الكنيسة الكلدانية تحتفل بختام ظهورات العذراء سيدة فاتيما في مصر    اليوم، غلق لجان تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب    اتحاد الصناعات: الدولة تقدم دعمًا حقيقيًا لإنقاذ المصانع المتعثرة وجذب الاستثمارات الصناعية    وزير العمل: لا تفتيش دون علم الوزارة.. ومحاضر السلامة المهنية تصل إلى 100 ألف جنيه    بعدما نشرته «البوابة نيوز».. خدمة المواطنين بسوهاج: الشكوى قيد المتابعة وهيئة المساحة تتولى حسم الموقف    رغم طلب ترامب العفو عنه، تطورات عاجلة في محاكمة نتنياهو واستدعاء لكبار مسؤولي "الليكود"    العكلوك: تكلفة إعادة إعمار غزة تبلغ 70 مليار دولار.. ومؤتمر دولي مرتقب في القاهرة خلال نوفمبر    قاده ياسر أبو شباب والعملاء بغزة.. كيف أفشلت حماس انقلاب بالقطاع برعاية إقليمية؟    بعد تأهل 48 منتخبا، كم مقعدا باقيا للفرق المشاركة في كأس العالم؟    موقف محمد الشناوي من مباراة الأهلي وإيجل نوار    قرار عاجل في الأهلي بشأن تجديد عقد حسين الشحات    خروج عربات قطار قادم من القاهرة عن القضبان بمحطة سوهاج ومصادر تكشف التفاصيل    مميزات وعيوب برج السرطان: بين العاطفة والخيال والحنان    داليا عبد الرحيم تهنئ القارئ أحمد نعينع لتعيينه شيخًا لعموم المقارئ المصرية    هيئة الدواء: تصنيع المستحضرات المشعة محليًا خطوة متقدمة لعلاج الأورام بدقة وأمان    ترامب يهدد بفرض عقوبات على إسبانيا بسبب رفضها زيادة الإنفاق في «الناتو»    ترامب: بوتين لا يرغب بإنهاء النزاع الأوكراني    أمطار في هذه الأماكن وسحب منخفضة.. الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة    نجم الزمالك السابق يكشف عن «أزمة الرشاوي» في قطاع ناشئين الأبيض    زيادة كبيرة في عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب ترتفع 600 للجنيه اليوم الأربعاء بالصاغة    الأخضر يهبط لأدنى مستوى.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 15-10-2025    هتكلفك غالي.. أخطاء شائعة تؤدي إلى تلف غسالة الأطباق    ظهور دم في البول.. متى يكون الأمر بسيطًا ومتى يكون خطرا على حياتك؟    بالصور.. محافظ الغربية في جولة بمولد السيد البدوي بمدينة طنطا    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو اقتصاد الإمارات إلى 4.8% في العام الحالي    عمقها 30 مترًا.. وفاة 3 شباب انهارت عليهم حفرة خلال التنقيب عن الآثار بالفيوم    دماء في أم بيومي.. عجوز يقتل شابًا بطلق ناري في مشاجرة بقليوب    السجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لتاجر مخدرات في قنا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل طالبة بولاق الدكرور هنا فرج    ارتفاع مفاجئ في الضاني وانخفاض الكندوز، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    تعرف على المنتخبات المتأهلة لكأس العالم بعد صعود إنجلترا والسعودية    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    رونالدو يحقق رقما قياسيا جديدا في تصفيات كأس العالم    بالفوز على كينيا وبدون هزيمة، كوت ديفوار تحسم تأهلها رسميا إلى مونديال 2026    وكيل صحة كفر الشيخ يتفقد وحدة طب الأسرة بقرية المرازقة    لا تنجرف في الكلام.. برج الجدي اليوم 15 أكتوبر    «توت عنخ آمون يناديني».. الكلمات الأخيرة ل «كارنافون» ممول اكتشاف المقبرة الملكية (فيديو)    لدورها الريادي في نشر المعرفة: مكتبة مصر العامة بقنا تحصد جائزة «مكتبة العام المتنقلة 2025»    معرض حى القاهرة الدولى للفنون فى نسخته الخامسة لمنطقة وسط البلد لعرض أعمال ل16 فنانا    أكرم القصاص: على الفصائل الفلسطينية إعادة ترتيب أولوياتها وتوحيد الصف    كم تبلغ تكلفة إعادة إعمار غزة؟ مندوب فلسطين يكشف    مصرع شخصين في تصادم سيارتي نقل على الطريق الصحراوي الغربي بالمنيا    رسميًا.. موعد امتحانات الترم الأول 2025-2026 في المدارس والجامعات وإجازة نصف العام تبدأ هذا اليوم    ترامب يكشف تفاصيل محادثته مع حماس بشأن نزع السلاح: سنتدخل بالقوة لو لم يفعلوا    كوت ديفوار تعود إلى كأس العالم بعد غياب 12 عاما    في 3 أيام .. وصفة بسيطة لتطويل الأظافر وتقويتها    باختصار.. أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. تجدد الاشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية.. نتنياهو: لن ندخر أى جهد لإعادة رفات المحتجزين فى غزة.. 90% من شوارع قطاع غزة تضررت جراء الحرب    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء الأربعاء 15 أكتوبر 2025    متى يكون سجود السهو قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح حكم من نسي التشهد الأوسط    هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح    الجامعة الأمريكية تنظم المؤتمر ال 19 للرابطة الأكاديمية الدولية للإعلام    ورشة عمل لاتحاد مجالس الدولة والمحاكم العليا الإدارية الإفريقية    ب36 شخصية رفيعة.. قارة آسيا تتصدر الحاصلين على قلادة النيل    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    جامعة جنوب الوادي تنظم ندوة حول "التنمر الإلكتروني"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في غزةَ خوفٌ مفقود ونصرٌ موعود
نشر في الواقع يوم 16 - 09 - 2012


بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
لستُ مبالغاً في كلامي ولا مغالياً في وصفي، ولستُ مدعياً أو مختلقاً، أو محاولاً تزيين الصورة وتجميل الواقع، إنما أنا شاهدٌ عيان، أنقلُ ما رأيتُ، وأصورُ ما شاهدتُ، ولا أزيدُ شيئاً عما رأته عيناي، وسمعته أذناي، وإن كان ما رأيتُ أدهشني وأثارَ استغرابي، وأشعرني بالكثير من الغيرة والغبطة، إذ أن ما عرفتُ قد أسعدني وطمأنني، ودفعني لأن أسأل وأستفسر لأعرف المزيد، وأطمئن أكثر إلى دقة وصحة ما عرفت، فلا أُغبنُ بإجابة، ولا أُخدعُ بمتحدث، فسألتُ الكبار وجلستُ مع الأطفال الصغار، فهالتني كلماتهم، وصدمتني نفسياتهم، والطريقة التي يعبرون بها، وخرجت بنتيجةٍ واحدة أكيدة، أن هذا الشعب شعبٌ جبارٌ عنيد، مقاتلٌ صنديد، يتوارثُ القوة والجسارة، ويتعلمُ الجرأةَ والشجاعة، فلا يعرفُ الخوفَ، ولا يخافُ من الموت، ولا يفرُ من المواجهة، ولا يهربُ من التحدي، ولا يتردد إذا عزم، ولا يتقهقر إذا مضى، ولا ينقلب على عقبيه مهما كانت قوة الخصم ووحشيته، ما أرعب العدو وأخافه، وأربك حساباته ومخططاته، فهذا شعبٌ له ألف رأسٍ ورأس، فلا يموت مهما قطعت منه رؤوسٌ وانحنت منه هاماتٌ، فلا إرادةً فيه تنكسر ولا رايةً له تسقط، ولا مطالباً منهم بحق يسكت.
على مدى الشهرين الذين قضيتهما بفرحٍ وسعادةٍ غامرة في غزة، غارت الطائرات الإسرائيلية مراراً على مناطق عديدة في القطاع، وقصفت في الليل والنهار بصواريخها مواقع ومساكن وساحاتٍ، فقتلت ودمرت وخربت، وأطلقت دبابات الاحتلال حمم قذائفها على قلب القطاع وأطرافه دونما اشتباكاتٍ أو قتال، وإنما بقصد الضرر والإيذاء، فيما تسميه سلطات الاحتلال أنشطة اعتيادية يومية لجيشهم الغاصب.
وفي الليل حيث الظلام الدامس في بعض مناطق القطاع نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، وحيث الهدوء يخيم على السكان الذين خلد بعضهم إلى النوم، كانت صواريخ الاحتلال وقذائف دباباته تمزق بوحشيةٍ صمت الليل، وتزلزل أرض القطاع، فيسمعُ دويَّ الانفجاراتِ كلُ السكانِ من رفح حتى بيت حانون، في الوقت الذي تسارع الإذاعات المحلية بنقل تفاصيل القصف والإغارة، مكانه ونتائجه وآثاره.
