسلم عن المشاركة في مثل هذا الأمر؛ فقد قصر في القيام بواجبه الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) هل مثل هذا الكلام يقال , فماذا لو ظن المسلم أن المقاطعة خير من المشاركة و هذا صوت موجود داخل جماعة الإخوان الآن هل نذهب الي البيت و نستغفر الله علي أنه ذنب و تقصير في واجب شرعي , ووصل الأمر بالدكتور في مجموعة مقالاته الخطيرة و التي لا يراد منها إلا إضقاء قدسية علي أفعال الجماعة و قياداتها الرشيدة فيقول ( إن عدم الدخول في المجالس النيابية وعدم المشاركة فيها، وعدم القيام بهذا الأمر مع القدرة والاستطاعة؛ أشبه بالهروب من المسئولية والتولي يوم الزحف ) , ألم أكن أتصور أن يصل الأمر إلي هذه الدرجة أن يجعل من الإنتخابات و الذي هي مجرد وسيلة من وسائل التغيير و محاولة لإقامة فريضة الأمر بالمعروف إلي أن المقاطعة لها مثل التولي يوم الزحف و الذي أعتبره الرسول الكريم بأنه من السبع الموبقات ( المهلكات ) , فهل تولي الإخوان من الزحف في إنتخابات 1990عندما أعلنوا المقاطعة , و هل كان تنازل حسن البناعن ترشحه في الإنتخابات أمام النحاس هروباً من ميدان الجهاد و هل أعلنت أن إخوان الإردن الذين أعلنوا مقاطعة الإنتخابات في بلادهم أنهم أثمين وعليهم إثم القعود عن الجهاد بل و عليهم ذنب عظيم من هروبهم من ميدان الجهاد , أو أثم التولي يوم الزحف . إن الإسلام أمرنا بأن نبحث عن الحكم الشرعي في كل ما يفعله الإنسان , و إن وصلنا إلي أن المسائلة من الأمور الخلافية فلا يجب أبدا أن أنكر فيها علي المخالف , و إن وصلنا بالحكم الشرعي فيها علي أنها من باب الجواز فلكل شخص و جماعة أن تري الصالح و الأفضل لها سياسيا ً من حيث المشاركة أو المقاطعة . و إن الأمر مادام مباحاً فإنه يخضع لقاعدة المباح كما قررها الشاطبى ” المباح من حيث هو مباح لا يكون مطلوب الفعل و لا مطلوب الترك” و هناك تتدخل المصالح التقديرية لكي تقرر ما تفعله بدون النظر إلي ما قرره الدكتور , و إلي النظر إليها علي أنها من باب الجهاد الأكبر . إن الإفتاء علي هوي الجماعة و مقاديرها و إصدار فتوي من رجل حديث مثل الدكتور عبد الرحمن البر يفتح الباب عيل مصراعيها لفتاوي كثيرة لن تصب في مصلحة الإسلام و لا في مصلحة البلد .