سقط طاغية ليبيا لينضم إلى زميليه بن علي، ومبارك. مثلث الاستبداد تهاوى أمام ثورات شعبية، كانت دموية في حالة ليبيا، بسبب وحشية القذافي. تشكل هذا المثلث في ثمانية أشهر فقط من هذا العام 2011. إنجاز تاريخي للشعوب الثلاثة، أن تنجح في إزالة ثلاثة فراعين في فترة قصيرة .إذا عدنا إلى الوراء قليلا يمكن القول إن المثلث أصبح الآن مربعاً، بإضافة طاغية يرقد تحت التراب، هو صدام حسين الذي سقط في 2003 لكن على أيدي محتل أجنبي، وليس بثورة شعبية . في 8 سنوات انهارت أربعة عروش قامت على القمع والقهر والحكم المطلق لفرد واحد قتل ودمر وخرب. مازال هناك شعبان عربيان يناضلان بدمائهما في اليمن وسوريا ضد طاغيتين آخرين. من سيسقط منهما قبل الآخر، علي صالح، أم بشار الأسد؟. الأسرع منهما في الخروج من القصر سيحول المربع إلى مخمس ، والتالي سيجعله مسدساً، ليس مسدساً للقتل، فقد شبعت الشعوب الثائرة قتلاً من مسدسات طغاتها ،إنما سيكون مسدساً من ناحية الشكل الهندسي أضلاعه ستة من طغاة العرب ، ثلاثة منهم في الغرب، ومثلهم في الشرق، ليكون الغرب والشرق حراً ومتحرراً من الفراعين . على الآخرين شرقا وغربا أن يستفيدوا من تلك الدروس البليغة التي تتوالى، وألا يظل أحد منهم يكابر ويقول: لسنا مثل هذا البلد أو ذاك، فما أهلكت الأنظمة الفاشية التي سقطت، أو التي في الطريق، إلا أن كل واحد منها قال: لسنا مثل كذا، رغم أنه أسوأ. الثورة الليبية قدمت أغلى الأثمان حتى الآن، فعدد الشهداء بالألوف، لأن القذافي نوع خاص جداً من الطغاة لم يكن يحكم ليبيا إنما كان يمتلكها بكل ما فيها، ولم يكن يتصور أن يقول له مواطن ليبي يوماً كفى، ارحل. هوس هذا الحاكم الساقط ومرضه بعشق الذات الذي جعله حالة ميئوساً منها أغراه أن يضع نفسه في مكانة فوق البشر، فلم يكن يكفيه أن يكون نصف إله على الأرض. لذلك صك هتافاً مقيتاً: "الله، ومعمر، وليبيا، وبس"، حيث كان يردده رعاعه وهو في غاية السرور. وضع اسمه بعد رب العزة جل جلاله، وقبل ليبيا الوطن والشعب . لذلك كان بالغ العنف في قمع الثورة السلمية، وإذا أتيحت له الفرصة لإبادة الشعب الليبي عن بكرة أبيه ليبقى هو لفعل . لكن الله سخر حلف شمال الأطلسي في لحظة حاسمة يوم 19 مارس ليوقفه عن إغراق ليبيا في بحور من الدماء. الذين احتفلوا بالانتصار أمام السفارة الليبية بالقاهرة مساء الأحد الماضي استبدلوا سريعا الشعار إلى: "الله، ورسوله، وليبيا، وبس ".وعما قريب سيتم إزالة كل إثر للجرذ الهارب ولجماهيريته الهلامية الهزلية. إذا كان "الناتو" قد ساعد الثوار في حربهم غير المتكافئة مع القذافي وكتائبه ومرتزقته وأمواله فإنهم هم الذين قدموا تضحيات باهظة من دمائهم وهم الذين حرروا بلدهم ،وهم من أسقطوا الطغيان، وهم من انتزعوا حريتهم بالغالي والنفيس . كنا أحيانا نصل إلى مرحلة اليأس من بلوغ الثورة هدفها بكسر القذافي ونظامه، لكن إرادة الثوار لم تخذل الأحرار بإنجاز المهمة. الذي حصل في ليبيا يكاد لا يصدق ، فالطاغية خرج يوما يتهجم على الشعب التونسي لأنه أجبر الديكتاتور على الهرب، قال للتوانسة: أخطأتم ،أعيدوا بن علي للسلطة ، وقد حاول بكل السبل إعادته ، وهو لم يكن يفعل ذلك حباً في بن علي بقدر ما كان مصاباً بالذعر من انتقال الثورة إلى بلاده. كان يتصنع القوة والثقة بالنفس والرسوخ على الكرسي بطريقته المثيرة للسخرية وهو يتحدث حيث يرفع رأسه ويتأمل في الفراغ دون أن ينظر للكاميرا أو من يجلس أمامه. إنه جنون العظمة الذي اشتهر به هذا الديكتاتور.ولما سقط جاره الثاني مبارك فإن عقله طار واستبد به الذعر، وحاول مساعدة مبارك حتى لا يلقى مصير بن علي، لكن كلمة الشعب المصري كانت سيفا بتاراً حيث أنجز أسرع الثورات العربية – 18 يوما فقط، وان شئت الدقة فقل15 يوما لأن الثورة الحقيقية بدأت يوم جمعة الغضب 28 يناير- ولذلك كان محتما أن تنطلق ثورة في ليبيا لأنها أصبحت محاصرة ببلدين تحررا من قبضة حاكمين مستبدين ، والعدوى الإيجابية للثورات تنتشر، خصوصا عندما يكون هناك بلد مثل ليبيا يحكم بأغرب نظام طوال 42 عاما. وليبيا لم يكن لديها تنمية ولا خدمات معقولة مثل تونس، ولم يكن لديها هامش من الحرية مثل مصر ، والبلدان لا يملكان بحر الثروة النفطية الذي تعوم فوقه ليبيا، ولا العدد القليل من السكان ،ومع ذلك كان الشعب الليبي فقيراً ومقموعاً رغم ثرواته التي يفترض أن تجعله من أغنى شعوب العالم، أليس ذلك وقوداً كافياً لإشعال ثورة منذ سنوات ، وعندما يثور الجاران في الشرق والغرب ألا يمثل ذلك سبباً كافياً لتحرك الشعب الليبي. تأخرت ثورة أحفاد عمر المختار، لكنها حصلت وانتصرت ، والحمد لله.