أثارت الدعوة التي أطلقها التيار السلفي حول ضرورة عدم فصل الدين عن السياسة كثيرًا من الجدل والخلاف، لتتصدر قائمة القضايا الجدلية القديمة التي باتت تتجدد خلال الفترة الأخيرة من قبل التيار السلفي. الدعوة أطلقها هذه المرة الداعية السلفي، زين العابدين كامل، الذي أكد أن الشريعة الإسلامية تشمل الاقتصاد والسياسة والاجتماع، وأنها شريعة شاملة لكل نواحي الحياة، موضحًا أن السياسة جزء من الدين، ولا يوجد الفصل بين السياسة والدين، مستشهدًا بأن رسول الله عليه السلام، كان يعقد الاتفاقيات مع الكفار. وانقسم خبراء الشأن السياسي والإسلامي حول هذه القضية فالبعض رأى أن الإسلام دين ودنيا فيجب دخوله في السياسة، والبعض الآخر أكد أن دمج الاثنين يعد مفسدة لكليهما، واتفقوا حول غرض الدعوة السلفية من المطالبة بدمج الدين مع السياسة وهو كسب مزيد من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية القادمة. أحمد دراج، المتحدث باسم تحالف 25- 30، رأى أن الدعوة السلفية وحزب النور، لم يتخلصوا من فكرة إلصاق المقدس بما هو دنيوي؛ لأن الدين مقدس أما السياسة فتعبر عن المصالح والمفاسد ووسائلها ليست سوية، فخلط الدين بالسياسة يعد مفسدة للاثنين. وأكد، أن عدم قدرة التيار السلفي على الحشد للانتخابات البرلمانية، هي ما دفعته لإطلاق هذه الدعوة لأنهم لن يفلحوا في دخول البرلمان بالطرق الطبيعية موضحًا أن السلفية لم تتفهم حتى الآن فكرة فصل الدين عن السياسة؛ لأن آلياتهم تعتبر أن الإسلام دين ودنيا؛ وبالتالي يدخلون الدين في موضوعات سياسية. وأرجع، خروج هذه الدعوة قبيل الانتخابات البرلمانية، إلى أن السلفية لم تستطع الوصول إلى قلوب الناس إلا من خلال الجزء العاطفي أو الديني، ومن خلال أفكار تتماشى مع الدين؛ لاستمالتهم من أجل حشد الأصوات في مجلس النواب. وتابع أن الأحزاب الدينية كلها عاجزة عن وجود أفكار مدنية وحقيقية تعبر عنها، فاختارت مدخل يمس العاطفة وليس المصلحة، التي تبنى على عقيدة سياسية سليمة لا تستطيع السلفية الوصول إليها، مرجعًا الخطأ في البداية على الدولة، لأنها لم تهتم بشكل حقيقي بفكرة تجديد الخطاب الديني، ولم تكن حاسمة في تطبيق القانون والدستور. واختلف معه ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل، الذي رأى أنها دعوة من التيار السلفي الذي يعتبر نفسه لسان حال حزب النور، ومن الطبيعي أن يدعو إلى عدم فصل الدين عن السياسة؛ لأن الدين الإسلامى، يشرع لحياة الناس ومعاملاتهم، وفي كتاب الله تشريع دقيق لكل مناحي الحياة وتفاصيلها. وأشار، إلى أنها شجاعة من حزب النور أن إطلاق هذا البيان في الوقت الحالي الذي أصبح فيه الشعب المصري يبغض معظم الأحزاب الإسلامية؛ بسبب الصورة السيئة التي صدرتها جماعة الإخوان عن الأحزاب ذات المرجعية الدينية؛ بسبب أفعالها التي تخالف الدين. وعن كون الدعوة لخلط الدين بالسياسة دليل على أن "النور" حزب قائم على أساس ديني، أوضح الشهابي أن النور حزب سياسي، وهو لسان حال الدعوة السلفية ولكنه ليس حزب ديني، مشيرًا إلى أن النور يهدف لكسب مزيد من التأييد والأصوات. وقال هشام النجار، الباحث في الشؤون الإسلامية، أن التيار السلفي وحزب النور يثيران حاليًا قضايا قديمة؛ تسببت فى استقطابات وصراعات، وعملت على زيادة الفجوة بين التيارات المصرية المختلفة، مثل قضايا الهوية والعلمانية وخلط الدين بالسياسة. وأشار، إلى أن حزب النور كممثل خفي للإسلاميين عليه عبء تصحيح أخطاء الفترة الماضية، والبدء بخطاب وأداء مختلف تمامًا، عن غيره من أحزاب التيار الإسلامي حتى لا يواجه نفس المصير. وأضاف، حزب النور اليوم يعود بنفس الأسلوب، وبإثارة نفس القضايا الإشكالية التي سوف تتسبب في فشله سريعًا، وإلحاقه بمصير الأحزاب الإسلامية السابقة مثل حزب الحرية والعدالة الذي لم يتدارك أخطائه. وأوضح، أن هذه القضايا تضر المجتمع أكثر مما تنفعه وتثير بلبلة؛ لأن المطلوب هو التوحد والبحث عن المشترك بين طوائف المجتمع، والإسهام مع الآخرين في القضايا المجتمعية الملحة. وأضاف، أن السلفية تحاول كسب مزيدًا من الأصوات، مع اقتراب الانتخابات، واستمالة الشعب بطريقة تشبه "الإسلام هو الحل"، ولكنها بذلك تشن صراعات حول قضايا هامشية فقهية، حولها خلاف قديم واعتراضات عديدة. وأشار إلى أن أمور السياسة نسبية تندرج تحت بند المصلحة، أما الدين فيعتمد على الثوابت الكاملة، ولا يجب دمج الإثنين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم"، فالسياسة والتنمية والإصلاح هي أمور الدنيا وليست من أمور الدين .