صفية: أغادر بيتي في السادسة صباحاً وأنتظر ابني في الشارع 8 ساعات! عبدالرحيم: توفير أتوبيسات سيرحمنا وأبناءنا من الشقاء صباح: أسير بحفيدي ساعات لتوفير أجرة المواصلات عام دراسي جديد بدأ ومعه بدأت معاناة أولياء أمور متحدي الإعاقة الفكرية تتجدد مع طلعة كل صباح.. عرض مستمر لمآسي ومعاناة هؤلاء الأسر مع أطفالهم ليس بسبب الأعباء المالية ومتطلبات الدراسة اليومية فحسب، بل يزيد عليها أعباؤهم مع أطفالهم الذين يعانون من صعوبات في التعلم وفي التنقل والحركة وسط تجاهل واضح من الحكومة لهم. صفية تركت منزلها وزوجها المريض لتصاحب ابنها المعاق لمدرسته. وعادل ترك المقهى الذي يعمل به ليقوم بتوصيل شقيقه للمدرسة. والحاج أحمد ترك مباشرة أرضه الزراعية ليصاحب طفله في رحلته اليومية للمدرسة. وعم عبدالرحيم ترك رزقه وقوت عياله ليصاحب ابنته إلي مدرستها في رحلة الذهاب والعودة من المدرسة. معاناة حقيقة وحكايات يرويها أولياء الأمور تعكس الحاجة الماسة لأهمية توفير أتوبيس لنقل أبنائهم إلي مدرستهم. كانت الساعة قد جاوزت السادسة صباحاً بقليل عندما غادرت «صفية» منزلها بعزبة نصر الله التابعة لمركز الإسماعيلية بصحبة طفلها «سيد» لتبدأ رحلتها اليومية لتوصيله للمدرسة بالإسماعيلية وانتظاره على أبوابها حتى تعاود به في الثالثة ظهراً إلي المنزل مرة أخرى منهكة جسدياً ومحملة بأعباء مالية ليوم جديد.. معاناة تتجدد مع كل عام دراسي لأولياء الأمور مع أبنائهم خاصة من مرضى التخلف العقلي ومتلازمة داون والتوحد والتأخر الدراسي. صفية هي واحدة من مئات الأمهات اللاتي يعانين طوال العام الدراسي مع أبنائهن من متحدي الإعاقة الفكرية الذين يتعلمون داخل مدرسة التربية الفكرية بمدينة الإسماعيلية.. رحلة بائسة وشاقة تبدأ مع طلعة كل شمس عند خروجهم من منازلهم بقرى الإسماعيلية المنتشرة في مراكز ومناطق مختلفة حتى الوصول للمدرسة والانتظار لساعات حتى موعد خروج الأبناء. وتقول صفية: «أنا بطلع من البيت في العزبة –التي تقع على بعد نحو 20 كيلو متراً من مدينة الإسماعيلية على طريق السويس - الساعة 6 ونصف وبركب 3 مواصلات عشان أوصل المدرسة الساعة 8، وبعد ما أطمن أني دخلت «سيد» المدرسة بفضل قاعدة مستنية في الأوضة اللي جمب المدرسة أو في الشارع على البوابة لحد ميعاد خروجه وأعيد من تاني رحلة رجوعنا للبيت». وتابعت «أنا جوزي شغال باليومية وحالنا على قدنا. وتكلفة مواصلاتنا يومياً ممكن توصل ل15 جنيهاً عشان بركب أنا وابني 3 مواصلات رايح و3 مواصلات جاي. ده غير الأكل والشرب للولد اللي بياخده معاه المدرسة. أنا بتحمل على نفسي وجوزي عشان ابني يتعلم حاجة ويخرج من عزلته». وأضافت: «في حالات كتير زي سيد أهاليهم مبتقدرش تجيبهم المدرسة عشان مش معاهم فلوس المواصلات وعشان مش هيقدروا يسيبوا أكل عيشهم ويقعدوا يستنوا عيالهم زينا على باب المدرسة». والتقطت أطراف الحديث أم حسن التي كانت تجلس هي الأخرى على رصيف المدرسة في انتظار موعد خروج ابنها حسن 14 سنة والمصاب بمتلازمة داون، وتابعت: «أنا باجي كل يوم من عزبة الشوايشة – عزبة تابعة لمركز أبوصوير تقع على بعد نحو 40 كيلو متر من مدينة الإسماعيلية –عشان أوصل ابني وبركب 3 مواصلات عشان أوصل للمدرسة وبفضل طول الوقت من الساعة 8 الصبح لحد الساعة واحدة الظهر قاعدة على الرصيف مستنية ابني. والمعاناة ده مش من النهاردة ولا إمبارح أنا بقالي 5 سنين عايشة في الموال