بقلم : رانيا مسعود عندما تخرجتُ في كلية الألسن كنتُ أظنُ أنني سأصبح مترجمةً أو مرشدة سياحية هكذا وبكل سهولة، فقد زين لي الشيطان سوء التحاقي بالكلية ولم أفهم جيدًا معنى الآية الكريمة: إنَّ بعضَ الظن إثم. حتى كانت الصدمة الأولى وهي إننا في عام 2002 الذي لا تقلُّ أحداثُهُ سوءًا عن هذا العام 2011 فكانت حربًا شنتها أمريكا على نفسها والعالم بدخولها إلى الشرق الأوسط، وقطعت بذلك حلمي وحلم الآلاف في العمل. وفي أحد أيام العيد أثناء تجولي مع أختي الصغيرة التقيتُ اثنين بالصدفة البحتة يحاولان الانفلات من التاجر الجشع الذي أراد أن يغشهما، واستمعتُ باهتمامٍ إلى الطريقة التي ينطقان بها الإنجليزية، ففهمتُ على الفور إنهما إيطاليان. كان السيد فرانكو والسيدة لورينا أول إيطاليين ألتقيهما بعد سنوات الدراسة. مارستُ ولأول مرة في حياتي عملي كمرشدة سياحية معهما. ارتبطا كثيرًا بي فكلما عدتُ إلى المنزل وجدتُ والدتي تخبرني بمكالمتهما التي فاتتني وبأنهما سيعاودان الاتصال بي ثانيةً. بالطبع لم تكن أمي تفهم الإيطالية، ولكنها كانت تفهم ما يقولان من إنجليزية ضعيفة لاقت لدى مثيلتها عندها استحسانًا وألفت لغةً حواريةً مفهومةً لكلا الجانبين. حتى كانت المفاجأة: لورينا وفرانكو يريدان أن يزورا مصر للمرة الثانية، وهما يحاولان جاهدين الحصول على تذكرة إلى القاهرة. وتشاءُ الأقدار ألَّا تتوافر تذاكر إلا إلى شرم الشيخ في هذا الموعد بالذات من السنة الميلادية. أصرَّت لورينا أن تراني بأية وسيلة فحجزت لتأتي إلى شرم الشيخ واتصلت بي تقول إنها ستدفع لي ثمن تذكرة الطائرة كاملةً ذهابًا وعودة كي تراني. ولأنني ما سافرتُ قبلًا دون عائلتي إلا في صحبة الجامعة والزميلات مرتين في العمر، اقترحتُ عليها أن يأتي أخي معي وأن ندفع ثمنًا أقل في الأتوبيس. فرحبت بالفكرة. ذهبتُ أنا وأخي إلى شرم الشيخ لأول مرة في عمري. ركبنا الأتوبيس في تمام الحادية عشرة مساءً في القاهرة، ووصلنا هناك في تمام الساعة الخامسة فجرًا. أول ما وصلتُ إلى الفندق طلبتُ أن أصلي الفجر وكان معي إسدالي الخاص بالصلاة، ومع اندهاش الجميع دخلتُ حجرةً بدت وكأنها حجرة يدخلها العاملون بالفندق للراحة وقت العمل. صليتُ لكي يمضي بعضُ الوقت، ثم عدتُ إلى أخي المستلقي على أريكة ببهو الفندق. أيقظته فإذا به يلومني وينظر في ساعته فإذا هي السادسة والنصف تقريبًا. قلتُ في نفسي إن لورينا وغيرها من الأجانب يستيقظون مبكرًا فحاولتُ الاتصال بهما في الغرفة. فصحَّ ظني إذ أجابتني ولامتني أنني لم أهاتفها منذ لحظة وصولي. فصعدنا أنا وأخي ورحبت بي لورينا وفرانكو وتركا كل من فرانكو وأخي الغرفة لنا لكي نتحدث معًا دون إحراج. ثم تذكرتُ قريبي الذي يعمل في المدينة فهاتفتهُ على الفور وإذا بهِ يفاجئني بزيارة لطيفة أتاح لي بعدها القيام بجولة في المدينة في أتوبيس شركة السياحة التي يعمل بها. ذهبنا في البدايةِ إلى الشاطئ، حيثُ ارتديتُ ملابسي الخاصة التي سأنزلُ بها البحر بصحبةِ أخي وصديقتي العجوز وزوجها. لم أكن أدري أن مدينة كهذه عندنا على الخريطة المصرية بهذا الجمال ويُحرم منها ملايين المصريين هكذا. لكنها على أية حالٍ مدينة خلابة أتاحت لي الظروف وشاء اللهُ أن أزورها ولو مرة بعمري. نزلنا البحر أنا وأخي في البداية ثم تبعتنا لورينا بزيها المعتاد. وعندما رأيتُ العمق الرهيب الذي انتهى بنا أنا وأخي إلى عشرات الأمتار تشجعتُ كعادتي بما فعلَ أخي من مبادرة بوثباته التي استعرض بها أمامي. تراجعت لورينا فقد أجرت عملية جراحية بالمعدة منذ شهرين واستأذنَت في أن تغادرنا وتنتظرنا على الشاطئ. أخذتُ أسبحُ أنا وأخي وتمتعنا بالمياه الجميلة وألوان الأسماك التي كانت تسبحُ بجوارنا في أجمل مشهد رأته عيناي، لكن الغريب أنني وجدتُ كلَّ كاميرات الفيديو مسددةً نحوي. ظننتُ في البداية إن هؤلاء السائحين ينظرون إليَّ وإلى أخي باعتبارنا عروس وعريسها في شهر العسل يقضياه معًا بشرم الشيخ في البحر، وأخذتُ من جديد أسبح بصحبةِ أخي. عندما خرجتُ وجدتُ الكاميرات قد ازدادَ تسلطها عليَّ... وعليَّ أنا بالذات!!! ازداد اندهاشي عندما رأيتُ الروسيات هنَّ اللاتي يسددن كاميراتهنَّ إليَّ. جلستُ مع أخي وأخذت أتحدث إلى فرانكو في أمورٍ كثيرة. كان أهم ما أراد فرانكو معرفته مني هو البرلمان المصري وعدد أعضائه واليساريون واليمينيون وتعجَّبَ مني إذ لم يكن لديَّ أيُّ إلمامٍ بالمعلومات السياسية الخاصة بهذه الأمور. فقلتُ له إنها إرادة الدولة ألَّا نتحدث مع الأجانب في الأمور التي تختص بالدين والسياسة. وقتها كان أخي يحاول أن يفهمنا لكنه لم يُفلح، فاستدرتُ بوجهي كي أرى أين سرحَ أخي بأنظاره، فوقعت عيناي بالصدفة على فتاتين روسيتين ترتديان البكيني وقد خلعتا نصفه العلويّ. ساعتها كانت مفاجأة بالنسبة لي فنظرتُ إلى أخي ووجدته بفضل الله ينظر إلى الجهة المقابلة. أدركتُ حينها لماذا مَنَّ الله علينا بزوال نعمة السفر إلى شرم الشيخ. وأدركتُ كذلك كيف كنتُ أنا وأخي مادة فيلمية رائعة جذبت كل السائحين وقتها.... إذ كنتُ أنا وأخي الوحيدين اللذين احتفظا بملابسهما وخصوصًا أنا إذ كنتُ مرتدية بنطالي وتي شيرت بأكمام طويلة وطرحة بيضاء...