أغلقت اللجنة العليا للانتخابات يوم السبت 12 سبتمبر 2015 باب التقدم لطالبي الترشح للانتخابات البرلمانية المصرية، الذي ظل مفتوحاً على مدار اثني عشر يوماً (1-12 سبتمبر 2015)، وذلك بعد شهور قليلة من حكم المحكمة الدستورية المصرية ببطلان بعض مواد قوانين الانتخابات مطلع مارس الماضي، ومن ثم تعديل القوانين وإعادة إجراءات العملية الانتخابية من جديد. قامت البعثة الدولية المحلية المشتركة لمتابعة الانتخابات البرلمانية «مصر 2015» برصد ومتابعة مجريات مرحلة الترشح ميدانياً في 164 دائرة انتخابية ب 17 محافظة مصرية، فضلاً عن متابعة السياقات السياسية والمجتمعية المصاحبة للمرحلة، ويعرض التقرير الحالي الملامح العامة لما تم رصده، والتقييم الأولي للبعثة الدولية المحلية المشتركة للعملية الانتخابية. أولاً: الإطار القانوني المنظم لمرحلة الترشح، فقد نص الدستور المصرى على أن يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن أربعمائة وخمسين عضواً، ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر، ويشترط في المترشح لعضوية المجلس أن يكون مصرياً متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، حاصلًا على شهادة إتمام التعليم الأساسي على الأقل، وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وعشرين سنة ميلادية. ووفقاً لقانون الدوائر الانتخابية المعدل بالقرار رقم 88 لسنة 2015 تقسم جمهورية مصر العربية إلى مائتي وخمس دوائر انتخابية تخصص للانتخاب بالنظام الفردي و4 دوائر تخصص للانتخاب بنظام القائمة، ووفقاً لقانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014 المعدل بقرار رئيس الجمهورية رقم 92 لسنة 2015 يشكل أول مجلس للنواب بعد العمل بالدستور الصادر في الثامن عشر من يناير 2014 من 568 عضواً ينتخبون بالاقتراع العام السرى المباشر، ويجوز لرئيس الجمهورية تعيين ما لا يزيد على 5% من الأعضاء، كما ينص القانون على أن يكون انتخاب مجلس النواب بواقع 448 مقعداً بالنظام الفردي و120 مقعداً بنظام القوائم المغلقة المطلقة، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما. كما يحدد قانون مجلس النواب شروط الترشح لعضوية مجلس النواب وهي: 1- أن يكون مصرياً متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية. 2- أن يكون مدرجاً بقاعدة بيانات الناخبين بأي من محافظات الجمهورية، وألا يكون قد طرأ عليه سبب يستوجب حذف أو رفع قيده طبقا للقانون المُنظم لذلك. 3- أَلاَّ تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وعشرين سنة ميلادية. 4- أن يكون حاصلاً على شهادة إتمام مرحلة التعليم الأساسي على الأقل. 5- أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية، أو أُعفي من أدائها قانوناً. 