يواجه قطاع النقل البحري بمصر تحديات كبيرة تهدد حركة التجارة الخارجية مع الأسواق العالمية، وأخطر هذه التحديات يتمثل في افتقادها لخطوط ملاحية مباشرة مع الموانئ الخارجية، بالإضافة إلى سيطرة شركات الشحن والخدمات البحرية علي أرصفة الموانئ والشحن والتفريغ، حيث يخضع معظمها للتوكيلات العالمية سواء كانت مملوكة لمصريين أو تدخل شراكة مع شركاء أجانب. وفي الفترة الأخيرة تفاقمت أزماتها مع شركات التجارة العاملة في مجال الاستيراد والتصدير، في ظل غياب قطاع الشحن الحكومي باستثناء شركة حكومية وحيدة وصفت خدماتها من معظمهم بالمتدنية ومع ارتفاع سعر الدولار، واتجاه معظم التوكيلات لزيادة أسعارها. نحاول الوقوف على أسباب المشكلة وكيفية إيجاد حلول، بعضها شائك بسبب افتقاد مصر لخطوط ملاحية مباشرة، إلى جانب ضرورة تحسين أداء الشركة الحكومية وتحصيل الرسوم بالجنيه، طالما تعمل هذه الشركات تحت مظلة القانون المصرى. وأكد محمد رستم، نائب رئيس الشعبة العامة للمستوردين باتحاد الغرف التجارية، أن مسألة سيطرة هذه الشركات أو أصحاب التوكيلات على الساحات الخارجية للموانئ وخاصة بالإسكندرية غير مقبولة، ولكن لسطوتها واضطرار أصحاب الشركات للتعامل معها تقوم بتحصيل الرسوم والغرامات وفقاً لأهوائها، على الرغم من أنه من المفترض أن يتم عملها داخل الموانئ، فإن الظروف التي يمر بها سوق الصرف من شح في الدولار وفشل البنوك في تدبير العملة، وبالتالى تغطية الاعتمادات قد يؤدى لتأخر الإفراج عن البضائع من قبل الجمارك، الأمر الذي يؤدى إلى قيام هذه التوكيلات بتحصيل غرامات حاويات، بالإضافة إلى قيام الشركات المستوردة بسداد رسوم الشحن والتفريغ وللأسف يتم سدادها بالدولار. وأضاف «رستم» أنه من المهم أن تتدخل وزارة النقل لإصدار قرار بإلزام أصحاب هذه التوكيلات بتحصيل الرسوم بالجنيه، فمن غير المقبول أن يتم السداد بعملة أجنبية داخل حدود الدولة، مشيراً إلى استغلال معظمها لأزمات الدولار وسيطرتها على الأرصفة بالمبالغة في فرض الرسوم، مما يزيد من عبء التكلفة علي المستورد، تنتقل بعد ذلك ليتحملها المستهلك، مشيراً إلى أهمية اتخاذ الحكومة إجراءات فعلية للحد من احتكار هذه الشركات والتي تعتبر جزءاً من الخطوط الملاحية العالمية وأن نضع أموالاً في رأسمال شركة الصوامع الحكومية الوحيدة وتطور إدارتها بهدف تحسين أدائها وفتح الباب لإنشاء شركات جديدة منافسة سواء حكومية أو خاصة لتعزيز المنافسة بالسوق البحرى. وأكد أحمد صقر، رئيس إحدي الشركات المستوردة للمواد الغذائية وعضو غرفة الإسكندرية التجارية، أن رسوم التوكيلات الملاحية أصبحت في الفترة الأخيرة عبئاً علي الشركات وخاصة خلال أزمة الدولار، بسبب قيامها برفع أسعارها سواء للتفريغ أو رسوم ما يعرف بالأرضيات والطاقة والحراسة في ميناء الإسكندرية، بالإضافة إلى تحصيلها الرسوم بالدولار، مشيراً إلى أنه في الفترة الأخيرة دأبت هذه الشركات علي تواجدها في ساحات خارج الموانئ وتقوم خلالها بعمل ممارسات لا تتفق مع القواعد العالمية كأن تحدد الرسوم بما يتراءى لها بعيداً عن الأسعار المصدرة عالمياً، وأدى تأخر الإفراج عن الشحنات أو عدم تقدم صاحب الشركة للإفراج عن بضاعته إلي فرض غرامة قد تتراوح ما بين 175 دولاراً إلى 180 دولاراً في اليوم، وذلك بالنسبة لكونتينر، أما في حالة الثلاجات الصغيرة قد تصل إلي 50 دولاراً، وبهذا الوضع أصبحت تمثل 20٪ من تكلفة وصول البضائع وإخراجها من الموانئ. وأوضح «صقر» أن هناك نقطة مهمة قد تضر بالاقتصاد وهي أن هذه الرسوم التي تحصلها هذه الشركات لا تدخل خزينة الدولة، بل يتم تحويلها بالكامل للخارج، ويتم ذلك في غياب أي قرارات أو إجراءات حكومية تحدد سعر وتعريفة التفريغ أو الحراسة أو الغرامات لهذه التوكيلات بما يتناسب مع الأسعار العالمية. وقال «صقر» إن الشركات المستوردة من خلال الاتحاد العام للغرف