بقلم خيري منصور يحتل حزب الوفد مكانة مهمة في الذاكرة الوطنية المصرية، اكتسبها من تعبيره عن المطالب والأحلام المشروعة وهي الخلاص من الاحتلال والحصول علي الاستقلال، ورغم أن الحزب الذي تأسس لهذين الهدفين لم يستطع تحقيقهما، فإن حالة الحراك الشعبي التي أحدثها عقب الحرب العالمية الأولي، كانت سببا في حالة من النشاط السياسي، واهتمام الشارع بالشأن العام أكثر من أي وقت مضي. ومع فشل الوفد في تحقيق ما قام لأجله فإنه نجح في إقامة حزب علماني ليبرالي، لا يخلط بين الدين والسياسة، ويقوم علي فصل الدين عن الدولة، وعلي حقوق المواطنة المتساوية، التي جسدها شعار الوفد التاريخي"الدين لله والوطن للجميع".. كان هذا أعظم إنجازات الوفد القديم، إن لم يكن إنجازه السياسي الكبير والوحيد.. لكن حتي هذا الإنجاز لم يعد له وجود. وحين عاد الوفد مع عودة الحياة الحزبية، خاض أول انتخابات برلمانية له في عام 1984 متحالفا مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يعتبر أول معول يستهدف هدم علمانية وليبرالية الوفد، لكن رئيس الحزب الأسبق فؤاد سراج الدين الذي عركته السياسة، وخبرة العمل العام قبل الثورة وبعدها، لم يمض في هذا التحالف طويلا، وفضه بعد ثلاث سنوات ولم يسمح للإخوان بالتسلل داخل الوفد أو السيطرة عليه أو القضاء علي علمانيته.. أو التخلص من مبدأ فصل الدين عن الدولة، الذي ازدهر وكبر وعاش الوفد عليه. لكن مشكلة الوفد الحقيقية، أنه لم يعد به زعماء بقامة سعد زغلول أو مصطفي النحاس أو فؤاد سراج الدين، لذلك يبدو الحزب مرتبكا، فاقداً لبوصلته السياسية، ينقلب علي ثوابته بين لحظة وأخري دون أن يدرك القائمون علي أمره، أن ما يفعلونه بهذا الحزب العريق، ما كان يستطيعه المنافسون مهما استخدموا من أدوات التآمر لهدم الوفد والقضاء عليه. أنا شخصيا أعتبر أن الوفد في سبيله للنهاية، أو علي دخول مرحلة موت سريري، حينما يصر رئيس حزبه السيد البدوي علي أن الوفد ليس حزبا علمانيا، وهو دون أن يقصد، أو ربما يقصد، يهدم أسس الوفد، ويحوله إلي صورة ممسوخة باهتة من أحزاب أخري ضلت الطريق السياسي وسقطت في حالة من المماحكة، بسبب غياب القيادة الواعية، واستسهالها الحركة وراء الشارع، وليس محاولة توجيه الشارع إلي غايات أهم. مشكلة من في الوفد حاليا أنهم يرون المزاج العام أكثر تدينا من ذي قبل، لذلك يراهن الوفد علي هذه المشاعر الدينية ويغير أفكاره، متصورا أن هذا التحول كفيل بمنحه شعبية أو بضعة مقاعد في البرلمان القادم تحفظ ماء وجه المتحولين في الوفد. من السهل أن ترفع شعارات دينية، وأن تتخلي عن مبادئ عمرها نحو تسعين عاما، لأن الغاية تبرر الوسيلة في السياسة، لكن حتي الشارع الحائر والمحير يدرك جيدا، من يحافظ علي ثوابته، ومن يغيرها، ولم يعد ممكنا أن يمنح أحد صكوكا علي بياض، لمجرد شعارات لم تعد تخيل علي أحد.