6- ألاَّ تكون قد أُسقطت عضويته بقرار من مجلس النواب بسبب فقد الثقة والاعتبار، أو بسبب الإخلال بواجبات العضوية، ومع ذلك يجوز له الترشح في أي من الحالتين الآتيتين وهما: انقضاء الفصل التشريعي الذى صدر خلاله قرار إسقاط عضويته، وصدور قرار من مجلس النواب بإلغاء الأثر المانع من الترشح المترتب على إسقاط العضوية بسبب الإخلال بواجباتها. وبناء على هذه التشريعات أصدرت اللجنة القضائية العليا المشرفة على الانتخابات قرارها رقم 67 لسنة 2015 بفتح باب الترشح وإجراءات الترشح لمجلس النواب، والذي حدد المستندات المطلوبة بطلب الترشح مصحوبا ببعض المستندات أهمها: السيرة الذاتية، وخطاب من الحزب في حالة المرشحين الحزبيين، صحيفة الحالة الجنائية، إقرار الذمة المالية لطالب الترشح وزوجته وأولاده القصر، شهادة إثبات الصفة (للعمال والفلاحين والشباب وذوى الإعاقة والمصريين بالخارج)، ما يفيد فتح حساب بنكي خاص للدعاية الانتخابية، المؤهل الدراسي لطالب الترشح، شهادة الخدمة العسكرية الإلزامية، نتائج الكشف الطبي للمرشح (التي تضمنها قرار خاص من اللجنة يحمل رقم 70 لسنة 2015). تقييم البعثة للتشريعات الحاكمة ترى البعثة الدولية المحلية المشتركة لمتابعة الانتخابات أن الدستور الذي أقره الشعب المصري في يناير 2014 نص على ضمانات لتمثيل عدد كبير من الفئات الاجتماعية في عضوية مجلس النواب، وهو ما قلل من «المرونة» المتاحة للمشرع القانوني لاختيار نظام انتخابي «أمثل»، لذا فقد جاء تقسيم المقاعد المخصصة للمجلس ما بين القائمة المغلقة المطلقة، والفردي ملبياً إلى حد بعيد لمقتضيات النص الدستوري. من ناحية أخرى، فإن الاشتراطات القانونية للترشح لمجلس النواب تبدو منطقية إلى حد كبير، وتسمح بتكافؤ الفرص بين المصريين المقيدين في جداول الانتخاب في الوصول لعضوية مجلس النواب، حيث لم تضع أي مواد «تمييزية» على أساس الجنس أو النوع أو الأصل الاجتماعي أو الدين أو غيره بين راغبي الترشح، كما أن السن القانونية للترشح تبدو متسقة مع توجهات تمكين الشباب الذين كانوا الفصيل الرئيسي في ثورة الشعب المصري عام 2011، وموجتها الثانية في يونية 2013. ثانياً: التطورات القضائية خلال مرحلة الترشح، فخلال مرحلة الترشح صدرت بعض الأحكام من محكمة القضاء الإداري في مصر تلزم المرشحين الذين سبق لهم تقديم نتائج الكشف الطبي في فبراير 2015 بتقديم نتائج حديثة، بعد أن كانت اللجنة قد أقرت خلاف ذلك، وهو ما حدا باللجنة إلى إصدار قرار بمد فترة تلقي نتائج الكشوف الطبية من المرشحين إلى 15 سبتمبر 2015، كما صدر حكم قضائي ببطلان تقسيم الدوائر في محافظة قنا، وهو ما دفع اللجنة لاتخاذ قرار بإعادة التقسيم بما يتوافق مع الحكم القضائي. وقد أدى الحكم المتعلق بالكشف الطبي إلى انسحاب إحدي القوائم الانتخابية اعتراضاً على التكلفة المالية لإعادة الكشف، ووفقاً لبيان القائمة فإنها كانت تتطلع لقيام اللجنة بدور في إجبار وزارة الصحة لإعادة الكشف على أعضاء القائمة مجاناً. وتشير البعثة إلى أن قرارات اللجنة كانت متماشية مع الأحكام القضائية الصادرة، وهو بالقطع ملمح إيجابي يكشف عن «توفر القدر المطلوب من استقلال السلطة القضائية الواجب لنزاهة العملية الانتخابية»، كما تشير إلى أن صلاحيات اللجنة من الناحية القانونية المعروفة سلفاً قبل بداية الانتخابات لا تخول لها إجبار بعض السلطات التنفيذية بالدولة على أداء خدمات مجانية لمرشحين أو قوائم بعينها. ثالثاً: إحصائيات المتقدمين بطلبات