تشهد رسوم التعليم الأجنبى فى مصر ارتفاعاً فى غالبية مؤسساته التعليمية، نتيجة ارتفاع الدولار أمام الجنيه، بالإضافة إلى زيادة المصروفات بنسبة تصل إلى 50% سنوياً خاصة فى المدارس والجامعات الأمريكية والبريطانية. وهكذا تحولت العملية التعليمية إلى تجارة مربحة، تحقق أرباحاً طائلة تكاد تصل إلى مليارات الدولارات، حيث يتم إلزام أولياء الأمور بدفع الرسوم الدراسية بالدولار الأمريكى أو العملات الأجنبية بدلاً من الجنيه المصرى. تعداد المدارس الدولية يصل إلى 13 ألف مدرسة فى المتوسط، بعدد يقرب من 500 ألف طالب وطالبة بمختلف المراحل التعليمية، وقد شهدت هذه المدارس ارتفاعاً ملحوظاً فى مصروفاتها تراوح ما بين 162 - 36 ألف جنيه. وتصدرت المدرسة الدولية البريطانية بالقاهرة قائمة أغلى مدرسة فى مصر، حيث زادت مصروفاتها لتبلغ 162 ألف جنيه للعام الدراسى، واحتلت الكلية الأمريكيةبالقاهرة المركز الثانى بمصروفات 142 ألف جنيه، فيما جاءت مدرسة المعادى البريطانية الدولية فى المركز الثالث بمصروفات بلغت 103 ألف جنيه للعام الدراسى، وكذلك بلغت المدرسة الإنجليزية الحديثة المركز الرابع بمصروفات 95 آلاف جنيه للعام الدراسى، كما بلغت مصروفات المدرسة الأمريكية الدولية 76 ألف جنيه، وأيضاً المدرسة البريطانية بمصر وصلت مصروفاتها 66 ألف جنيه للعام الدراسى، وتبلغ نسبة مصروفات مدرسة الألسن 64 ألف جنيه، ووصلت مصروفات المدرسة الدولية الكندية إلى 64 ألف جنيه، وتبلغ مصروفات مدرسة الحياة الدولية 53 ألف جنيه، أما مدرسة نفرتارى البريطانية الدولية فهى أرخص مدرسة دولية فى مصر يبلغ متوسط مصروفاتها 36 ألف جنيه للعام الدراسى. وتبلغ مصاريف الانتقال بسيارة المدرسة ما بين 3 و7 آلاف لمناطق مصر الجديدة والمقطم ومدينة نصر والمعادى والرحاب، و4.5 لمنطقة 6 أكتوبر، ورغم الارتفاع الفاحش للمصروفات يتم زيادتها سنوياً بنسبة 7%، كما تبلغ الزيادة فى أسعار الزى المدرسى الخاص 20%. وبحسبة بسيطة نجد أن التعليم «الانترناشونال» الذى يتعامل بالدولار، يجنى مكاسب طائلة من جيوب أولياء الأمور، وذلك بسبب جشع واستغلال رجال البيزنس فى مجال التعليم، ونتيجة الاقبال الكبير على التعليم الأجنبى فى مصر، رفعت الكثافة الطلابية فى الفصول الدراسية، وهذا بالتأكيد ليس فى صالح العملية التعليمية، التى تتطلب عدداً محدوداً من الكثافة الطلابية داخل الفصول الدراسية. وكذلك الحال بالنسبة للجامعات الخاصة ذات المصروفات المرتفعة، والتى يشكو فيها أولياء الأمور من زيادة مصروفاتها بشكل مستمر .. بلا رقابة من جانب الدولة، وفى المقابل يحقق أصحابها مكاسب وأرباحاً مالية تفوق ملايين الجنيهات، بل مليارات الدولارات، وهو ما يعد ابتزازاً للطلاب يحتاج إلى مساءلة ومحاسبة من جانب وزارة التعليم العالى، حتى لا تترك هؤلاء الطلاب فريسة لجشع بعض الجامعات الدولية. ويؤكد الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوى والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية: أن ارتفاع الأسعار وزيادة المصاريف الدراسية فى المدارس الخاصة شكلت أعباء مالية كبيرة على كاهل أولياء الأمور، فلا توجد لها معايير واضحة أو سقف مالى محدد، حيث رفعت مصروفاتها إلى 50%، بالمخالفة للمادة 3 من القرار الوزارى 290 لسنة 2014 فى شأن تنظيم حدود الزيادة التى تطبق عليها المناهج الدولية، كما تبلغ الزيادة فى أسعار الزى المدرسى الخاص 20%، والغريب فى الأمر أن هذه النفقات الدراسية تحصل من أولياء الأمور بدون إيصالات رسمية، كما يجبرون على كتابة إقرارات بأنهم لم يدفعوا شيئاً، ومن يعترض يقع بين مطرقة الاستغلال ولوائح وزارة التربية والتعليم. وحول التعليم الدولى والطبقية.. يضيف الدكتور «مغيث»: أن التعليم الأجنبى، له أفكار وثقافات ومناهج تعليمية مختلفة عن التعليم الحكومى أو التجريبى أو الخاص، ومن ثم يخلق مجتمعاً تقل