التجارية طلبت تشكيل لجنة عليا برئاسة رئيس الوزراء وتضم ممثلين لشركات التجارة والغرفة التجارية وممثلين للتوكيلات الملاحية، ولكن حتي الآن لم يتم تشكيلها، خاصة أنها كانت تتجه لتحديد معايير الأسعار وفقاً للتكاليف الفعلية، موضحاً أن مصر ليست لديها خطوط ملاحية مباشرة مع موانئ الدول الأخرى مما يضطرها للجوء للخطوط الملاحية العالمية، إلا أنها بإمكانها تسعير الخدمات مع موانئ قريبة وعالمية مثل ميناء جبل على بدبى ولكن علي ما يبدو هناك صعوبة في اختراق «عش الدبابير»! وأكد اللواء إبراهيم يوسف، الخبير البحرى، أن مشكلة التوكيلات بمصر بدأت منذ 4 سنوات عندما ظهرت النقابات المستقلة في قطاع أعمال النقل البحرى والبرى، وكانت هذه الأعمال تتم من خلال القطاع العام، إلى أن ظهرت الأنشطة الخاصة بالقطاع الخاص ومن ضمنها التوكيلات الملاحية والتي توسعت للغاية واخترقت المجال البحرى توكيلات أجنبية مارست نشاطها وفقاً لما نص عليه القانون بواقع 49٪ توكيلات ملاحية أجنبية و51٪ مصرية، وبدأت نشاطها بعدد محدود حتي سيطرت تماماً في غياب القطاع العام والتي تراجعت إلي أن بلغ عددها 3 فقط وأبرزها العربية للتفريغ التابعة للقطاع العام. وأوضح أن وزارة النقل حددت الأعمال البحرية وأصبحت الموانئ خلالها منظمة للأنشطة ومراقبة الأعمال وخاصة علي الشركات المتخصصة وهناك حاويات ومراكب لها أسلوب وبرامج ذات أنظمة متعددة. ويرى اللواء البحري أن الحل الأمثل لهذه المشكلة يتمثل في تداخل القطاع الخاص مع قطاع الأعمال في ممارسة الأنشطة وتحديد الخدمات البحرية، بالإضافة للتسعير، مشيراً إلى صعوبة إلغاء نظام الوكالة الملاحية للقطاع الخاصة، مشيراً إلي أن هذه مسئولية موانئ لها مهمة إشرافية وتمتلك سلطة إلغاء الوكالة للشركة المقصرة في أعمالها، خاصة أنها لن تخترع خدمات أو أسعاراً فهي تراعى أسعار الخدمات المقدمة في الموانئ القريبة. وأوضح أن مشكلة الأسعار في الفترة الأخيرة لم تكن بسبب التوكيلات وحدها، بل شاركت وزارة النقل في مشكلة رفع الأسعار، وبالتالى أثرت علي سعر النولون، ولذلك تجميد القرار الوزارى صدر في وقته، خاصة أن هناك وكلاء ملاحيين هددوا بالانسحاب. ويؤيد الخبير البحري تحديد أسعار الخدمات البحرية المقدمة للسفن وشركات التجارة المتعاملة مع الأسواق الخارجية سواء مستوردة أو مصدرة، من خلال تشكيل لجنة بوزارة النقل تضم أصحاب التوكيلات والتجارة وممثلين للوزارة تحدد الأسعار، ثم تقوم برفعها للمجلس الأعلى للموانئ، الذي يضم في عضويته وزراء النقل والتجارة والمالية ومسئولى الجمارك. وأكد محمود مختار، العضو المنتدب الأسبق لشركة جارد إنترناشيونال للشحن، أن اتهامات رجال الأعمال لتوكيلات الخدمات البحرية بها شيء من الصحة، خاصة أنها في الفترة الأخيرة بدأت أسعار خدماتها تأخذ منحنى تصاعدياً بالنقيض مع الأسعار الخارجية التي تحددها شركات عالمية بالموانئ. وأوضح أن المتسبب فيها ضعف الرقابة بالإضافة إلى عدم تمتع مصر بخطوط ملاحية مباشرة مع الموانئ الخارجية، مؤكداً أن هذه التوكيلات تستغل علاقتها وتبعيتها لشركات الملاحة العالمية وتحدد السعر حسبما يتراءى لها بدعوى تيسير أعمال الشحن والنقل وتقديم الخدمات سواء للشركات المصدرة أو المستوردة عبر الخطوط الملاحية بالموانئ الخارجية. ويرى «مختار» أن الحل الوحيد للقضاء على احتكارات هذه التوكيلات يهدد وجود خطوط ملاحية وطنية ترتبط بخطوط مباشرة مع الموانئ الخارجية، وأضاف أنه في ظل الاتجاه لتنمية مشروع محور قناة السويس وإنشاء لوجستيات للنقل والخدمات البحرية للسفن علي غرار الموانئ العالمية وسيصبح بإمكان مصر إنشاء أسطول نقل بحري قوى، بالإضافة لاجتذابها جميع الاستثمارات العالمية وبالتالى غل أيدى هذه التوكيلات عن تحديد للأسعار بعيداً عن شركات قطاع الأعمال والمفترض أن يكون لها دور وطنى منافس بعد مرحلة تنمية القناة.