«نحن هنا».. صيحة شديدة الصدق والقوة.. يطلقها كل عام ذوو القدرات الخاصة من طلبة الثانوية العامة.. يطلقونها وهم يتحدون «الروتين القاتل» الذي يقابل كل خطواتهم في سبيل نيل «شهادة» المرور من مراحل التعليم المدرسى إلى مرحلة الجامعة.. يطلقونها وهم يحققون النجاح الباهر بمجاميع تنافس زملاءهم الأصحاء.. بل ويتفوقون عليهم أيضاً.. ويتصدرون قوائم شرف الأوائل.. «الحلم الصعب» الذى يعيشه ملايين المصريين من الطلاب وأسرهم كل عام.. يتحول أمام قبة الجامعة إلى كابوس.. حين تنهار كل الدساتير والقوانين المحلية والعالمية التي تقر بحق ذوى الإعاقة في التعليم «حتى النهاية». وتحظر علي النظم التعليمية رفض القبول علي أساس الإعاقة. ينظر الطلاب «المكافحون» حولهم فيجدون أبواب الكليات مفتوحة أمام زملائهم ويكون المجموع فقط هو جواز المرور إلى الكلية التي يرغبها، بينما تضيق الاختبارات أمامهم وتتحدد في ثلاث كليات فقط تصبح «قسرية» مفروضة علي الجميع بغض النظر عن رغباتهم وقدراتهم. «الوفد» تفتح اليوم ملف عذاب ذوى الاحتياجات الخاصة «من الثانوية للكلية» نرصد أوجاع الطلاب وأسرهم بداية من صعوبات الدراسة وغياب الوسائل المساعدة.. مروراً بالإجراءات شديدة التعقيد التي تصاحب الاستعداد للامتحان.. وانتهاءً ب«التنسيق الإجبارى» وتحطيم الرغبات.. على أبواب الجامعة! رغم عناء سنوات طويلة مضت فإن قلبها مازال يرحب بالمزيد من الأوجاع والآلام في سبيل أن ترى حلم ابنها «محمود» يتحقق.. ربما تخفف عنه عذاب الإحساس بأنه مختلف!!.. هو يشعر وأمه تدعم هذا الشعور بأنه متميز.. علي درجة عالية من الذكاء والحرص علي التفوق رغم كل المعاناة والصعوبات التي تعترض كل خطواته.. لكن حصول محمود على مجموع 93٪ في الثانوية العامة قد أزال «عرق السنين» بيد قوية مثل أراه محمود وأمه أيضاً رشاد والدة محمود قالت بنبرة اختلط فيه الفرح بالألم: كنت أواجه مشكلة كبيرة في الانتقال بابني «المعاق حركياً» أثناء أدائه الامتحانات، وكان عمل لجنة من قبل وزارة التربية والتعليم خاصة لكل طالب من ذوي الإعاقة أثراً سلبياً علي مستوي الإجابة خاصة أن الطلاب غير معتادين علي هذا الأسلوب، فضلاً عن أن محمود لم يحصل على سيارة من الدولة من المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة رغم أننا تقدمنا بطلب من أجل ذلك ولم يبث فيه حتي الآن وقد سبق وطالبنا بوجود مكتب لذوى الاحتياجات الخاصة بكل مؤسسة حكومية وخاصة لتيسير الإجراءات علينا ولم يحدث. وتستطرد والدة محمود: رغم كل تلك المعاناة حصل ابني علي الثانوية العامة بتفوق لكننا فوجئنا بتحديد ثلاث كليات فقط للاختيار بينها الآداب والحقوق والتجارة هى التى يحق لذوي الاحتياجات الخاصة الالتحاق بإحداهما مهما كان المجموع.. وفي ذلك ضياع لفرص الالتحاق بكليات متميزة للطلبة المتفوقين، صحيح ابني معاق حركياً لكنه عالي الذكاء.. ولديه قدرة فائقة علي الفهم والتحصيل بدليل أنه حصل علي 97٪ في الثانوية العامة. لقد مر محمود بتجربة مريرة وتعذبت معه لحصوله علي الثانوية العامة ويكفي أنهم طلبوا تقريراً طبياً قبل الامتحان بأسبوع واحد رغم أنه يقدم هذا التقرير كل عام، والله أعلم كيف عانينا للحصول عليه في فترة حرجة كان من المفترض أن يركز الطالب ومن معه في المذاكرة والاستعداد للامتحان. إنني أناشد سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي أن يعطي توجيهات بإزالة هذه العقبات والإجراءات الروتينية التي تتسبب في معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم. إجراءات تعجيزية! ليست الإعاقة هي السبب في كل الأحوال بالشعور بالعجز.. بل ربما تحاربه.. فقط البيئة وتصرفات من حولنا قد تصدر لنا هذا الشعور حتي لو توافرت لنا كل الحواس والقدرات.. هذا ما يمكن أن نوصف به حالات أكثر طلاب الثانوية العامة الذين استطاعوا أن يقهروا الإعاقة.. لكن الإعاقة الحقيقية كانت في الإجراءات والمتطلبات والشروط التي يحيطون بها أبناءنا. فريدة محمد، والدة مصطفي أمين، الذي يعاني من إعاقة ذهنية وحركية.. ورغم ذلك نجح في الثانوية العامة بمجموع 70٪. قالت الأم: ابني في أشد الحاجة للمساعدة من قبل الدولة بتوفير