«قبل فوات الأوان .. نعيد ونزيد للمرة الألف .. مصر فى خطر . كارثة طبيعية ستحل بالدلتا .. أجود وأخصب الأراضى مهددة بالغرق .. مصيرها الفناء خلال مدة زمنية لا تتجاوز ال 60 سنة على أكثر تقدير – هذه – ليست هلاوس . ولكن تنبؤات خبراء المناخ وعلماء الجيلوجيا (الشر بره وبعيد)» وحتى هذه للحظة رغم تكرار التحذيرات, لم نأخذ التحذيرات بمحمل الجد. حتى نتحرك وتأخذنا «الحمية», بإتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الخطر القادم، لتلافى نحر الشواطئ, والحفاظ على ما تبقى من أراضى زراعية قبل الضياع . وبما أن ظاهرة التغيرات المناخية أمراً واقعاً, ومن المسلمات العلمية, فلا خيار إلا استغلال أى فرصة للتحرك وبسرعة, لمواجهة الخطر القادم على الأبواب. وأمام الرئيس عبد الفتاح السيسى فرصة الأن لإحياء مشروع منخفض القطارة, باعتباره الحل السحرى والعملى الممكن والمتاح, لإبعاد هذا الخطر. ولحسن الحظ هذا المشروع ليس فى حاجة إلى إجراء دراسات جديدة للتأكد من صلاحيته, لأن دراساته بالفعل متاحة لدى عدد من الجهات الرسمية المصرية – وهذه – الجهات تمتلك دراسات لخبراء دوليين ومصريين, وتجمع معظمها على الجدوى الإقتصادية للمشروع. ويتوقع أن يكون «منخفض القطار» المشروع القومى الثانى لمصر, بعد قناة السويس الجديدة, لما تحققه من فؤائد على مستوى الطاقة, والزراعة وتحلية مياه البحر والسياحة وإضافة مجتمع عمرانى كبير, إلى جانب إنقاذ مصر من غرق الدلتا. لتنشيط الذاكرة , منطقة منخفض القطارة تقع فى الصحراء الغربية , بالقرب من منطقة العلمين بالساحل الشمالى، وتمثل أكبرمنخفض فى منطق الشرق الأوسط , وثالث أكبر منخفض فى العالم من حيث المساحة . وطبقا للدراسات المساحية والجيلوجية تبلغ مساحة المنخفض 12 ألف كيلومترا , وطوله 298 كيلومترا , وعرضه 80 كيلومترا عند أكبر نقطة إتساع فيه . وأقصى إنخفاض له تحت سطح البحر 145 مترا . ويبدأ المنخفض من جنوب العلمين بالقرب من شواطئ الساحل الشمالى على البحر الأبيض المتوسط وتعد الفكرة الأساسية للمشروع , هى توليد الكهرباء . وذلك بإستغلال المنخفض العظيم , عن طريق مد خطوط أنابيب , أو شق قناة , أو أكثر بينه , وبين نهر النيل عند رشيد , أو البحر المتوسط عند العلمين , وإقامة محطة تربينات . وإستغلال تساقط المياة القادمة عبر القناة , أو الأنابيب , وإندفاعها الهائل عند حافة المنخفض لتوليد طاقة لكهربائية رخيصة , ونظيفة من " المساقط المائية " . وبعد دخول ظاهرة التغيرات المناخية على الخط , وتكرار الحديث عن إنعكاساتها السيئة على سواحل الدلتا . كان لابد من خيار المفاضلة بين مياه النيل العزبة , ومياه البحر المتوسط ذات الملوحة العالية , قبل البدأ فى تنفيذ المشروع . وبناء على هذه المعطيات , تم ترجيح كفة الخيار الثانى , وهو مياه البحر . لكونه الخيار العملى , الذى يمكنه " ضرب عصفورين بحجر واحد " . توليد الكهرباء , وإبعاد شبح غرق الدلتا – وهذا – هو الأهم - بإعتباره - الإجراء الإحترازى المطلوب إتخاذه لحماية أراضى الدلتا . حيث يمكن من خلال إستغلال الحجم الضخم للمنخفض , إستيعاب 60 مليار متر مكعب من مياه البحر , والتى تزيد سنويا بمايتراوح بين 25 , و30 مليار متر مكعب . وبالتالى تقليل فرص زحف مياه البحر التى تتزايد سنويا على أقاليم الدلتا , وتهددها بالغرق . خاصة وأن أقليم الدلتا يمثل نسبة 2,5 % من مساحة أقاليم وادى