من أسباب قطيعة الرحم، تجد من إذا زاره أقاربه لم يهتم بهم، ولم يصغ لحديثهم، ولا يفرح بمقدمهم، ولا يستقبلهم إلا بكل تثاقل وبرودة، مما يقلل رغبتهم في زيارته. والشح والبخل، فمن الناس من إذا رزقه الله مالاً أو جاهاً تهرب من أقاربه، حتى لا يرهقونه بطلباتهم المتنوعة. وعلاج ذلك بذل المستطاع لهم من الخدمة بالنفس، أو الجاه، أو المال، وأن يدع المنة عليهم، والتعاون على حل مشكلاتهم المادية والاجتماعية والدينية، فإذا ما احتاج أحد من أفراد الأسرة مالاً لزواج، أو نازلة أو غير ذلك، قاموا بدراسة حاله، ورفدوه بما يستحق فهذا مما يولد المحبة بين الأقارب. وتأخير قسمة الميراث، فقد يكون بين الأقارب ميراث لم يقسم، إما تكاسلاً منهم أو قلة وفاق فيما بينهم، وكلما تأخر قسم الميراث شاعت العداوة، وكثرت المشكلات، وزاد سوء الظن، وحلت القطيعة. والشراكة بين الأقارب، فكثيراً ما يشترك الإخوة أو غيرهم من الأقارب في مشروع أو شركة ما، دون أن يتفقوا على أسس ثابتة، ودون أن تقوم الشراكة على الوضوح والصراحة، بل تقوم على المجاملة والحياء، وحسن الظن، فإذا زاد الإنتاج، واتسعت دائرة العمل؛ دب الخلاف، وساد البغي، ونزغ الشيطان، وحدث سوء الظن خصوصاً إذا كانوا من قليلي التقوى والإيثار، أو كان بعضهم مستبداً برأيه، أو كان أحد الأطراف أكثر جدية من صاحبه، ومن هنا تسوء العلاقة، وتحل الفرقة، وربما وصلت بهم الحال، إلى الخصومات في المحاكم، فيصبحون سبّة لغيرهم. «وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ». والاشتغال بالدنيا، والانشغال بها عن أداء واجباته تجاه أرحامه، لذلك وجب أن تكون لهم اجتماعات دورية شهرية أو نصف شهرية، أو نحو ذلك. والطلاق بين الأقارب إذا لم يكن بإحسان. وبُعد المسافة، والتكاسل عن الزيارة من أسباب قطيعة الرحم. وقد يكون التقارب في المساكن بين الأقارب مسبباً للقطيعة بسبب ما يكون من التزاحم على الحقوق، وبسبب ما يحدث بين الأولاد من مشكلات قد تنتقل إلى الوالدين. ومنها قلة التحمل والصبر على الأقارب. ونسيانهم في الولائم والمناسبات، فقد يفسر هذا النسيان بأنه تجاهل واحتقار فيقود ذلك الظن إلى الصرم والهجر. ومن كان بينه وبين رحمٍ له عداوة فليبادِر بالصّلة، وليعفُ وليصفح. «فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ». وإنّ لحُسنِ الخُلُق تأثيرًا في الصّلة، والزَم جانبَ الأدَب مع ذوي القربَى، فإنّ مَن حَفِظَ لسانَه أراح نفسَه، وللهديّةِ أثرٌ في اجتلابِ المحبّة، وإثباتِ المودّة، وإذهابِ الضغائن وتأليفِ القلوب. وبشكل مختصر تبدأ صلة الرحم بنوع من الاتصال الهاتفي أو البريدي، ثم الزيارة، ثم تفقد الأحوال المعيشية والاجتماعية، ثم المساعدة بألطف أسلوب، ثم الأخذ بيد القريب، وأهله إلى الله، وحملهم على طاعته، والتقرب إليه، وهذا تاجٌ تتوّج به هذه الصلة وعندئذ تكون هذه الصلة حققت هدفها الأكبر.