جايسون بورك يُصدر" حروب الحادي عشر من سبتمبر" كتبت- عزة إبراهيم: منذ 35 دقيقة 5 ثانية يتوالي صدور العديد من الكتب المتعلقة بالإرهاب؛ فمنذ عام 1995 وحتي الآن تم نشر 1000 كتاب يحمل على غلافه كلمة الإرهاب، ولكن بعد مرور عقد من الزمن علي أحداث الحادي عشر من سبتمبر ظهرت كتابات جديدة تحمل رؤى مختلفة مثل كتاب " لن ننسى أبدا 11/9" للأطفال، للمؤلف وين بيل، وكتاب " بعد أحداث 11 سبتمبر" الذي أصدرته صحيفة "ذي نيويوركر" الأمريكية، وكتاب "أطول حرب" ل"بيتر بيرجن". وأثار كتاب "لن ننسى أبدا 11/9" للمؤلف وين بيل غضب مسلمي أمريكا الذين اتهموا المؤلف بتأجيج كراهية الإسلام وترسيخها في نفوس الأطفال، الذين توجه المؤلف لهم بكتابه، أما كتاب "بعد أحداث 11 سبتمبر" الصادر عن صحيفة "ذي نيويوركر" الأمريكية فقد كتب مقدمته "ديفيد ريمنك" ويتضمن مختارات من أهم ما نشر حول الأحداث في أسبوعها الأول، وحرص بيتر بيرجن في كتابه "أطول حرب" على تقديم رؤية مختلفة للأحداث. ويُعتبر المؤلف جايسون بورك مراسل صحيفة الجارديان البريطانية أكثر المؤلفين براعة في تقديم تحليل مختلف لأحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي أطلق عليها "حروب الحادي عشر من سبتمبر". وتميز بورك بخبرته المتميزة المثيرة للإعجاب، التي اكتسبها من حضوره الفعلي ووجوده بالعديد من ميادين القتال بموجب مهنته، والتي دعاها عن حق ب "العديد من الحروب المتشابكة". وتُعد الصحافة هي المسودة الأولى للتاريخ، لذلك فإن كتاب الصحفي بورك يعتبر مشروعا جيدا جدا لما يتميز به من توازن ملحوظ وكتابة جيدة للمصادر، كما أن دقة المشروع التاريخي لبورك تجعله قادرا علي الوصول في المستقبل إلي الجميع حتي المختلفين معه. وتجنب بورك في مشروعه التأريخي للحادي عشر من سبتمبر كل المزالق الكلاسيكية والمطبات المعتادة التي يتعثر بها الصحفيون والمراسلون أثناء كتاباتهم في تاريخ الحروب، وتعتبر أكثر الأخطاء شيوعا في الكتب المشابهة لتجربة بورك هي أن يلجأ الصحفي إلي قص ولصق المواد المنشورة القديمة معتقدا بأن تغطية الأحداث كانت مثالية، وأن الصحافة اهتمت ببقعة الحدث بالشكل الأفضل علي مستوي بقاع العالم، وبالعكس، فقد جاء طرح بورك للحادث في كتابه بشكل يحمل تحليلات مختلفة، الأمر الذي يجعل مؤيدي الحرب علي الإرهاب لا يجدون مدخلا للجدال معه، وإن كانت الاستجابة الخارجية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر أدخلت الغرب في حرب طويلة وفتحت عليه جبهات متنوعة، أحدها أنه حتي الآن لم يتجاوز مرحلة تجنب الهزيمة. ويكره بورك التعميمات التي أنتجتها فظائع الحادي عشر من سبتمبر، ويتجنبها مستبدلا ذلك بالتركيز علي الخصوصية المحلية للحدث، ومعتمدا علي حجة مقنعة وبسيطة وهي أن العديد من الصراعات والنضالات ليست بالضرورة أن تكون بين الأديان، ولا بين العلمانية مقابل التدين، ولا بين الشرق والغرب، ولا بين من يملكون ومن لا يملكون. ويري بورك أن الحروب قد تحمل دوافعا مشتركة ومختلطة، بل عادة ما تكون متعددة الأسباب، ولكن