تدور الأيام حوله ببطء، ويتعاقب عليه الليل والنهار دون أن يشعر بالفرق بينهم، فما أشبه الليلة بالبارحة تحت ظل الاحتلال، يغمض عينيه لينثر أحلامه الوردية بالاستقلال، فيظهر وجه المحتل مكشرًا عن أنيابه أمام تلك الأحلام. هو المسجد الأقصى تلك الواجهة مشرفة يحتمي فيها الفلسطينيون من طغيان الاحتلال الصهيوني. جرائم عديدة ارتكبها الاحتلال داخل المسجد الأقصى، والتي أصبحت عرض مستمر. كان آخر تلك الاعتداءات ما حدث اليوم الأحد، حيث قاد وزير الزراعة الإسرائيلي "أوري آرائيل" مجموعة من المستوطنين الإسرائيلين لاقتحام المسجد الأقصى المبارك، فيما اعتدت قوات الاحتلال الخاصة على حراس المسجد والطالبات بالضرب، وطردتهم خارجه، بسبب تصديهم لهذه الاقتحامات. الاعتداء على المسجد الأقصى أزمة قديمة الأزل بدأت مع حلول عام عام 1967، والذي يعد من أكثر الأعوام قسوة. في يوم 7 يونيو أي بعد بداية حرب النكسة بثلاث أيام فقط، اقتحم أحد الجنرالات اليهود وهو "مورخاي جور" ومعه جنوده إلى المسجد الأقصى، وقاموا برفع العلم الإسرئيلي على ذلك المقدس الديني الشريف. وكانت أول مرة يمنع فيها المصلين من دخول المسجد الأقصى، بسبب مصادرة "مورخاي" مفاتيح أبوابه كلها، وإغلاقه على مدى أسبوع كامل، منعوا خلاله الصلاة والأذان. وفي يوم 15 يونيو أقام الحاخام "شلومو غورن" أحد حاخامات اليهود، وخمسون من أتباعه صلاة اليهودية في ساحة المسجد الأقصى، وبعدها بأيام شب في الجناح الشرقي للمسجد حريق ضخم. التهمت النيران فيه كامل محتويات الجناح بما فيه ذلك المنبر التاريخي المعروف بمنبر صلاح الدين، كما هدد الحريق قبة الجامع الأثرية المصنوعة من الفضة. وفي عام 1969 امتدت يد العدوان الصهيوني مرة ثانية لإحراق المسجد الأقصى؛ أدت إلى إحراق الجناح الشرقي من المسجد الأقصى. ثم عادت الانتهاكات تتجدد مع حلول عام 2000، مع اقتحام جديد قاده زعيم حزب الليكود المتطرف، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "أرييل شارون", وسط حماية عسكرية مشددة, وقتلوا العديد من المصلين. وفي عام 2007، اقتحمت قوات الاحتلال ساحة الحرم القدسي، واصطدمت مع آلاف المصلين الفلسطينيين، فضلًا عن قيام مجموعات كبيرة من قطعان من المستوطنين بمسيرة حول المسجد الأقصى المبارك رافعة شعارات عنصرية تدعو إلى قتل السكان العرب. وفي عام 2009، شهد الأقصى مجازر عديدة لليهود بداخله، حيث أحبط الفلسطينيون للمرة محاولة اقتحام يهود متطرفين للمسجد الأقصى، بعد أن اعتكفوا فيه منذ يومين. وتطورت المواجهات بين الفلسطيين المرابطين داخل الأقصى وخارجه وبين الشرطة الإسرائيلية، بعد أن حاصرت الشرطة منطقة الحرم، ومنعت المصلين والزوار من الدخول إلى المسجد. وإثر إغلاق المسجد الأقصى، اندلعت مواجهات عنيفة عند باب الأسباط، بين المصليين والشرطة الإسرائيلية، التي استخدمت الغاز المسيل للدموع. وفي عام 2010، تواصلت مذابح اليهود داخل المسجد الأقصى، حيث قامت قوات الاحتلال بدخول الساحات الخاصة بالمسجد وسيطرت عليها بالكامل، وأغلقت المسجد في وجه المصلين، وسمحت لليهود بالتجول فيها بحرية وأداء الطقوس الخاصة بهم. عام 2011، قامت جماعات يهودية بالصاق صور العلم الاسرئيلي على حوائط المسجد الأقصى بعد أن اقتحمته، وأخرجت المصلين منه، فيما قامت فرق من شرطة ومخابرات الاحتلال باقتحام المسجد الأقصى على مدار يومين، وتتجول في ساحاته، وتقيم شعائرها الدينية بداخله. كما تكررت محاولة احراق المسجد، ففي شهر إبريل من نفس العام، قام أحد جنود الاحتلال بالقاء قنبلة حارقة على المسجد الأقصى، لكن المصليين تمكنوا من منع اندلاع حريق كان سيحدث. وفي بداية عام 2012 لم يكتف اليهود تلك الممارسات السابقة فقط، بل قاموا في ليلة رأس السنة الميلادية باقتحام المسجد عن طريق مجموعة من جيش الاحتلال الإسرائيلي. وفي عام 2013 وقعت حادثة مشهورة حين اعتدى ضابط من شرطة الاحتلال الإسرائيلي على المشاركات في حلقات علم داخل باحات المسجد الأقصى المبارك، وركل القرآن الكريم بقدمه، وأسقطه على الأرض. كما منعت شرطة الاحتلال المتمركزة على بوابات المسجد الأقصى المبارك، نحو 50 طالبة من اللواتي يتلقين تعليمهن ضمن حلقات العلم المنتشرة في باحات المسجد الأقصى من دخول المسجد. وفي مطلع شهر مارس من نفس العام، أصيب أكثر من 60 مواطنًا بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، واعتقل 4 مواطنين بينهم مسعف؛ إثر اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي، المسجد الأقصى المبارك. وفي مطلع عام 2014، اقتحم أكثر من 20 جندي إسرائيلي بزيهم العسكري، و16 عنصرًا من مخابرات الاحتلال، وأكثر من عشرين مستوطنًا، اقتحموا المسجد. وفي 8 أكتوبر، حيث منعت قوات الاحتلال المصلين الفلسطينيين من دخول باحات المسجد الأقصى للصلاة، بمناسبة ما يمسى عيد "العرش أو السكوت" العبري. وتكرر مشهد الإحراق ذاته في محاولة من الاحتلال الإسرئيلي لاشعال النيران بالمسجد الأقصى مرة أخرى، في يوم 9 أكتوبر الماضي. فضلًا عن بناء كنائس بالقرب منه، ومتحف يهودي جديد، وقامت عبر تاريخها باعتداءات وحشية اجرامية بالضرب العنيف على المسنين في الأقصى رجالًا ونساءً. ويبقى أن قضية الأقصى ليست ذكرى تستوقفنا ثم تزول من ذاكرتنا و من برامج حياتنا اليومية بعد أن تزول تلك الذكرى، فهي مازالت قضية التاريخ والحاضر والمستقبل، تعد قضية نكبة وطموح في نفس الوقت، والأن يعيش الأقصى النكبة، ولكن قريبًا سيأتي جانب الطموح ونصرة والأقصى المبارك.