فيه معايير المواطنة وتكافؤ الفرص، ورغم هذه المساوئ، إلا أن هناك صعوبة كبيرة فى اللجوء للتعليم المجانى الحكومى، الذى لا يحظى بأى عناية أو اهتمام من جانب الدولة. وأوضح الدكتور «مغيث»: لابد من الفصل الكامل بين ملكية المؤسسة التعليمية الخاصة وإدارتها وأضلع العملية التعليمية، فضلاً عن تحديد هامش للربح لأصحاب ملكية كل مدرسة على حدة، بشرط لا يتجاوز 12% سنوياً من قيمة أصول المؤسسة التعليمية، وأن يدفع أولياء الأمور المصروفات الدراسية وكل الأموال المطلوبة منهم عن طريق فتح حسابات بنكية لمعرفة منصرفات وإيرادات تلك المدارس، إعمالاً بمبدأ الشفافية، وبعد ذلك يمكن لأولياء الأمور تقديم إيصالات الإيداع لهذه المؤسسات الخاصة، لأن هناك رسوماً مازالت تفرض ومساهمات على الطلاب وأسرهم، كما يجب تحديد نسبة تكاليف كل مكون من مكونات العملية التعليمية (مرتبات المعلمين والإداريين – أنشطة – كتب دراسية – ملابس – امتحانات – صيانة مرافق وأثاث .. وخلافة)، إلى جانب انتخاب مجلس إدارة من أولياء الأمور بإشراف الشئون الاجتماعية لتولى مهمة الإشراف على تنفيذ البنود السابقة. ولا جدال فى أن معاملة المؤسسات العلمية الأجنبية مع أولياء الأمور أو الطلاب بالعملة الاجنبية، يترتب عليه التأثير البالغ على الاقتصاد المصرى، ويدل دلالة واضحة على إهانة الجنيه المصرى، الذى أصبح يرزح تحت نير اللهفة وراء الدولار الامريكى أو العملة الاجنبية بصفة عامة.. بهذه العبارة بدأ حديثه وحيد فخرى الأقصرى، المحامى بالنقض والإدارية العليا. وأردف: من المؤسف ارتباط العملة الوطنية بالدولار الامريكى لعقود طويلة، وانحناؤها لذلك، بما لا يتفق مطلقاً ومكانة مصر وهيبتها بين دول العالم، كما أن هذا الأمر يرسخ الشعور السائد لدى غالبية المجتمع المصرى، بأن هناك رأسمالية مستغلة، وثورات كبيرة بين الطبقات الاجتماعية، لأن من لديه المال يستطيع الحصول على أى شهادة علمية يرغب فيها، حيث تتراجع هنا نتائج مكاتب التنسيق الحكومية أمام سطوة الدولار فى المدارس والجامعات الخاصة، وهو ما يؤكد أن النظام الرأسمالى مازال سائداً وشرساً على مقدرات الأمور، بما يتطلب إعادة التوازن بين الجهات الحكومية والجهات غير الحكومية. وأوضح: أن هذا النظام التعليمى يشجع من لا يملكون الكفاءة العلمية، والمواهب الطبيعية إلى ارتفاع سلم العلم بأموالهم، فى الوقت الذى يتراجع فيه أبناء الفقراء وذوى الدخول المتوسطة فى هذا المجال، وهو ما يستوجب علينا الحرص على تلك النتائج الخطيرة التى يتبلور عنها هذا النظام الرأسمالى، ومن بينها البحث عن الدولار، من أجل إشباع رغبات أصحاب الأموال بما يقابله زيادة فى انخفاض قيمة الجنيه المصرى بصورة كبيرة، كما يشجع أيضاً ظاهرة السوق السوداء المختصة فى تجارة العملة للحصول على تلك العملة اللازمة لدخول تلك المعاهد الدولية التى تدس السم فى العسل، بطرق مختلفة أثناء العملية التعليمية، وهو ما ينجم عنه أيضاً الاضطراب الفكرى والعقائدى، وضعف شعور الولاء والانتماء للوطن، بسبب نشر الفكر الغربى والأجنبى بين صفوف الطلاب، وكذلك ظواهر الجاسوسية التى يستخدمها الغرب فى الحرب ضد مصر بصفة خاصة، والأمة الإسلامية بصفة عامة. مطالباً بضرورة التأكد من شرعية هذه الدرجات العلمية التى تمنحها تلك المؤسسات الاجنبية ومدى اعتراف الدولة بها، وإلا كانت غير ذى أثر على الأرض المصرية من الناحية الوظيفية.. فيترتب على ذلك أن ما تم سداده من أموال طائلة بالعملة الأجنبية لهذه الكيانات التعليمية الخاصة.. فلا يلوم المرء إلا نفسه، كما أن على الدولة أن يكون لها الدور الرئيسى فى التعامل مع المؤسسات غير الشرعية التى تعطى شهادات غير معترف بها فى مصر، وهو ما يترتب عليه عواقب تتصل بالاقتصاد المصرى واللجوء إلى السوق السوداء للحصول على العملات الأجنبية، وينجم عنه الجرائم التى يعاقب عليها القانون فى هذا الشأن.