سمعتُ القصف مراراً، وشهدتُ الغارات كثيراً، انتفضتُ في مكاني، تخليتُ عن كل شئٍ حولي، تركتُ أوراقي وجهازي، ألقيتُ بقلمي ودواتي، ودارت عيوني في محاجرها حيرةً، بصمتٍ ودون كلماتٍ تساءلتُ أين القصفُ، ماذا جرى ولماذا، ولكن الكلمات في فمي تجمدت، ولم أقوَ على البوح بما أرغب، ولم أستطع توجيه السؤال إلى أحدٍ، وشعرتُ بخجلٍ كبير، واستحييتُ من نفسي وحاولتُ أن أتمالكَ أعصابي وأبدوَ مثلهم، ثابتاً غير خائف، واثقاً غير قلق، إذ رأيت أطفالاً يلعبون فما توقفوا، وآخرين يركضون وراء بعضهم فما التفتوا، ومنهم من يركب دراجته الصغيرة، أو يحاول لملمة ألعابه وأغراضه وكأنه لم يسمع شيئاً، في الوقت الذي رأيتُ فيه آخرين حول موائد الطعام متحلقين، بعضهم يمسك كسرة خبزٍ لم يتوانَ عن مضغها وابتلاعها، وآخر لم تسقط منه ملعقته، منهم من استطاع أن يقرأ أفكاري وقد أدركَ حقيقةَ نفسي، فقال لي مطمئناً، بكلماتٍ بسيطة، وثقةٍ كبيرة، لا تقلق فقد اعتدنا على "دباتهم" اليومية، وعاد إلى مزاولة عمله واستئناف ما كان فيه.
لا يعتقدن أحدٌ أن الفلسطينيين لا يحبون الحياة ولا يحرصون عليها، وأنهم يتمنون الموت ويسعون إليه، ولا يهمهم أن يموتوا قصفاً أو غرقاً، موتاً على الفراش أو قتلاً في المواجهات والاعتداءات، يأساً من أوضاعهم، وحزناً على أحوالهم، وفراراً من واقعهم، ولهذا فهم لا يكترثون بقصفٍ ولا يخافون من غارة، ولا يتراكضون أو يتدافعون عند القصف مخافةً من الموت، إذ ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت أنفاسهم وتحشرجت أرواحهم لسوء وبؤس ما هم فيه.
بل إنهم يحبون الحياة ويقبلون عليها، ويعملون الكثير من أجلها وكأنهم يعيشون أبداً، ويخططون لغدهم ومستقبل أطفالهم، يسافرون ويعودون، يروحون ويجيئون، يفرحون ويتزوجون، يتوالدون ويتكاثرون، فهم أثناء القصف وبعده يواصلون عملهم، ويستكملون بنيانهم، ويعودون إلى مدارسهم وجامعاتهم، ويستأنفون ما بدأوه من أعمالٍ ومشاريع، فلا السيارات تتوقف، ولا المحلات تغلق أبوابها، ولا المارة يهربون ويتخفون، ولا المدارس والجامعات تقفل، ولا شئ مما يتوقعه ويأمله العدو منهم يكون.
في الوقت الذي انقرضت فيه معاني الخوف والجبن والهلع لدى الفلسطينيين، فإن اليقين لديهم بالنصر لا يتزعزع، وإيمانهم بالتحرير الكامل لا يضعف، فهم لا يرون في عدوهم قوةً لا تقهر، وجيشاً لا يهزم، وإرادةً لا تلين، وقادةً لا يعرفون المستحيل، بل يرونه ضعيفاً خائفاً، متردداً جباناً، يبحث عن السلامة، ويتطلع إلى الأمن، ويخشى على مستوطنيه من القتل، ويقلق على اقتصاده من الانهيار، وشعبه من الإحباط، فلا قوة داخلية لديه، ولا منعةً نفسية لدى شعبه، ولا إرادة قتالٍ حقيقة عنده، فهو لا يقاتل إلا من وراء جدر، ولا يقصفُ إلا من علٍ، ويدرك أن زمن اجتياحه للأرض قد ولى، فلا قدرة لديه على إخضاع السكان، وفرض إرادته عليهم، ومنعهم من المقاومة والقتال، ويخطئ أكثر إذا اعتقد أن هذا الشعب قد تخلى عن عناده، وتنازل عن ثوابته، وأنه قد كسر سيفه، وترجل عن جواده، ونسي أن خريطة بلاده حدودها البحر والنهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.