سيارة تساعدنا في الانتقالات لا أستطيع التحرك به في الشارع لا الطرق ولا وسائل النقل مهينة لحالته، فضلاً عن احتياج محمد لمعاش شهرى من وزارة التضامن الاجتماعي تساعد في الإنفاق علي تعليمه ومصروفاته الشخصية. فيما قالت محاسن السيد إن ابنها عبدالوهاب حمدي نجح في الثانوية العامة بمجموع 77٪ والامتحانات كانت في مستواه.. لكنه عندما وجه نفسه وحيداً في اللجنة وبعيداً عن زملائه كما كان يحدث في كل الامتحانات السابقة، وذلك طبقاً للقرار الذي صدر مؤخراً بوضع كل معاق في لجنة منفرداً، وأضافت الأم «محاسن» أن ابنها عبدالوهاب الذي يعاني من شلل رباعى يواجه صعوبة شديدة جداً في التنقل وتعاني معه أسرته خاصة أيام الامتحانات وطالبت بضرورة توفير سيارات مجهزة لابنها ولكل من هم في مثل حالته. فيما عبر الدكتور أمين قنديل عن غضبه بسبب عدم مراعاة ظروف ابنه من قبل الدولة والقائمين على الامتحانات، قال: ابني إبراهيم يعاني من التوحد وواجهنا صعوبات شديدة في إنهاء إجراءات الامتحان والأوراق الخاصة بها وقد سبق وطالبنا بضرورة توفير مكتب في كل مصلحة لذوي الاحتياجات الخاصة ولا يستجيب أحد ورغم كل تلك الصعوبات حصل ابنى علي الثانوية العامة بنسبة 77٪. إرادة نفسي أدخل الجامعة وألتحق بكلية أختارها بنفسي ولا تفرض علىّ.. كلمات قالها مصطفى أمين أبوالفضل، ذلك الشاب الذي يعاني من إعاقة حركية، ورغم ذلك نجح بتفوق في الثانوية العامة، قال: نفسي أدخل كلية أحبها كباقى زملائى الأصحاء كلهم يختارون كلياتهم بإرادتهم عن طريق تنسيق ومجموع، لكني أنا وزملائى المعاقين يفرض علينا ثلاث كليات فقط حقوق وتجارة وآداب، رغم تفوقنا الدراسي لابد أن نمنح الحق في دخولنا كليات القمة مثل: إعلام وسياسة واقتصاد. وأضاف «مصطفى» أن التعقيدات والروتين الحكومي تحرم الكثيرين من وسائل نقل مجهزة، كما تحرمنا من تكاليف شقة ميسرة التكاليف، كما أننا وبعد عناء الدراسة نتخرج فلا نجد حقنا محفوظاً في الوظيفة، فقانون تشغيل نسبة 5٪ من ذوي الإعاقة لا تلتزم بها أغلب الجهات. امتحان انفرادى! كذلك قالت زينب عبدالهادى: رغم إعاقتي حصلت علي الثانوية العامة بنسبة 83٪. وأضافت: نفسي أدخل كلية آداب لكن بصراحة تجربة الامتحان قاسية خاصة مع وجود ثلاثة مراقبين في الامتحان ووجودى وحدى في اللجنة أثر على مستوي إجابتى وتسبب في تسلل الخوف إلي نفسى. وقالت «زينب» أهدى نجاحي للسيد رئيس الجمهورية وأؤيده في كل خطوة يخطيها نحو التقدم وخاصة قناة السويس الجديدة ونتمني فعلاً أن نكون فاعلين وتستفيد الدولة من قدراتنا فى مسيرة التنمية. أما المعاناة التي عاشها أحمد عبدالرحمن وأسرته، فلم تكن عائقاً أمام اجتيازه حاجز الثانوية العامة بمجموع 86٪.. الذي أكد والده، محامي بالنقض، أن نجله واجه مشكلة «التقرير الطبى الذي أصر المسئولون على إجرائه قبل الامتحانات بأسبوع واحد، وكان ذلك أمراً مرهقاً للأسرة كلها وأحمد الذي كان من المفترض أن يقضى هذا الأسلوب في استرجاع دروسه استعداداً للامتحان، إلا أن هذا القرار تسبب في شقائه وتوتره بشكل كبير. قال والد أحمد: أصرت وزارة التعليم علي عمل تقرير طبي رغم وجود تقرير لنفس السنة لدي الوزارة وذلك بحجة أنه ربما يكون قد تم شفاء المعاق وهذا أمر مستحيل حدوثه خلال أقل من سنة. وتابع: كما تم منع شقيقة أحمد من الحضور معه في الامتحان لكتابة الإجابات وهي التي تعودت علي هذا الأمر طوال فترة دراسته وهي التي تقوم معه بالمذاكرة في المنزل، لكن الوزارة اشترطت أن يكون المرافق من نفس جنس الممتحن مما أثر على أداء ابني خاصة في مادة الإحصاء. أما أحمد فقال: وجود عدد 2 من المراقبين، بالإضافة لرئيس اللجنة أصابني بالرهبة كما وضع كل معاق بحجرة منفردة بصحبة المراقبين الثلاثة وتم حرماننا من الوقت الإضافى، وقال أحمد أنا محروم من سيارة مجهزة من الدولة والتفريق بين الطلاب في الفصول وطالب بضرورة توفير معاش تضامن اجتماعى لكل معاق ومنحة دراسية ميسرة ومصاريف تعليم. وأطالب بأنه في حالة وجود إعاقة كاملة تمنع المعاق من قيادة السيارة المجهزة أن يتم ترخيصها لأقرب الأقارب من الدرجة الأولى كالأب أو الأم أو الأخوة وذلك تيسيراً علينا في عمليات التنقل.