العنف بين انعدام الإرادة وحرية الاختيار بقلم:مصطفي درويش منذ 32 دقيقة 7 ثانية عقد كامل من عمر الزمان، يكتمل خلال بضع ساعات وكثيرة هي تفاصيل أعمال العنف التي جرت أثناء سنوات ذلك العقد، بدءا من هجمات قام بها نفر من الشباب، بواسطة طائرات ركاب ضخمة، مختطفة، يوم الحادي عشر من سبتمبر لسنة 2001، علي البرجين التوأم بمدينة نيويورك، وتحديدا حي مانهاتان. وانتهاء بما قام به شبان ملثمون من أعمال سلب ونهب لمحلات تجارية، وإحراق لها في شوارع العاصمة لندن، وغيرها من المدن البريطانية، وذلك قبل بضعة أسابيع. وكثير هو ما يحكي عن مسببات ذلك العنف الذي صنع تلك السنوات العشر. وكان الأديب الإنجليزي «انطوني بيرجس» من بين الذين كان لهم رؤية في هذا الخصوص، ضمنها قصته «البرتقالة الآلية» التي انتهي من تأليفها قبل ظاهرة العنف التي صبغت سنوات العقد الذي علي وشك الرحيل، بحوالي أربعين عاما. ولم تمض سوي عشرة أعوام علي نشرها، إلا وكان المخرج الأشهر «ستانلي كوبريك»، قد ترجمها إلي لغة السينما، في فيلم بنفس الاسم. فماذا قال كلاهما الأديب والمخرج، في البرتقالة الآلية؟ بداية، فالقصة، ومن بعدها الفيلم، كلاهما ليس من أعمال الخيال العلمي، وان كانت الأحداث تجري في المستقبل، إلا أنه مستقبل قريب (1983)، وذلك بحكم ان الفترة الزمنية بين تاريخي نشر القصة وعرض الفيلم وبين ذلك المستقبل القريب، لا تتجاوز في الحالة الأولي الاثنين والعشرين عاما، وفي الحالة الثانية الاثني عشر عاما. والقصة، دون الفيلم، ذات طابع ديني، عن قيمة حرية الإرادة وتوابعها، لا سيما حرية الاختيار. أما الفيلم فقائم علي سيناريو من تأليف المخرج فيه يعرض «كوبريك»، لكابوس الحياة في بريطانيا من خلال شاب مستهتر، حياته كلها لهو ولعب (اليكس) العنيف متأصل فيه، يراه من لوازم وجود يحكمه قانون الغاب، الناس فيه، أمام القوة، جرذان ومن لم يكن ذئباً أكلته الذئاب. ومن أولي لقطات الفيلم لانراه إلا مع أفراد شلته، وكلهم علي دينه، وهم يعيثون في الأرض فسادا يعربدون، ومن هول تدهورهم الروحي، وانغماسهم في شتي ضروب العنف والجنس والجريمة، بلا تأنيب ضمير، تقشعر أبداننا، ونكاد لا نصدق ما نري. وباختصار، ينتهي به العبث والاستهتار مسجونا لما ثبت في حقه من ارتكابه جريمة قتل امرأة ثرية (اسمها في الفيلم المرأة القطة لأنها تعيش بمفردها لا يؤنس وحدتها سوي قطيع من القطط السمان). وأثناء وجوده في السجن تجري عليه تجارب، مثلما تجري علي الخنازير والجرذان، لجعله مواطنا صالحا. وتنجح التجارب، وتهلل لنجاحها أجهزة الإعلام ويخرج من السجن إنسانا مسلوب الإرادة، لا يملك من أمر نفسه شيئا. ولو ان «كوبريك» أنهي فيلمه بذلك المصير البائس لبطله لكان قد نال عمله استحسان جمهرة النقاد. ولكنه، علي عكس ذلك، انهاه بانتصار إرادة بطله، باسترداده حرية الاختيار، الأمر الذي أدي إلي مناصبة فيلمه العداء. وغاب عن وعي من عادوا الفيلم، بمقولة ان صاحبه انتصر للعنف بالنهاية التي اختارها لبطله ان انتصاره في حقيقة الأمر لم يكن للعنف، وإنما لحرية الاختيار، فالإنسان بدونها، كأنه والعدم سواء.