ما من وزر إلا وارتكبه النظام السابق وعصابته، علي رأسهم ابن السلطة المدلل جمال مبارك، الذي طالت يده كل قنوات الاقتصاد في مصر ظاهرها وباطنها، لينهب منها ويغترف كيفما يشاء، ولم تنج منه حتي صالات القمار المنتشرة بالفنادق الكبري، والتي استطاع ان يغمس يده فيها بمساعدة صديقه وزير السياحة السابق زهير جرانة، هذا الاخير الذي صدر ضده حكم بالسجن خمسة اعوام في مايو الماضي، ولكن في قضايا اخري من نهب المال العام. و«الوفد» تضع بالمستندات امام الشعب وامام المدعي العام، تفاصيل السيناريو الذي نفذه جمال مبارك للاستيلاء علي جزء من اموال صالات القمار، في فضيحة جديدة تضاف الي كم الفضائح والفساد الهائل الذي ابتلانا بة النظام السابق، بجانب تورط بنوك مصر المحترمة وعلي رأسها بنك مصر في ادارة هذه الاندية واجبار موظفيها علي العمل بها قسرا. معروف ان لعب القمار «الميسر» محرم شرعا، بموجب الكتب السماوية، ويقول الله سبحانه وتعالي «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمر الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون»، وترفض التقاليد المصرية وجود اي كازينو للقمار حفاظا علي الاخلاق العامة، فيما يجرم القانون المصري السير وراء قوانين العالم الشهيرة في هذا الاطار، ان يمارس لعب القمار من تقل اعمارهم عن 21 عاما، كما يحظر علي العرب والاجانب المقيمين بمصر مدة خمس سنوات لعب القمار، ويستثني من كل هذا السياح الذين يزورون مصر لفترة محدودة. ومن اجل هؤلاء السياح، تم التجاوز لإنشاء اندية للقمار تحت ضوابط قانونية محددة في العديد من الفنادق الكبري علي مستوي الجمهورية، بزعم تشجيع وجذب السياح، وزيادة الدخل القومي من السياحة، علما بأن اندية القمار هذه لها كيانات مستقلة داخل الفنادق، ويتم تأجيرها لشركات القمار العالمية، أن اي كل الربح يذهب لتلك الشركات غير المصرية، ولا تستفيد وزارة المالية المصرية إلا بنسبة الضريبة المقررة علي النادي او الكازينو، وتعادل 50% من صافي الارباح، وهي بالطبع ضريبة عالية نسبيا مقارنة بمعدل الضرائب الاخري التي تفرضها مصر علي مجالات اعمال اخري بالسياحة او غيرها، لذا يعتبرها اصحاب الاندية بمثابة «الاتاوة» المصرية مقابل السماح بوجود أندية قمار يرفض وجودها المجتمع المصري المتدين. أرباح خيالية ولأن تلك الاتاوة او الضريبة المفروضة علي اندية القمار، تمثل دخلا خياليا ، فمن الطبيعي أن تلفت انظار جمال مبارك اليها، وتدفعه للبحث عن وسيلة لالتهام جزء من «الكعكة» ، فأصدر تعليماته عام 2006 بتحويل حصيلة ضرائب اندية القمار الي وزارة السياحة لا وزارة المالية كما كان سابقا، باعتبار وزارة السياحة الجهة المشرفة علي الفنادق التي تتبعها هذه الاندية، وبذلك تصب حصيلة «الاتاوة» في حضن صديقه زهير جرانة وزير السياحة، بعيدا عن الخزانة العامة للدولة، وهو ما اتاح فرص التلاعب والاستيلاء علي جانب من هذه الاموال، بعيدا عن خزانة الدولة وعن وزارة لمالية. وليس هذا فقط، بل تم اسناد إدارة أندية القمار والرقابة عليها وتحصيل ضرائبها الي عدد من البنوك المحترمة، بما فيها بنك مصر، اقدم واعرق بنك مصري أنشأه طلعت حرب، فكان لبنك مصر نصيب الاسد في إدارة 12 ناديا للقمار من اجمالي 18 ناديا، موزعة بالفنادق الكبري، وعلي رأسها فندق رمسيس هيلتون، فور سيزون، سونستا، شيراتون القاهرة، موفنبيك، شبرد، الكونرا، شيراتون المطار، موفنبيك 6 اكتوبر، بجانب اربعة فنادق اخري في طابا وشرم الشيخ. ووفقا للمستندات التي حصلت عليها «الوفد» يقوم مندوبون عن هذه البنوك بالتواجد داخل صالات القمار ليلا ونهارا، ويتولي المندوب مهمة التوقيع علي «فيش» اللعب الذي يتم صرفه من ال«كاش دسك» وكذلك ايداع صورة ايصال الصرف بصندوق الارباح، كما يقوم بنفسه عند بدء اللعب علي طاولة القمار بالتأكد مع عدد «الفيش» وقيمته، بموجب محضر خاص، كما يقوم بمراقبة طاولات اللعب، لضمان عدم نقل «فيش» اللعب من طاولة لأخري، كما يتولي