النيل , ويقترب من ثلث المساحة المستغلة فى مصر , والمأهولة بالسكان , والتى لاتزيد عت 7 % من مساحة مصر . ملحوظة : تستحوز الدلتا على 4,5 مليون فدان من أجود وأخصب الأراضى الزراعية , أى أكثر من نصف الأراضى المنزرعة على مستوى الجمهورية , والبالغة 8 ملايين فدان . وحتى لانبخس أصحاب فكرة إستخدام مياه النيل , التى تم إستبعادها حقهم . نلخص فكرتهم , فى إستغلال مياه النيل التى تضيع فى البحر سنويا عند رشيد بما يعادل 3 مليارات مترمكعب . وذلك بنقلها إلى منخفض القطارة , للإستفادة بها بدلا من فقدها . ( مياه النيل التى تصب فى البحر نشاهدها فى صورة إختلاط المياه العزبة , بالمياه المالحة عند رشيد , ومنطقة اللسان فى رأس البر) . وتتمثل الفكرة فى تحويل مجرى النيل عند رشيد , , ثم دفع المياه فى مواسير ( خطوط أنابيب ) ضخمة متدرجة الميول , لضخها بالتدفق الطبيعى , لتصب فى منخفض القطارة . بهدف تحويل المنخفض إلى بحيرة كبرى من المياه العزبة . لتكون بمثابة خزان مائى ضخم . ومن بين أسباب إختيار فكرة إستخدام مياه البحر , إنخفاض تكاليف المشروع . لقصر المسافة بين المنخفض , وأقرب نقطة مستهدفة لنقل المياه من البحر , بالمقارنة بين المسافة المماثلة فى حالة مياه النيل . فطبقا للدراسات المساحية . تمتد المسافة لمد خطوط الأنابيب , أو شق القنوات بين المنخفض , وفرع النيل برشيد فى حدود 250 كيلو مترا . فى حين لاتتعدى بين المنخفض , وساحل البحر عند العلمين 75 كيلو مترا فقط , أى أن المسافة لفرع رشيد تعادل 3 لأمثال مياه البحر فى الساحل الشمالى . هذا إلى جانب السبب الأهم , وهو مواجة التغيرات المناخية التى طرأت على الطبيعة الجيلوجية . ومن باب الإعتراف بالحق , فإن الأب الشرعى لمشروع منخفض القطارة " صاحب الإكتشاف " , هوالبروفيسور هانزبنك أستاذ الجغرافيا بجامعة برلين عام 1916 . فقد أتاحت الظروف تواجد البوفيسور هانز على أرض مصر خلال الحرب العلمية الأولى ( 1914 –1917) , حيث كانت ألمانيا إحدى قوات التحالف فى الحرب , إلى جانب بريطانيا , وفرنسا , ومصر , ضد روسيا , وتركيا . وكانت العالمين , وسيوه , وسيناء مسرحا لبعض العلمليات العسكرية . وتم إختيار الأسكندرية كمستشفى ميدانى لقوات التحالف . وقد دعم هذا الإكتشاف البروفيسور جون بول وكيل الجمعية الملكية البريطانية , بتنفيذ الأعمال المساحية للمنخفض عام 1924 , أثناء توليه رئاسة مديرية الصحارى بمصلحة المساحة الجيولوجية عام . وفى عام 1933 نشر " بول " دراسة كاملة عن المنخفض بمجلة الجغرافيا بلندن , أكدت الدراسة جدوى المنخفض فى توليد الكهرباء . وقد أظهرت مصر ترحيبها بهذا الإكتشاف فى حينه , لما يبشر به من خير , سارع المهندس حسين سرى فور توليه مسئولية مصلحة المساحة الجيولوجية , بإعداد دراسة ميدانية , وبعد تولية منصب وكيل وزارة الأشغال , رفع تقريرا إلى االمجمع العلمى المصرى . بهدف ترجمة الدراسات والتقارير الفنية والهندسية , إلى إجراءات عملية . ولسؤ حظ الإكتشاف , عدم إدراجه فى سلم أولويات أصحاب القرار . فما أن يتحمس له مسئول , حتى تتغير – البوصلة – فى إتجاه أخر . فيتم تجميد المشروع , ويدخل مرحلة النسيان . وكأن شيأ لم يكن . والدليل على ذلك عشرات الدراسات والأبحاث التى أجريت من جانب الخبراء الألمان , والإنجليز , والمصريين , والتى تم جمعها فى 6 مجلدات , ومازالت حبيسة الأدراج , رغم مرور 98 عاما