سحب الليل أذيال ردائه وخطا راحلا بتأني ، فتسارع دبيب الحياة كاشفا عن كون مؤرق لم يعد له الليل ثباتا ، نفض طائر جناحيه بالقرب من نافذتي نقر زجاج النافذة وطار معلنا رحلة يومه الطليقة في فضاءات الكون ، ليتني أملك جناحي طائر يهيم محلقا بلا حدود ولا قيود فأكون أينما أشاء ، عبر زجاج النافذة تابعت دبيب الكائنات ، من أين يجيئون وإلى أين يرحلون ، قوافل تسير مغيبة اعتادت الخطوات على خارطة الأسفلت القاسي ، انطلقت أعدو، أمني النفس بالانطلاق الحر ومداعبة الكائنات الصغيرة المرفرفة على خلفيات الألوان البهيجة ، على ضفة النهر أسير باحثة عن تلك القصاصات الصغيرة المرفرفة بين جوانحي. أن تبحث عما تشعره ولا تلمسه ذاك هو البحث المضني . أهيم في الدروب وحدي أتأمل الكائنات حولي أجتاز النهر الخالد على معبرعتيق يتصدره أسدان ساكنان والكون حولهما يهرول في دوامة لا تنتهي ،أطالع وجوه المارة المستسلمون لأقدار لا يعرفونها وأحداث يعايشونها، تموت الأحلام على الأهداب المؤرقة في ليل مزدحم بوقائع يومية لحياة متسارعة ، ترحل الآمال القريبة مبتعدة عن متناول اليد ورؤيا العين ، أطالع وجوه الصغار الواعدة أتأمل الملامح الرقيقة المنمنمة تشق طريقا في زحام الصباح نحو هدف حدد مسبقا ، يتوالى ضجيج يومي يزدحم بالوقائع ، صور تتحرك أمامي على شاشة في علبة تكتظ بالمشاهدين الملولين والمتململين ، ابتهج قليلا ، اكتأب قليلا ، أرحل وحدي باحثة ، اشتاق نسائم البحر وأصوات النوارس و بقايا ذكريات الشوارع العتيقة في اسكندريتي الجميلة أطير إليها بأجنحة الشوق ، احتضن البيوت القديمة والأزقة الصغيرة أتغنى بلهجتي الخاصة ، التي ترفض حديث الفرد وتتشبث بالجمع ، وأعود باحثة عن معنى للحرية ، حين تبلل أيدينا بالندى في الصباحات ونراقب تفتح الياسمين والنرجس ونعدو وراء الفراشات الملونة نتلون خجلا أو جرأة، نتلهف شوقا، نتململ ضجرا نتعاطى كل مشاعرنا بلا قيد مما يجب وما لا يجب . هي أحلامنا نحملها بين جوانحنا ونمضني في قافلة الزمن نحلم باسترداد حريتنا التي سلبت. كالنوارس المهاجرة نحن، حائرون دوما. لا رحيلنا غربة ولا حلنا وطن. كالنوارس نمضي ندمن الترحال والأماني يحملنا الحلم ، كطائر النورس تتلون أجنحة الحلم بزرقة ماء البحرفي الصباحات ونطويها على سواري السفن الساكنة برصيف الميناء في المساءات .