حضور «سامي العدل» (1946-2015) الفني كان يشبه حضور الزحام في الشوارع المصرية، فهو يعطى حيوية وزخما، لأي عمل يشارك فيه.. ومنذ تجاربه السينمائية الأولى في فيلم (كلمة شرف 1972) وقبل ان يتخرج في معهد الفنون المسرحية (عام 1975) وحتى مشاركته في نحو 150 عملاً فنياً (سينما، مسرح، تليفزيون) ظل «سامي العدل» يشارك في الحياة الفنية باعتباره مبدعا وليس عاملا في الفن!! و«سامي العدل» في مسلسلي «حارة اليهود» و«بين السريات» بدا كما لو أنه يودع جمهوره بصورته الواقعية.. الإنسان، المصري، الطيب، الوطني، الفنان.. بعيدا عن دور الشرير في معظم أدواره. وكان في المسلسلين مزيجا من شخصيته الإنسانية والفنية الواحدة المتنوعة، كممثل ومنتج، وعموما فإن دوره كمنتج لم يكن امتدادا لدوره كممثل، فهو لم ينتج لكى يكون ممثلا، ولكنه كان موصولا بعشقه وايمانه بالفن المصري، وبأهميته في إثراء حياتنا الثقافية والحضارية. وأجمل جانب مبدع في شخصية «سامي العدل» كممثل انه كان يعرف حدود حضوره الفني في أي عمل يشارك فيه ولم يتجاوزه، سواء كان من انتاج شركة «العدل جروب» التي كونها مع أشقائه، جمال، محمد، مدحت. أو من إنتاج الغير، ولهذا لم يتورط، ولم يورّط الشركة في انتاج أعمال من بطولته المطلقة، وكانت مشاركته محسوبة في معظم الاعمال التي انتجتها (العدل جروب). وإذا كان «سامي العدل» قدم، من وجهة نظري، أجمل أدواره في فيلم «حرب الفراولة» (1993) وأفضل ادواره التليفزيونية في مسلسل «أوبرا عايدة» (2000) للكاتب المبدع الراحل «أسامة غازي». فإنه اجاد في مسلسلي «حارة اليهود» و«بين السريات» في تغيير صورته الذهنية لدى الجمهور عن أدوار السابقة، وكاد أن يكون مثل الفنان «فريد شوقي» عندما قام بذكاء بتغيير طبيعة ادواره من وحش الشاشة والفتوة ورجل العصابات إلى الأدوار الإنسانية مع دخوله مرحلة جديدة العمر! ودور «سامي العدل» في «بين السرايات» من الأدوار الصعبة على أي ممثل لأنه دور يتطلب أكثر من إحساس، وأكثر من الأداء النمطي المتعارف عليه في مثل هذه الأدوار.. فلم يكن شريرا طوال المسلسل، ولا طيبا دائما، ولا جادا أو مستهترا على طول الخط الدرامي، بل في الكثير من المواقف والمشاهد كان يبدو مجنونا، وفى أخرى عاقلا، وفى ثالثة نصف عاقل ونصف مجنون.. وقد تلبسته حالة كل مصري بسيط قبل قيام ثورة 25 يناير. الذي كاد يصيبه الجنون والخلل العقلي والنفسي من كثرة الضغوط الاقتصادية، والتهميش، والعزل الاجتماعي، كأنه غير موجود ولا نصيب له من الرخاء والرفاهية والنعيم الذي يراه حوله ولا يستطيع ان يمسسه، وقد صار حكرا على الأغنياء بينما الفقراء يموتون بحسرتهم.. هكذا أدى «سامي العدل» دوره في «بين السرايات» وكأنه يودع جمهوره بدور هو شبه السواد الأعظم من المصريين، ويؤكد انه كان مواطنا قبل ان يكون فنانا.. فتذكروني كممثل منكم ولكم، وكمنتج مجدد ومتجدد، أضاف الكثير للتاريخ السينمائي والتليفزيوني المصري.. ولم يراع سوى مصريته في كل اعماله!