بين التر حيب والخوف.. يدور جدل سياسى كبير بشأن عزم مجلس الوزراء، مناقشة المسودة النهائية لقانون تداول المعلومات الأسبوع المقبل والذى سيحمل فى طياته عقوبات واضحة وصارمة حول ترويج الشائعات المضرة بكيان الدولة ومؤسساتها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وتتراوح تلك العقوبات فى مشروع القانون بين الغرامات الشديدة والعقوبات التأديبية التى تصل إلى الحبس، كما أن القانون سيضع تعريفاً واضحاً للجريمة الإلكترونية، سواء فيما يتعلق بإفشاء أسرار الأمن القومى أو ترويج شائعات تضر بالدولة، على أن يكون القانون متسقاً مع مواد قانون العقوبات والإجراءات الجنائية. ويعتبر المستشار إبراهيم الهنيدى، وزير العدالة الانتقالية، قانون تداول المعلومات من ضمن قائمة «أولويات القوانين» المفترض إصدارها خلال الفترة المقبلة، لكن الحكومة تسعى لإجراء حوار مجتمعى حول القانون قبل إصداره، منعاً لحدوث أى أزمات، على غرار ما حدث قبل إقرار قانون الإرهاب، وما يتعلق بالمادة 33 ، لإحداث نوع من الموازنة فيما يتعلق بقوانين النشر. ويحتدم الجدال بشأن ضرورة إصدار قانون تداول المعلومات، مع كل أزمة تتفجر بشأن غياب المعلومات، ومن أبرزها ما حدث مؤخرا من نشر معلومات مغلوطة عن الأحداث الإرهابية فى سيناء من قبل بعض الوسائل الإعلامية ما تسبب فى نشر الفوضى والبلبلة ولا يعد الحديث عن قانون تداول المعلومات محض تلك الأزمة وحسب ، ففى عام 2006 بدأ الحديث عن الاحتياج لصدور قانون يسمح بتداول المعلومات، ثم عاد الحديث بقوة عن أهمية صدور القانون فى عام 2010 ، استجابة لما جاء فى إعلان اليونسكو من دعوة الدول الأعضاء فى المنظمة ومن بينها مصر إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لإصدار التشريعات والقوانين الضرورية لضمان الحق فى الحصول على المعلومات، باعتباره حق كل فرد فى المجتمع للوصول للمعلومات، إلا أنه فى كل مرة تتكرر نفس المشكلة، وبعد فترة حوارات متوالية يختفى القانون، ولا يتم اتخاذ قرار بصدوره. وفى الوقت الذى يشدد فيه الخبراء على أهمية الانتهاء من ذلك القانون لضمان حرية تداول المعلومات بشكل طبيعى يتخوف كثيرون من العقوبات الصارمة التى ينص عليها القانون، خاصة فى ظل القيود التى يفرضها على عمليات النشر والتى ستفتح الباب مرة أخرى لحبس الصحفيين، ما يهدد باشتعال أزمة مع الجماعة الصحفية أسوة بما حدث فى قانون الإرهاب. من جهته.. أكد الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية أهمية إصدار قانون حرية وتداول المعلومات لتوفير الشفافية الكاملة للرأي العام في الوصول للبيانات والمعلومات للقضاء على الفساد الموجود في المجتمع. وأكد ان ذلك بات أمراً ضرورياً وملحاً، ولكن الأمر يتطلب الموازنة بين الحق فى الحصول على المعلومات، وبين عدم المساس بأمن الدولة، وأسرارها الخاصة. وانتقد زهران حالة الهجوم غير المبرر على القانون ، قبل ان تتضح ملامحه، مشيرا الى وجود حالة من التضخيم لفكرة الحبس لخلق رأى عام رافض للقانون، فى حين ان الجميع كان يطالب الحكومة بتغليظ العقوبات لردع المخالفين المسئولين عن نشر أخبار كاذبة. واستطرد زهران: نحن فى حالة حرب مع الإرهاب وعلى الجميع أن يعى ذلك جيدا، والعقوبات التى ينص عليها القانون هى عقوبات رادعة الهدف منها الحد من العناوين والموضوعات الإعلامية التى تقطر سما لتخريب البلاد على حد