بقلم : فكريه احمد الأحد , 28 أغسطس 2011 14:28 كان حتى وقت قريب يعايش وظيفته بتلك المؤسسة الاعلامية فى ركن قصى ، منبوذا مغضوبا عليه من رئيسه بل كل المسؤلين بالمؤسسه ، ينعى حظه كلما سألته عن حاله ، ويشكو ضياع حقه بسبب حفنة من المنافقين والمنتفعين يحيطون برؤساءه دونه هو ، يكاد الدمع يطفر من عينيه الما وهو يذكر سنواته التى ضاعت فى العطاء لهذا المكان ، رغم ذلك ، تجاوزته الترقيات والحوافز والعلاوات ، وظل فى القاع ، بينما قفز اخرون لا يستحقون على اكتافه ، وكان يقسم لى ، لو اصبح مسؤلا لن يظلم مرؤسا ، ولفتح مكتبه امام كل محتاج وصاحب شكوى كان هذا منذ زمن قريب .. وهبت ثورتنا العظيمه ، لتغير الحياة المصرية ، وسبحانه تعالى مغير ولا يتغير ، بدأت لعبة الكراسى الموسيقية فى كل المصالح والشركات ، بما فيها المؤسسات الاعلاميه تحت شعارات الاصلاح والتطهير ، انزاحت وجوه كرهناها ، وحلت محلها وجوه توسمنا الخير فيها والصلاح ، وكان صاحبنا ممن تغيرت احوالهم ، ففاز باحد المقاعد الرئاسية فى لعبة الكراسى الموسيقيه ، وتنفست له الصعداء ، فها هو ينال اخيرا موقعا يعتقد انه يستحقه بعد طول ظلم وانتظار . وسبحانه مغير ولا يتغير ، انقلب حال صاحبنا بين ليلة وضحاها ، واعتقد ان اول ما فعله هو الذهاب الى " مكوجى " محترف ، لينشى له ياقات القمصان التى اشتراها من راتبه الجديد بعد الثورة ، وتخلص من قمصانه القديمة الكالحة المهترئه ، وباتت رقبته لا تلتوى وعيناه لا تنظران لاسفل ، بل لاعلى فقط بفعل ياقة القميص " المنشى " ، وبات دخان سيجاره ينفثه فى وجه كل من يحادثه ، واقسم انى لم اره يدخن من قبل ، بل كان يقول ان السجائر اموال تحرق فى الهواء ، واسرة اى مدخن اولى بها ، بما فيها اسرته التى لا تزال تقطن حى شعبى متواضع كملايين المصريين البسطاء . وثانى شئ فعله ، غير رقم هاتفه المحمول واصبح الرقم سريا ، كما غير تليفون منزله ، واشترى محمول اضافى به رقم يمنحه " واشدد على كلمة يمنحه " منحا للمقربين فقط ، ولكنه رغم ذلك لا يرد عليهم مباشرة ، بل عليهم ترك رسائلهم ، ليرد فيما بعد على من يراه مرغوبا به ممن دمهم خفيف على قلبه ، وهؤلا صاروا بالطبع قله بعد ان تقلد صاحبنا منصبه الجديد . اما مكتبه ولا حسد وهو مكتب رئيسه سابقا ، فقد حشد فيه كل غال ونفيس من التحف المتنافره الاشكال والالوان للتدليل على الثراء ، فكان مكتبه اكبر معبر عن التداخل والتنافر الحادث فى شخصية صاحبنا قديمها وجديدها ، ناهيك عن السكرتاريه ، والقنوات الفضائية التى بات ملتصقا على وجه شاشاتها كالطير اللزج فى ايام الصيف الخانق ، وبت اسمع له بطولات وصولات وجولات ضد النظام السابق ورؤس الفساد به ، وانا اقسم انى لم أقرأ له كلمة فى هذا الاطار من قبل ، لانه لم يكن يوما من كتاب الاعمده ، وحلا لبعض المتنمقين من مقدمى البرامج ان يصفوه بالبطل ، والثورجى ، والمناضل ، وغيرها من صف الالقاب التى باتت تخلع على كل وجه جديد اطل علينا بعد الثورة المجيده ، فى زمن باتت فيه الاوسمه تباع على الرصيف مع اعلام الثورة وبات اصغر لقب هو " النشط السياسى " . ووصلتنى اخباره من مرؤسيه بالمؤسسه ، بات صاحبنا نسخة اخرى من سابقه ، لا حق يؤخذ فى عهده الجديد ، ولا مظلمة تقبل ، كل الاخرين صاروا فى نظرة فشله متجمدى الفكر ليس لديهم اى ابداع ، ولا يستحقون حتى الرواتب التى يتقاضونها ، وفى المقابل ، رفع الى جانب مكتبه حفنة من منافقيه ومتملقيه ، الذين يجتمعون حول مكتبه كل مساء ، ليهللوا لافكاره الابداعيه ، وصولاته وجولاته الثوريه الوهميه ، حتى يكاد بعضهم يهلل " الله الله يا استاذ اعد والنبى الوصله " . هكذا يا سادتى ، برز لنا وجه كريه جديد ، بل قل وجوه كثيره تشابهت مع صاحبنا ، نسيت اصلها وفصلها ، ونسيت نفسها ، وصارت ظاهرة حنجوريه فى زمن اختلطت فيه اصوات زنين الذهب برنين النحاس والصفيح ، ونسى هذا وهؤلاء ازمنة الذل والظلم التى عاشوها ، واذا بهم يسقون كأسها لمن تحت ايديهم انتقاما ، نسوا ان العظمة لله وحده ، وان اول من سيكبهم الله فى نار جهنهم من نازعوه العظمة فى الارض ، وان هؤلاء سيسقون من حميم ومن الصديد المتساقط من اهل النار ، نسى هؤلاء ان خادم القوم سيدهم ، وان قضاء حوائج الناس اعظم عند الله من الجهاد ومن الاعتكاف بالمساجد ، نسى هؤلاء ان المظالم ستقف يوم القيامة حاجزا بينهم وبين الجنة لتقذف بهم الى النيران ، وان الفقير من جاء يوم القيامة بجبال من الحسنات ، لكنه ظلم هذا وبخس هذا واكل حق هذا ، نعم انهم نسوا الله فانساهم انفسهم ، واقول لهم كلمة اخيره ، افيقوا ، تواضعوا يرحمكم الله ، فالله معز ومذل لمن يشاء ، ولكم فى آل مبارك اسوة وعظه ، فلو دامت لمن سبقكم على كراسى السلطة لما جاءت تلك الكراسى اليكم ، افتحوا ابواب مكاتبكم ، افتحوا آذانكم وقلوبهم للمظالم ، ردوا على من يهاتفكم ، فدوام الحال من المحال ، الله وحده الباق وانتم راحلون .. راحلون ، اقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم ، عسى ان تفيقوا قبل فوات الاوان .