الترشح وصل إجمالى عدد طالبى الترشح منذ فتح باب الترشح للانتخابات إلي 5936 مرشحاً. كما وصلت القوائم الانتخابية، التى تقدمت بأوراقها الي سبع قوائم فقط هي: فى القاهرة الكبرى كل من قائمة «فى حب مصر»، و«حزب النور»، و«تيار الاستقلال» و«ائتلاف الجبهة المصرية». والقوائم التى تقدمت فى الصعيد هي: «نداء مصر»، و«كتلة الصحوة الوطنية»، و«فى حب مصر». وفى شرق الدلتا تقدمت قائمة «فى حب مصر» بأوراقها ولم تتقدم اي قائمة اخري. وفى غرب الدلتا، تقدمت قوائم: «فى حب مصر»، و«النور»، و«نداء مصر»، و«ائتلاف الجبهة المصرية» و«تيار الاستقلال»، و«فرسان مصر». وتشير البعثة إلى أن أعداد المتقدمين تقترب في متوسطها من 10.4 طالب ترشح لكل مقعد بمجلس النواب، وهي نسبة جيدة لكنها أقل من أعداد المترشحين في انتخابات سابقة، وربما يرجع ذلك في جزء منه إلى ارتفاع التكلفة المالية النسبية المطلوبة للترشح، التي تشمل مبلغ التأمين (3000 جنيه مصري)، وتكلفة الكشف الطبي (4200 جنيه مصري)، فضلاً عن التخوفات من صدور أحكام قضائية قد تؤدي لوقف الانتخابات مرة أخرى (على خلفية ما حدث في شهر مارس الماضي). وعلى صعيد القوائم، فإن نقص أعدادها يرجع بشكل أساسي إلى الصعوبات التي واجهت الأحزاب في الوفاء بالمتطلبات الدستورية لتشكيل القائمة، التي يجب أن تضم فئات متنوعة وبنسب محددة. رابعاً: أنشطة وأداء طالبي الترشح والأحزاب رغم أن مرحلة الدعاية الانتخابية القانونية لم تبدأ بعد، فإن مرصد الانتخابات البرلمانية التابع للبعثة الدولية المحلية المشتركة، رصد ملامح متعددة لمخالفات قام بها بعض المرشحين والأحزاب خلال مرحلة الترشح، تمثلت أبرز هذه المخالفات في قيام بعض المرشحين والأحزاب بتوزيع مواد تموينية وأدوات مدرسية، أو إقامة معارض لبيعها بأسعار رمزية، استخدام بعض مراكز الشباب ودور العبادة في الدعاية الانتخابية، نشر دعاية انتخابية بوسائلها المختلفة في غير الأوقات القانونية المحددة، وقد قام المرصد بنشر ما تم رصده من خلال الرسائل اليومية وعلى الصفحة الرسمية للمرصد بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك (مرصد الانتخابات البرلمانية). وقد رصدت البعثة ملمحاً إيجابياً مهماً تمثل في قيام السلطات المحلية في معظم الدوائر بإزالة الدعاية الانتخابية المخالفة لطالبي الترشح، مع عمل محاضر وتحرير غرامات علي المرشح. التقييم العام لمرحلة الترشح بشكل عام يمكن القول إن مرحلة الترشح اتسمت ب «الحرية والنزاهة» بشكل يتوافق مع المبادئ الدولية المتعارف عليها، ولم تشهد خروقات يمكنها أن تؤثر على سلامة العملية الانتخابية، وشهدت درجة عالية من تكافؤ الفرص بين طالبي الترشح والأحزاب السياسية. كما أن اللجنة العليا للانتخابات اتسمت في أدائها بالالتزام بالأحكام القضائية الصادرة، والتعاطي معها سريعاً، بما يعكس درجة من الحرص على إتمام العملية الانتخابية. ورغم بروز عدد من المخالفات لطالبي الترشح ولبعض الأحزاب، فإن تعاطي أجهزة الدولة التنفيذية مع هذه المخالفات كان إيجابياً - إلا مع استثناءات بسيطة - ومتسقاً مع ما يجب أن يتسم به أداؤها من حياد نحو المرشحين.