وصفه. وأكد أن هناك أخطاء مهنية فاحشة ارتكبت في التغطية الإعلامية وأشاعت جوا غير صحي بين الرأي العام، وبالتالي لابد للإعلام أن يعترف بهذا الخطأ، لأنه تبين بعد ذلك، أن جميع هذه المعلومات غير صحيح، حيث أعطى الإعلام لنفسه حق انتحال الأكاذيب التي يروجها الآخرون من أجل تحقيق انفراد. ولفت زهران إلى وجود درجات فى الأجهزة السيادية سرى وسرى جدا وغيرها، وفى حالة نشر أخبار من تلك النوعية فلابد من وقوع المسئول عن ذلك تحت طائلة المحاسبة مهما كان شأنه لأن أمن البلاد خط أحمر، لافتا إلى أنه لا يجوز للإعلام أن ينشر معلومات تخص الأمن العام ولا تريد الجهات الأمنية نشرها، كما لا يجوز نشرها دون العودة للجهات الرسمية، وما تحظر الجهات العسكرية نشره لابد أن نلتزم به، فالمسألة ليست في تداول المعلومات وانما في كيفية تنظيم ذلك. وعن حالة الجدل المثارة بشأن هذا القانون ، عبر الفقيه الدستورى شوقى السيد عن استيائه من الهجوم على القانون رغم عدم اتضاح ملامحه الى الآن ، متسائلا «لماذا أصبحت الحكومه متهمة بالتآمر دائما على الشعب؟ ولماذا خلقت الأجهزة الإعلامية هذه الحالة، فالقانون مازال محل النقاش ولم يصدر بعد وهناك عشرات الخطوات التى ستتخذ قبل صدوره وسيطرح لحوار مجتمعى لحين الوصول إلى صيغة اتفاق. وتابع السيد «تداول المعلومات حق دستورى كفله الدستور ولايستطيع أحد إنكاره ولكن هذا يتطلب ضوابط محددة مشيرا الى أن حماية الأمن القومى ستتحقق بالشفافية وصحة المعلومات، والثقة بين أبناء الشعب المصرى لمواجهة الجماعات الإرهابية، التي تستهدف وطناً بكل طوائفه ومن خلال الاعتماد على أجهزة المعلومات القائمة الموثوق بها. وأضاف «هناك نوع من تضخيم فكرة حبس الصحفى رغم أن تلك التشريعات الهدف منها من يروجون الإشاعات على مواقع التواصل الاجتماعى، وهى جزء من الحرب النفسية التى تدار ضد أجهزة الدولة، وطاما أننا نعترف ونشعر بأننا فى حرب ضد الإرهاب فعلينا أن نقبل بتلك الإجراءات والقيود المرتبطة بالحالة التى تعيشها الدولة. واردف قائلا «أنا ضد حبس الصحفيين ومع ذلك عندما يكون هناك خطر يهدد الدولة، فأى مسئول ينشر أخباراً كاذبة وشائعات يستحق الحبس، لافتا إلى وجود حرب نفسية تدار ضد الدولة وأجهزتها من خلال الإشاعات والحرب النفسية التى تشنها الجهات المعادية لمصر. وفى نفس السياق يرى الخبير الإعلامى ياسر عبدالعزيز أن قانون حرية تداول المعلومات هو «الفريضة الغائبة» في الممارسة السياسية والاقتصادية والصحفية في مصر، وكل يوم نتأخر في إصدار هذا القانون ندفع أثماناً فادحة، فقانون تداول المعلومات لا يخص الصحافة والصحفيين ولكن يخص المجتمع بأسره، لافتاً إلى أن قانون المعلومات يصنف المعلومات إلى درجات ويحمي بعضها حماية لمدة زمنية معينة ويطلق الحق في بعضها الآخر، مشيراً إلى أن من بين هذه المعلومات ما يتصل بالإجراءات الحربية والأمنية. وأضاف: القانون ليس له علاقة بالمادة 33 من قانون مكافحة الإرهاب، ولكنه يزيد من قدرة المجتمع على تشخيص أزماته وحلها، ويعزز آليات المساءلة والمحاسبة مما يحسن القدرة على الإنجاز. وانتقد عبدالعزيز الأخطاء التي وقع فيها الإعلام المصري خلال تغطيته لأحداث سيناء، والتى لم تتعلق فقط بالمعلومات التي صدرت عن بيانات المتحدث العسكري والتي كانت شحيحة ومقتضبة، وعكست غياب القواعد المهنية المعروفة لنشر الخبر الضعيف وغير المتثبت من صحته.