سمة نتيجة واحدة، هي فوضي الحروب والمعارك الفتاكة مستندا في تبريراته علي أن كل بلد لديها من الأسباب التي تجعلها متضررة إلى وضع ما، وهو ما يجعلها قادرة علي التكيف مع الصراع والقتال من أجل وضعها الخاص، ضاربا المثل بفلاديمير الذي حاول استخدام الحادي عشر من سبتمبر كحجة لشن حرب وحشية على جنوب الجمهورية الانفصالية في الشيشان، وكأنها معركة ضد التطرف الإسلامي، وليس مظهرا آخر للصراع منذ قرون بين النزعات الوحدوية علي الحدود الروسية. وعلي الرغم من اعتقاد بورك بأن الحرب علي العراق كانت خطأً استراتيجياً بشعاً، إلا أنه متحمس جدا لعدم إعطاء أي مصداقية لنظرية المؤامرة، التي تلوث من وجهة نظره الخطاب حول الحرب علي العراق، والتي تظهر بشكل منطقي جدا في كتابات كارل روف، أو هاليبرتون، أو ديفيد كيلي أو اليستر كامبل، حيث تجد أن قرار إدارة جورج بوش للذهاب إلى الحرب، نظرية مؤامرة تجسدت للاستيلاء علي النفط، أو خطأ صهيوني دفعه المحافظون الجدد في البنتاجون، أو انتقاما من صدام لمحاولته اغتيال بوش الأب. بورك ليس ساخطا إلي حد كبير علي إدارة الرئيس بوش فيما يخص اختراق صدام ل 14 قرارا صادرة عن الأممالمتحدة، حيث يري أنه لا بديل عن استراتيجية الرد والغضب الأمريكي علي حرب الحادي عشر من سبتمبر بدخول العراق، تلك الخطوة التي حازت بثناء بورك لمساعدتها في إحداث استقرار نسبي بالعراق. وأعلن بيان بيان كولن باول في الأممالمتحدة عن وجود اتصالات بين ممثلين لأسامة بن لادن وعملاء للمخابرات العراقية، في التسعينات وحتى عام 1998، ويعتقد بيرك بأن كولن باول ليس كاذبا، وأن صدام قام بتدمير ما لديه من أسلحة الدمار الشامل في المرحلة ما بين عامي 1991 و 1999، وتابع بيرك في بيانه أن ذلك كان نتاج سوء تقدير واضح وكي لا يبدو ضعيفا أمام أعدائه الإقليميين وبالتحديد إيران، كما أن صدام فشل في التعاون مع مفتشي الأممالمتحدة الأمر الذي قاده إلي الحرب وسقوطه مع نظامه. مع الربيع العربي ووفاة أسامة بن لادن، تبدو الأجواء مريحة لبورك حتي يطرح العديد من التخمينات الذكية في كتابه الجديد حول مستقبل الصراع، فمؤلفه حول حرب الحادي عشر من سبتمبر يحمل أفكارا مثيرة حول مجموعة من المعارك الخاصة، والصراعات بين الأشقاء، والصدامات الطائفية، والتي تولد في كثير من الأحيان من رحم حالات معينة من الظلم وسوء الإدارة، الأمر الذي يصدم القري بالقري، والجيران بجيرانهم، والقبيلة ضد القبيلة. وتحمل الافتتاحية دروسا ثلاثة حاسمة لمسألة الصراع والحرب، وهي أهمية الهوية المحلية، وقوة الدولة القومية وعمق المحافظين الجدد وتجديد الهوية الدينية والثقافية. وردا علي الذين يقولون إن العرب لا يمكن أبدا أن يتقبلوا الأفكار الغربية حول الرأسمالية والديمقراطية والسوق الحرة وحقوق الإنسان، يقول بورك في كتابه: "أي ثقافة في إطار تطورها المرن وبمرور الزمن تستطيع أن تستقي مجموعة من القيم والمعايير والسلوكيات ووجهات النظر العالمية من أي مجتمع، فتسمح لها بالمرور داخل حدودها إلي جوار قيمها الموروثة".