بقلم -محمود الفقي الأحد , 04 سيبتمبر 2011 01:16 لم أكن أتغيَّا من كتابتي عن سلخانات التعليم المصرية بوصفي –كنت- من الفقراء أبناء الفقراء دغدغة المشاعر أو الترسل في شحن نفسي بل لي في كل مقالاتي هدف ورسالة أضرب بهما بعمق وإن كنت أخزُّ ولا أدمِي. أشد أمراضنا فتكا ما أصاب بنياننا النفسي من عهد سحيق، وصحة المصريين النفسية هي أول الأشياء قاطبة استحقاقا للرعاية والعلاج والتثبيت. وأخشى ما أخشاه على مصر هو هذا النوع الطبقي الظالم الذي يوغل في إفراز أذكياء ليسوا بأذكياء وعلماء ليسوا بعلماء. عقب تخرجي عملت بحد أقصى أسبوعين بمدرسة خاصة بمصر الجديدة بها أبناء علية القوم ولم أطق صبرا رغم كل المغريات التي عرضتها الفاضلة ناظرة المدرسة وأبناؤها سيما بعدما اختبرتني متخصصة بريطانية وكالت لي المدح وحثتهم على استبقائي بأي ثمن. لم أكن أُعنى كثيرا بتقبيل فتاة لأخرى في فمها ففي النهاية أوقن أن مخالطة البنات والنساء من ألزج ما يكون ثم هذا شأن الآباء لا المعلمين سيما وهن مراهقات، ولكن ما آلمني هو نظرة الأطفال لي فقد كانوا يشعرون أني –وقتها- كنت فقيرا وكنت أرى نظرات استكبار وغطرسة أضحك كثيرا عند رؤيتها في وجه طفل بريء وجميل كالملاك...هكذا علمه أبواه ومدرسته وطبقته أنه فوق الجميع وأن ما عداه من الطبقات الأخرى لا يستحق العيش أصلا. نفس هذا ما أكده د. ويليام ديريفيزيتس (هم لا يستخدمون حرف الدال كما نستخدمه ببلاهة) في مجلة أميريكان سكولار العريقة في حديثه الشائق عن عيوب التعليم النخبوي وهو الذي حاز أعلى درجات العلم من جامعات الرابطة العاجية. لقد وقف في مطبخ بيته وحمامه مع سباك توحي لهجته الثقيلة أنه من بوسطن وفشل في الحديث معه ولو لدقائق بعدما أصابه العِيُّ الناشيء عن تعليمه النخبوي الذي علمه أنه فوق الطبقات وأنه أذكى وأوفر منها حظا في الحياة. وأزيد على كلام ديريفيزيتس أن إكساب التلميذ المهارات هو الزبد بالنرسيان كما تقول العرب لأني أنا شخصيا رأيت كثيرين ممن تعلموا في أرقى الجامعات وتعودوا التدليل فيها يغرقون في شبر ماء إن هم أرادوا تركيب لمبة مسمارية أو التفاوض في شراء قميص أو حتى فتح الكمبيوتر وتشغيله، وقد رأيت هذا بعيني ممن تخرجوا في جامعات غربية مرموقة! يستوي هذا مع المثال الذي ضربه الكاتب عن آل جور وجون كيري وكيف فشلا في التواصل مع الناس أثناء حملتيهما للرئاسة رغم تخرج الأول في هارفارد والثاني في ييل. وجمال مبارك نفسه كان فاقدا لهذا التواصل رغم تعليمه وتربيته العالية، وهو مظلوم أكثر منه ظالما، فكونه ابنا للرئيس أضاعه رغم ما به من مواهب فريدة وأدب جم (فك الله أسره). وعلة هذا أن المدارس والجامعات الخاصة النخبوية إنما تعدهم لمكانات اجتماعية بنفس المستوى ولا تُعنى كثيرا ببناء عقولهم أو تهذيب أخلاقهم حتى ولو جاء هذا عرضا، وهذا كلام خطير لن يكتبه أحد في مصر كلها بنفس صدقي لأني عشت ورأيت وتجرعت من العنصرية في مدارسنا المصرية الأميرية ما حفر في روحي أخاديد غائرة! بل أقول إن فرصة المدارس الأميرية أوفر في تخريج عمالقة ونابغين لأنها تجمع مختلفين من طبقات متوسطة وفقيرة وغنية كلهم مختلفون فيما تجمع مدارس النخبة أفرادا نمطيين متشابهين مسجونين في قيد اجتماعي وطبقة مالية ونظام تعليمي واحد يجعل أولوية منحهم شهادات وسيرة ذاتية لمناصب مستقبلية فوق أولوية بناء الفكر المستقل والثقافة المتفردة. سننجح ونفوق الدنيا كلها إن نحن أجدنا ترميم الروح المصرية وتعزيز قيمة الفرد وقضينا على العنصرية الكامنة فينا من أيام المماليك وركزنا على بناء المهارات وفقهنا أنواع الذكاء وعظَّمنا الوقف الأهلي والمجتمع المدني لبناء صروح تعليمية أقسم أنها ستجيء بالمعجزات في أدنى الأوقات.