تمثل الحالة السورية أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، وخرجت الظاهرة عن نطاق السيطرة سواء من المنظمات الدولية أوالدول المستضيفة لأعداد المهاجرين واللاجئين إليها وعبر حدودها، ويعكف الخبراء الاجتماعيون والنفسيين على دراسة آثار نزوح هؤلاء المهاجرين إلى الدول سواء من يقيمون فى المخيمات ومن تعرضوا لصدمات الحروب والخوف وواجهوا صعوبات الهروب، وما يترتب على أدائهم وتفاعلهم داخل مجتمعات الدول الجديدة التى ينزحون إليها. فيقول الدكتور هانى هنرى أستاذ علم النفس فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة، إن دخول عيد الأضحى على اللاجئين والمشردين الذين لديهم إحساس بالعجز فى توفير احتياجات أسرته والضياع فى فقدان الوطن والمأوى، كل هذه المشاعر هى فى مجموعها طاقة سلبية، ولكنها يمكن أن تتحول إلى العكس أى طاقة إيجابية مع تخصيص متخصصين يسمعون آلامهم وأحلامهم، وذلك لإحداث احتواء وتوثيق لرواياتهم، ومن ثم يمكن ان تؤدى جلسات الاستماع فيما بعد إلى دفعهم للأمام وتشجيعهم وتجعلهم يشعرون بأن الآخرين يشاركونهم معاناتهم. ويضيف الدكتور هنرى أنه أجرى بحثا مع بعض اللاجئين من العرب وتحديدا من العراق فى الولاياتالمتحدة، واستخلص أن أهم عنصر فى المشاعر التى تنتاب المهاجر أواللاجىء هوأن الظروف لا تتغير ولا تتحسن، والتى تؤدى إلى الإحباط والاكتئاب،لأنهم يشعرون بأنه مجرد لاجىء قليل الحيلة، ومع الوقت تنتابه مشاعر زائدة بالخطر والخوف بقدر أكبر من الآخرين، بالإضافة إلى مجموعة من مشاعر العار والخزى فى توفير احتياجات عائلته والشعور بالذنب ناحيتهم. ويوضح الدكتور هانى هنرى أستاذ علم النفس فى الجامعة الأمريكية أن هناك أربعة سيناريوهات يحدث أى منها كرد فعل للمهاجر عند هجرته إلى بلد أخر، الأول يصبح هذا المهاجر يهجر ثقافته القديمة ويصبح جزءًا من الثقافة الجديدة التى يعيش فيها، أو أن يحدث له نوع من العزلة يحافظ فيه على ثقافته ومعتقداته دون التفاعل مع ثقافة المكان الجديد الذى هاجر إليه، أما رد الفعل الثالث وهو التهميش الذى لا يبقى فيه المهاجر على ثقافته الأصلية ولا يأخذ من الثقافة الجديدة، ويعد رد الفعل الرابع هو أفضلها حيث يندمج فيها المهاجر والتى يحتفظ فيها المهاجر بأصول ثقافته ويضيف إليها أحسن ما فى الثقافة الجديدة وهوالنموذج الأمثل للهجرة. وأكد هنرى أنه فى حالة قرار الدول الأوروبية استضافة اللاجئين أيا كانوا قادمين من سوريا أوغيرها، فلابد أن تقوم هذه الدول على سبيل المثال ألمانيا بعمل برنامج تأهيلى يساعدهم على الاندماج فى المجتمع الجديد مع الحفاظ على عاداته وتقاليده واحترام مظاهر الحياة فيه وحريات الآخرين، أو إن لم تفعل هذه الدول هذه البرامج التأهيلية فسينعزل هؤلاء المهاجرون ويعيشون فى مجتمعات منغلقة، ولكنه متوقع حتى مع التأهيل ان يرفض البعض هذا الاندماج. وعن قبول الشعوب الأوروبية لهجرات ولجوء السوريين وغيرهم من الشعوب المنكوبة، يقول الدكتور إبراهيم عوض أستاذ السياسة العامة ومدير مركز دراسات الهجرة واللاجئين بالجامعة الأمريكية، إنه من الصعب أن يجتمع أى شعب على قلب رجل واحد سواء فى القبول أوالرفض، ولكن بصفة عامة يشيد بموقف الحكومة الألمانية التى رحبت بالمهاجرين السوريين، على الرغم من وجود موجات للمعارضة ومناهضة للأجانب هناك، ويضيف عوض أنه ليس صحيحا أن نشك فى حسن نوايا أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية عندما رحبت بالمهاجرين والمسلمين الذين قالت عليهم إنهم جزء من المجتمع الألمانى لا يمكن إنكاره، على غرار وجود جالية تركية ومغربية كبيرة فى ألمانيا منذ خمسينيات القرن الماضى,مؤكدا أن هذه الهجرات من السوريين وغيرها ستكون فى صالح المجتمع الألمانى الذى يتراجع فيه النمو السكانى، ما جعل أصحاب المصانع ورجال الاقتصاد يرحبون بالعمالة التى يمكن أن تتوفر من خلال المهاجرين وتسد العجز. وعن الدول المنكوبة الطاردة لسكانها أكد الدكتور إبراهيم عوض أستاذ السياسة العامة والإدارة فى الجامعة الأمريكية أن العيب ليس على الدول التى ترفض استضافة المهاجرين، ولكن العيب والأزمة فى الدول وأنظمتها السياسية وظروفها الاقتصادية التى دفعت كل هؤلاء المهاجرين لترك بيوتهم وأوطانهم والبحث عن فرص أفضل للحياة، ويوجه الدكتور عوض رسالة للدول العربية بضرورة حل مشاكلها بنفسها لأننا إذا انتظرنا الدول الكبرى لحلها فلن تفعل، وأكبر دليل على ذلك الأزمة السورية قد تبدو الدول الكبرى وتعطى لك انطباعاً أنها تستطيع حل كل المشكلات ولكن هذا غير صحيح. وعن الدور المحورى الذى تقدمه اوروبا فى استيعاب أزمة المهاجرين يقول الدكتور ماركو بينفارى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، إن المهاجر دائما ما تراوده أحلامه بالهجرة إلى أوروبا أفضل من الدول المجاورة له، لأنها كانت ولا تزال القارة التى يحلم بها الجميع فى ضمان حياة أفضل أكثر نظاما ونظافة وإيجاد فرص للعمل والتعليم، ومع طول تقديم بعض الدول الأوروبية لمساعدات للمهاجرين مثل ألمانيا والسويد وحتى إيطاليا التى تنقذ المهاجرين غير الشرعيين عن طريق البحر، فستستمر تدفقات المهاجرين، إلا أن بينفارى يوضح أنه فى الحقيقة هناك العديد من الدول الأوروبية التى لم تتعاف بعد من أزمتها الإقتصادية مثل اليونان وإسبانيا وحتى إيطاليا، مما يمثل عبئاً كبيراً على خزانة الاتحاد الأوروبى.