ده.. أنا ممكن أقعد الولد في البيت وخلاص بس أنا مش عايزة أقضي عليه وأخليه ينطوي.. مشوار المدرسة بالنسبة للولد هو الرحلة الوحيدة عشان يتواصل مع باقي الناس. هو لو قعد في البيت هيتعب وهيزيد عليه المرض». وشاركها في الرأي عبدالرحيم أحمد «كهربائي حر» ووالد الطالبة ريهام. وأضاف «المدرسة هنا زي الفل والإدارة بتحاول جاهدة بالإمكانيات المتاحة أنها توفر خدمات للولاد سواء كسوة أو ملابس وتغذية لكن أنا شغلي بيتعطل عشان آجي أجيب بنتي المصابة بإعاقة ذهنية. أنا بشكر ربنا على نعمة هذه البنت رغم أن عندي 4 أولاد غيرها بس هي نعمة من ربنا وعشانها ربنا بيكرمني في حياتي.أنا زي زي كل أولياء أمور الولاد هنا كل اللي بنطالب به أن يكون فيه أتوبيسين توفرهم التربية والتعليم لطلاب المدرسة الفكرية. واحد منهم يخدم اللي جوه المدينة والتاني للضواحي وذلك للتخفيف على الأهالي الذين يأتون بالساعات في انتظار أبناءهم أمام بوابة المدرسة. وطالب بضرورة زيادة معاش التضامن الاجتماعي للأطفال المعاقين والذي يبلغ قيمته 323 جنيهاً لأنه لا يكفي علاج المريض شهرياً. فابنتي تحتاج علاج شهرياً يصل 600 جنيه والتأمين الصحي لا يتوافر به الأدوية اللازمة خاصة للمرضى النفسيين والعقليين. وقالت الحاجة هانم عبدالجليل أم الطالبة رؤية عباس 16 سنة المصابة بمتلازمة داون «أنا باجي كل يوم من عزبة الحلوس -تبعد حوالي 15 كيلو– عن مدينة الإسماعيلية – مع رؤية وبفضل مستنية على الرصيف لحد ما تخلص وأرجع بها..أنا بركب مواصلتين وبمشي كل يوم أكتر من 2 كيلو رايح وجاي عشان أوصل من بيتي لمكان الموقف. إحنا عايزين أتوبيس يوصل الولاد لمدارسهم. أنا ممكن أستحمل أي حاجة عشان بنتي ومش هسيبها وهفضل معاها لآخر يوم في عمري جمبها عشان تتعلم بس الحكومة لازم تساعدنا شوية «ولم يكن حال هانم أفضل من حال صباح التي تجيء يومياً بحفيدها يوسف من حي الحكر لتنتظره يومياً أمام المدرسة لعدم توافر مصاريف المواصلات للعودة إلي منزلها وكذلك الحال بالنسبة لهويدا سليمان التي تأتي بطفلها «مدحت» كل يوم وتظل في انتظاره حتى انتهاء مواعيد اليوم الدراسي. وقال الحاج أحمد، والد الطالب سليمان، 10 سنوات مصاب بالتوحد: «أنا فلاح من قرية عين غصين – قرية تابعة لمركز فايد تبعد 25 كيلو عن مدينة الإسماعيلية –سايب أرضي وحالي عشان أجيب ابني سليمان للمدرسة كل يوم. ولما برجع البلد بفضل اشتغل لحد الفجر عشان أعوض التقصير في الأرض». وتابع: «والله أنا بنام كل يوم وش الفجر وأقوم بعدها بساعتين عشان الحق أجيب ابني للمدرسة». والتقط أطراف الحديث عادل عمر عامل في أحد المقاهي وشقيق الطالب إبراهيم 7 سنوات مصاب بمتلازمة داون وقال: «أنا من قرية نفيشة – تبعد عن الإسماعيلية 12 كيلو متراً - سايب شغلي عشان آجي أجيب أخويا من المدرسة ورغم أني متعطل بس أنا بعمل كده وأنا ضميري مرتاح ومبسوط لأن أخويا ده ربنا بيرزقني برزقه. أنا بشتغل فترة مسائية وخصصت وقت الصبحية عشان أخويا.أنا لو سبته مش هيتعلم وأنا عايزه يتعلم ويكون أحسن مني». إدارة مدرسة التربية الفكرية قامت بتخصيص غرفة ملحقة بالمدرسة ببوابة خارجية لانتظار أولياء الأمور بها تخفيفاً عليهم لأعباء الانتظار في الشارع والتي تمتد طوال عام دراسي في ظروف جوية قاسية. عدد التلاميذ بالمدرسة 276 تلميذاً وتلميذة يتم تقسيمهم داخل المدرسة في فصول طبقاً لأعمارهم السنية ولنسبة الإعاقة الذهنية لديهم.