على بداية الإكتشاف . وسبق أن مر مشروع المنخفض على مدى هذه السنوات , على ملوك ورؤساء مصر المتعاقبين , بداية من الملك فؤاد , ثم الملك فاروق , والذى ما أن قرر إتخاذ الإجراءات التنفيذيه , إندلعت شرارة الحرب العالمية الثانية . وكان من نتائج الحرب زرع الألغام فى منطقة العلمين بين الساحل , والمنخفض . مما تسبب فى تعطيل المشروع . وبعد ثورة يوليه 1952عرض أمر المنخفض على الرئيس جمل عبد الناصر , وكان عليه المفاضلة بين منخفض القطارة , والسد العالى . ففضل إنشاء السد العالى . ومع مجئ الرئيس السادات , تجدد عرض مشروع القطارة عليه , فامر بإنشاء هيئة بإسم " هيئة مشروع منخفض القطارة " . وقبل مرور عام على تشكيلها , ومراجعة الدراسات المساحية والهندسية , تعرض للإغتيال وكانت ألمانيا أبدت إستعدادها فى عهد السادات , لتقديم عدة منح مالية لمصر , لإنجاز المشروع , وعمل بحيرة لإستصلاح وزراعة ملايين الأفدنة . وبالفعل قدم بنك التعمير الألمانى منحة 11,3 مليون مارك عام 73 لتمويل دراسات المشروع . ولكنها حاولت الإنسحاب , والتحلل من إلتزامها بصرف أى منح مالية , أو وفنية جديدة , من خلال تجاهل الرد على ممثلى المشروع , أو إستقبالهم . مما يعنى عدم ترحيبها لإستكمال المشروع . وفى عام 75 , وعدت أمريكا بتوفير دعم للمشروع , وتم تشكيل لجنة عليا للهيئىة من 12 عضوا . منهم 6 أعضاء مصريين . وماحدث من ألمانيا , فعلته أمريكا . حيث تغير موقفها , بأبداء كثير من التحفظات . بهدف تطيل تنفيذه . وفى ظل غياب المساعدات علقت الهيئة نشاطها البحثى والفنى , وتوقفت عن العمل . ولإطلاق رصاصة الرحمة على مشروع منخفض القطارة , قام الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء , بتحويل هيئة منخفض القطارة , إلى هيئة المحطات المائية . بهدف دفنه . على إعتبار أن المحطات المائية بمثابة جراج لوزارة الكهرباء . ففى – نظر- " يونس " المنخفض غير إقتصادى , وتكاليفه تفوق قدرة الخزانة العامة , والقناة المائية المقترح إنشائها , لاتمثل أى إضافة جديدة . بل قد تمثل عبء الدولة . نظرا لإرتفاع تكلفة إزالة الألغام التى زرعت فى المنطقة المحيطة بالمنخفض خلال الحرب العالمية الثانية , و... و ... ! وهذا مردود عليه . خاصة فى المشروعات القومية والإستراتيجية . حيث يكون الحكم للحسابات والقياسات العلمية . بإعتبارها القواعد والمعايير المعترف بها , والتى يستند إليها عند قبول , أو رفض أى المشروع . وليس الإنطباعات ووجهات النظر , بدعوى أنها منطقية , أو غير منطقية . لأنها فى النهاية مجرد إجتهادات شخصية . ويرى الدكتور منتصر السكرى الأستاذ بالأكاديمي العربية للنقل البحرى , أنه من بين الإفتراضات التى تطرحها الدراسات , هناك بعض الإيجابيات والمكاسب . تتمثل فى : طاقة كهربائية نظيفة , تصل إلى 2500 كيلو وات / ساعة , توفر مايعادل 1,5 مليار دولار قيمة المازوت المستخدم فى التشغيل سنويا . أكبر بحير صناعية فى العالم طولها 12 ألف كيلو متر مربع . بحيرة المنخفض كمصدر لإستخراج الملح , والثروة السمكية من خلال التوسع فى إنشاء مزارع سمكية . مجتمع عمرانى وسكنى جديد , يسمح بتوطين 5 ملايين نسمة , ويخلق الألاف من فرص العمل . المطر الناتج عن البخر فى زراعة ملايين الأفدنة فى الصحراء الغربية , وتصل المساحة الجديدة المتوقعة للإستصلاح والزراعة 3,5 مليون فدان . غابات خشبية عن طريق الرى بمياه