الهجوم الذي يُشن ليل نهار على هذه الفتاة، والتي لولاها لما خرجت الجموع الحاشدة يوم الخامس والعشرين من يناير، ما كان ليشنه أحدٌ على الفتاة مثلها لو كانت تدعو مثيلاتها من الفتيات لحضور حفل ماجن أو للاشتراك في رحلةٍ ترفيهية. آخر ما سمعتُ من هجومٍ كان إثرَ تصريحٍ لها بأن الإعدام أكرم من حريةٍ تدخلت أمريكا لمنحها إياها، فيُعلق المذيع بكل غلٍّ ادعاءً بتمويل النشطاء مثلها ومثل الجماعة، التي أنهت علاقتها بها قبل الفيديو، من أمريكا. ربما لم تكن علاقتي بهذه الفتاة بالقدر الكافي للحديث عنها، لكنني مؤمنة بقدر التشويه الذي تحظى بهِ أيُّ شخصيةٍ تقاومُ الفساد في مجتمعنا وبكل أسفٍ أرى تعزيزًا لشخصياتٍ أخرى ترتكبُ الفواحشَ العلنية ولا تخشى الله ولا الضمير الإنساني فيما تفعل، لكنها سمة الإعلام المصري الذي تَلَوَّثَ بأيدي الماجنين من النظام السابق ما جعل للراقصة شأنًا يفوق بكثير شأن العالم والطبيب والمفكر الديني والسياسي. في اللحظة التي أتابعُ فيها أخبار الجارة الشقيقة ليبيا أسمعُ تفاهاتٍ تصلُ رغمًا عني إلى أذني وأذن جميع المصريين عبر شاشات التليفزيون المصري الذي تغافلَ تمامًا أنباء الاشتباكات الحقيقية بين جنود مصر على الحدود مع جنود العدو الصهيوني، بل ولم يكتفِ فقد أذاع أخبارًا كاذبة عن اشتباكاتٍ بين جماعات إسلامية تكفيرية في الداخل استشهد على إثرها جنودٌ مصريون. و أراجعُ الذاكرة منذُ ثورة تونس التي سببها ظلمٌ لا يقلُ عما نعاني منه في كل دولنا العربية، فتتردد إلى مسامعي كلماتُ فتاةٍ تدعو بكل قوةٍ وحسم الجماهير للنزول لقولها في وجه الظلم: لا. كان الفيديو الأول لأسماء عندما أشعل أكثرُ من شخصٍ جسده اعتراضًا على أوضاعه التي تسوء يومًا بعد يوم، وتنزلُ أسماء بصحبةِ أعدادٍ بسيطة من الشباب المناضل إلى الميدان لتستغيث بضمائر المصريين التي كبلتها أيادي الظلم لسنواتٍ. ثم انتشر الفيديو الذي دعت فيه جموع المصريين إلى النزول يوم الخامس والعشرين اعتراضًا على انتهاكات الشرطة. وعلى الرغم من سيل الانتقادات التي تغمرها يوميًّا، فأنا أحسد هذه الفتاة على شجاعتها وبسالتها للوقوفِ في وجه الظلم. الآن الآن أستطيع القول بعد أن دخل الثوار إلى طرابلس أن فتاةً اسمها أسماء محفوظ سيكتبُ التاريخُ اسمها بالذهب وسيجعل الله في ميزان حسناتها تحريرُ طرابلس وجهادُ الليبيين والمصريين، والسوريون من بعدهم.