أزمة زيارة الممثل الأمريكي مورجان فريمان لمصر تناولها الإعلام من وجهات نظر مختلفة، البعض منهم حمل الرقابة علي المصنفات الفنية مسئولية وجود «فريمان» في مصر وأصبحت المشكلة قضية سيناريو يصور في مصر بدون العرض علي الرقابة، وآخرون تحدثوا عن قضية تصوير الفيلم الأجنبي في مصر وحملوا السياحة والآثار وشرطة المصنفات وأجهزة الدولة المسئولية، وكأن تصوير فيلم أجنبي في مصر جريمة يعاقب عليها القانون، ووسط الاتهامات المتبادلة تناسي الجميع أهم ما في القضية، وهو استغلال وجود هذا الفنان العالمي في مصر التي تساوي مليار دولار وأكثر، وهنا لابد أن تتحمل السفارة المصرية في أمريكا المسئولية لأن الفنان العالمي بالتأكيد دخل مصر من خلال تأشيرة دخول حصل عليها من سفارتنا في أمريكا وهو ما يعني أن السفارة كان عليها أن تستغل هذا الحدث الكبير مع أول لحظة لدخول هذا الفنان لمقر السفارة أو القنصلية في الولاياتالمتحدةالأمريكية واستثمار وجود الفنان لن يكلف السفارة شيئا سوي أن تقوم بإبلاغ الجهات المختصة في مصر لإبراز تلك الزيارة في وسائل الإعلام المصرية والأجنبية، وأتصور أن السفارة لديها ملحق إعلامي وآخر ثقافي كل منهما يعني تماما من هو مورجان فريمان، كما أنه من المفروض أن يقدر الموقف، لكن ما حدث أننا اكتشفنا وجود هذا الفنان بالصدفة في شوارع القاهرة، وكأنه نكرة ولولا أن بعض الشباب المصري تعرف عليه وهو يقوم بتصوير مشهد علي كبري قصر النيل لغادر «مورجان» مصر كلها دون أن ندري ليست السفارة المصرية وحدها التي أخطأت لكن المسئولين في مطار القاهرة أيضا يتحملون جزءا من المشكلة لأن الرجل بالقطع دخل من المطار ولم يرتد «طاقة الاخفا» خلال دخوله، وهنا يطرح سؤالا أين كان مسئولو العلاقات العامة في المطار؟ وأين المسئولون عن استقبال الشخصيات المهمة؟ وأين.. وأين؟ وجود «فريمان» في مصر يكشف العديد من المشاكل التي تربط أجهزة الدولة ببعضها ويؤكد أن كل جهة في مصر تعمل بمنطق الجزر المنعزلة، كل واحد في وادٍ، كل شخص من الساعي حتي الوزير يرفض من داخله التعاون مع زميله الوزير الآخر، المشكلة أن القضية عندما تم طرحها تحركت أكثر من جهة وحاولت استثمار الرجل لصالحها، لكن هذا الأمر يعد خطأ أكبر أظهر للفنان مدي العشوائية التي نحن عليها فهذا الرجل عندما جاء لمصر لديه برنامج محدد موضوع يبدأ منذ لحظات الاستيقاظ من النوم، حتي الخلود الي النوم. أما أن نقتحم حياته فجأة وبدون مقدمات فهذا أمر لا يليق. من البداية لو تحركت السفارة وطلبت منه تخصيص نصف ساعة لصالح مصر أو حتي دقيقة يقول فيها جملة «أنا في مصر» لتغير الآن، لأن هذه الناس تسير وفقا لأجندة وبرنامج محدد. وهنا لابد أن نطرح سؤالا: لماذا تساوي زيارة «فريمان» مليار دولار؟ الإجابة ببساطة أن كبار النجوم تلاحقهم الكاميرات أينما وجدوا وبالتالي فهذا الأمر يعد دعاية للبلد، بالتالي عندما ينشر خبر عن وجود الفنان في مصر في الصحف الأمريكية أو في قناة من القنوات فهذا يساوي مليون دقيقة إعلانية مدفوعة الأجر، وأتصور أن الخبر أفضل من الإعلان لأنه يرصد واقعا، والناس دائما تصدق الخبر عن حملات الدعاية والترويج، ثم إن مصر الآن ليس لديها ما تنفقه علي الإعلانات. قضية اكتشاف وجود «فريمان» بالصدفة في شوارع القاهرة لابد من استثمارها لمعالجة ذلك مستقبلا، ولابد أن يبدأ التعاون بداية من السفارات المصرية في الخارج وحتي أكبر مسئول في الدولة لأن هناك دولا بمجرد أن تعلم بأمر زيارة نجم كبير لها يتم تحديد موعد للقاء بعض المسئولين بالدولة كنوع من الترويج واستثمار الزيارة في الدعاية. «فريمان» الذي زار الحسين وخلع حذاءه وذهب الي قلب القاهرة حيث النيل الخالد، وقام بزيارة الأقصر ليس النجم العالمي الوحيد الذي زار مصر، لكن هناك من سبقوه وجميعهم جاء ورحل أيضا دون أن ندري، إذن الأزمة عندنا كبيرة وسببها المفاهيم التي توارثها الموظف المصري سواء كان سفيرا أو خفيرا، الكل يعمل بمنطق واحد، يؤدي عمله بشكل تقليدي دون أدني ابتكار، السفير حدد دوره في الأمور الدبلوماسية وعلاقة مصر بالدولة التي يتواجد فيها، والخفير يعمل بمنطق «مين هناك» ثم يخلد الي النوم، حتي العاملين في مجال تنشيط السياحة أداؤهم «يطفش» السائح، بدليل أنك تسير الآن في مدن مصر السياحية فلا تجد السائح، وزوروا منطقة خان الخليلي والأهرامات والمتاحف والسواحل وسوف تجدون ما لا يسركم. زيارة «فريمان» في وقت مصر تحارب فيه الإرهاب، وتحويل القضية الي سيناريو فيلم لم يشاهده الرقيب إساءة لمصر وكنت أتمني أن تتعامل الدولة مع المقصرين بمنطق مختلف، ليس من أجل «فريمان» ولكن من أجل مصر، من أجل دولة تحارب الإرهاب، تحارب دول تعمل علي إسقاطها.