استبدال العملات الاجنبية بمصرية وغيرها من العملات النقدية. و يبلغ عدد مندوبي البنوك بصالات قمار الفنادق آلاف المندوبين، منهم 400 مندوب يتبعون بنك مصر وحدة اغلبهم يتم اجباره من قبل البنك علي اداء هذا العمل رغما عنه وإلا تتم معاقبتهم، ليجبر هؤلاء علي المشاركة في عمل حرمه الله، ومعايشة ما يحيط بلعب القمار من افعال مشينة وتصرفات غير اخلاقية، وهو ما دفع بمندوبي بنك مصر مؤخرا الي اعلان اضرابهم عن العمل، مؤكدين رفضهم التواجد بصالات القمار التي تضج بكل ما حرمه الله، وبينهم من اصيب بحالات نفسية سيئة لشعورهم بالخجل مع عملهم امام انفسهم واسرهم، وشعورهم بأن الاجور التي يتقاضونها من هذا العمل انما هي اموال حرام، بجانب السمعة السيئة التي اكتسبها بنك مصر كغيرة من البنوك لانخراطه في هذا العمل. إجراءات تعسفية وقد قابلت ادارة بنك مصر رفض واضراب العاملين بقرارات وإجراءات تعسفية، وعندما اشتعل الصراع بين هؤلاء المندوبين والادارة في فبراير الماضي، ودعتهم الادارة الي تفويض ممثلين عنهم، لعرض مطالبهم بصورة محددة، وبالفعل تم اختيار ممثلين عن العاملين في 22 فبراير، وتم تحديد المطالب، وعلي رأسها، توقف البنك عن ادارة صالات القمار، وعدم ارسال اي من مندوبي البنك الي هذه الصالات، ومخاطبة البنك المركزي للتنسيق مع وزارة السياحة، لايجاد بدائل اخري، يتم من خلالها تحصيل الضرائب التي تفرضها الدولة علي اندية القمار، دون الحاجة الي وجود مندوبي البنك. وعاش العاملون ببنك مصر اياما طويلة من الاتصالات والجدال والسجال، تم خلالها لقاءات مع ادارة البنك، ومع ادارة المكاتب السياحية، ومع رئيس مجلس ادارة البنك محمد بركات، في لقاء مفوضي العاملين مع هذا الاخير، كانت المفاجأة الغريبة، حيث ابدي بركات عدم معرفته التامة بإرسال مندوبين من البنك الي اندية القمار، علي الرغم من وجود قواعد تنظم عمل موظفي البنك بهذه الاندية ضمن لائحة العمل بالبنك، وعندما تمت مواجهته بهذه اللائحة والقواعد، حاول التهدئة، وطلب من علي الهلباوي مدير ادارة المكاتب السياحية بالجلوس مع مفوضي العاملين، والتفاوض معهم لتحقيق مطالبهم. ورغم ان الهلباوي كان قد رفض من قبل لقاء العاملين بالبنك او من يمثلهم اكثر من مرة لبحث المشكلة، إلا أنه استجاب لأمر رئيس مجلس الادارة، وعقد اجتماعا بصورة اضطرارية في ابريل الماضي، وقدم لهم وعدا يبدو مستحيلا في تحقيقة علي ارض الواقع، وهو اغلاق جميع اندية القمار في الفنادق الموجودة بالقاهرة خلال ثلاثة اشهر، واكد في ذات الوقت عدم قدرته علي اغلاق باقي الاندية في طابا، بزعم ان هذه الاندية تجذب السياح الاسرائيليين، حيث تحظر اسرائيل لعب القمار بها، لذا يلجأ الاسرائيليون لطابا لممارسة اللعب المحرم لديهم كيهود علي ارض مصر الاسلامية. ومن المضحكات المبكيات في هذه الفضيحة، ان احد البنوك الفرنسية العاملة في مصر، رفضت من قبل ادارة اندية القمار حفاظا علي سمعة البنك، وحرصا علي عدم الاخلال بميثاق العمل بإجبار مندوبين علي الإشراف علي ادارة اللعب بهذه الاندية، اي ان البنك الفرنسي رفض دورا قبله بنك مصر، الذي لم يستجب للتعليمات الصادرة من البنك المركزي المصري التي تقضي بضرورة اغلاق اندية القمار بصورة عامة، الا ان بنك مصر يتمسك بادارة هذة الاندية، لتمسكه بالربح الحرام، غير عابئ بكل اسباب الرفض الديني والاجتماعي، بل الادهي من ذلك وجود صالتين غير مرخصتين للعب القمار بفندقي سونستا وموفنبيك، يتم ادارتهما تحت سمع وبصر كل المسئولين بوزارة السياحة، وشرطتها، دون اي تحرك لإغلاقها. و«الوفد الأسبوعي» تضع كل هذه الحقائق امام المسئولين، وتتساءل، هل يمكن ان تستمر صالات القمار علي ارض مصر في ظل اصلاحات الثورة ومحاربتها لكل اوجه الفساد، وألا يمكن تعويض مكاسب السياحة من القمار من خلال تنمية انشطة سياحية اخري لا تمس سمعة مصر ولا كرامة ابنائها التي تهدر داخل صالات القمار، إنه سؤال نطلب الاجابة عنه خاصة من بنك مصر.