البحيرة . بالإضافة إلى إنشاء محمية طبيعية للطيور . مشروعات سياحية على جانبى البحيرة , وإستغلال البحيرة فى ممارسة الأنشطة الرياضية مثل المراكب الشراعية , وسباقات الزوارق , والألعاب المائية . ميناء بحرى يخفف الضغط على ميناء الأسكندرية . أما المعوقات , التى قد تصعب من تنفيذ المشروع , فتتمثل فى : تكاليف حفر " شق " القناة المائية إلى 14 مليار دولار . طبقا لأخر حسابات وزارة الكهرباء . تأمين فصل الصحراء الغربية إلى شقين , من خلال شق قناة مفتوحة من البحر للمنخفض وسط الصحراء , يتراوح عرضها بين 136 , إلى 256 مترا . آبار بترول فى محيط منطقة المنخفض , وإمتيازات لشركات البحث عن البترول تمتد حتى عام 2029 . نسبة ملوحة مياه البحيرة , مما يعد عائقا فى زيادة المساحة المنزرعة . الصخرية ( الحجر الجيرى ) للمنطقة المطلوب شق القناة فيها . يجعل عمليات الحفر مكلفة للغاية . هذه المعوقات التى يثيرها البعض , هى مجرد إفتراضات واردة , يجب مراعاتها فى تنفيذ المشروعات الكبرى , التى تمثل أمن قومى , وقيمة مضافة للإقتصاد . وكلما زاد حجم التحدى , أو المخاطرة , تتضاعف العائد . و- بإفتراض – صحة هذه الإفتراضات , فهى قابلة للعلاج , والتعامل معها . فبالنسبة لمشكلة التكلفة , العقبة الأهم أمام المشروع . يمكن تخطيها عن طريق الإكتتاب الشعبى , كماحدث فى مشروع قناة السويس الجديدة . حيث تم جمع 64 مليار جنيه فى أسبوع واحد , أو عن طريق طرح صكوك , أو سندات بالبورصة وصناديق الإستثمار . مثل ماهو متبع فى أذون الخزانة . حيث يتم الطرح على البنوك والشركات والأفراد . وبالتالى يمكن توفير مبلغ ال 15 مليار دولار المطلوب لشق القناة من البحر للمنخفض . وهى تمثل المرحلة الأولى للمشروع . وعلى ضوء تجاوز عقبة تكلف الحفر , يمكن التعامل مع الحجر الجيرى للطبيعة الجيولوجية للأرض مسار القناة بالتفتيت والإختراق . فالحلول التى كانت فى الماضى مستحيلة , وأكثر صعوبة , أصبحت اليوم طيعة وقابلة للتطبيق , ومنها المتفجرات المعمول بها فى المناجم , والكراكات , ومعدات الحفر العملاقة المستخدمة حاليا فى حفر قناة السويس . ويكفى فقط نقلها بعد إنتهاء الحفر , إلى الموقع الجديد . وفى حالة إستبدال عمليات نقل المياه عن طريق حفر القناة , بمد مواسير على هيئة خطوط أنابيب أسمنتية . فإن الأمر لم يعد يمثل مشكلة فى الإستيراد , والإعتمادات البنكية , لأنها متاحة وتصنع داخل مصر . فقط زيادة حجم الطاقة الإنتاجية منها , وبالقطر والأطول المطلوبة . وفيما يتعلق بغرق الدلتا , تتوقع الدراسات ,أن يؤدى إستيعاب المنخفض , بعد تحويله لأكبر بحيرة صناعية خلال عامين مايعادل 60 مليار متر مكعب من مياه البحر . مما يساعد فى كبح جماح التغيرات المناخية , وإنقاذ الشريط الساحلى والدلتا من الغرق . وطبقا للجدول الزمنى للمشروع , من المقرر بعد ملئ البحيرة , البدء فى إقامة تجمع سكانى وزراعى . وبالنسبة لمشكلة ملوحة مياه البحر , والخوف من تسرب مياه المنخفض , إلى المياه الجوفية . تشير الدراسات , إلى أن وجود الرمال فى هذع المنطقة , يؤدى إلى تنقية المياه فى حالة تسربها إلى باطن الأرض , ويخفف كثيرا من ملوحتها . وتتضمن الدراسات , إنشاء محطات تحليه مياه المنخفض بالطاقة الشمسية , إلى جانب سحب مياه الصرف الزراعى بمنطقة سيوه فى خطوط أنابيب , إلى المنخفض , بهدف تقليل درجة ملوحة المياه , وصلاحيتها للزراعة .