رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    عاجل- وزارة البترول تكشف الحقيقة الكاملة حول جودة البنزين في الأسواق المصرية    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات الأخرى الثلاثاء 6 مايو 2025 (قبل بداية تعاملات)    عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025 (بداية التعاملات)    "المالية" تعلن عن نظام ضريبى مبسط ومتكامل لأى أنشطة لا تتجاوز إيراداتها 20 مليون جنيه سنويًا    أورنچ تعلن تعيين ياسر شاكر رئيسًا تنفيذيًا لإفريقيا والشرق الأوسط    النائب أحمد مقلد: لن نصل للفسخ التلقائي لعقود الإيجار القديم بين المالك والمستأجر    8 مليارات دولار في الطريق.. تفاصيل الدفعة الجديدة من الاتحاد الأوروبي لمصر    رئيس وزراء هنغاريا يعلنها حربا مفتوحة مع زيلينسكي    إكسيوس: إسرائيل تحدد زيارة ترامب كموعد نهائي للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة    طيران الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات على الحدود الشرقية اللبنانية - السورية    رئيس وزراء رومانيا يعلن استقالته وسط تصاعد الاضطراب السياسي    وزير السياحة والآثار يقيم مأدبة عشاء على شرف المشاركين في الاجتماع الوزاري الرابع لوزراء السياحة للدول الأعضاء بمنظمة ال D-8 بالمتحف المصري الكبير    حالة واحدة لإلغاء عقوبة إيقاف قيد الزمالك.. خبير يوضح    جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    المصري 2007 يختتم مشواره بدوري المحترفين بالفوز على بلدية المحلة بهدف    الأهلي يحدد سعر وسام أبو علي بعد تلقيه عروض مغرية    وكيله: عقد عطية الله مع الأهلي ينتهي بنهاية المونديال.. ولدينا عروض عربية    طارق مصطفى: أنتظر تدريب منتخب مصر.. والزمالك فريق كبير    تعرف على.. جدول الشهادة الاعدادية التيرم الثاني بمحافظة القاهرة    عودة الموجة الحارة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025    "عيون ساهرة لا تنام".. الداخلية المصرية تواجه الجريمة على السوشيال ميديا    انقلاب سيارة يودي بحياة مسن في الوادي الجديد.. ونيابة الداخلة تباشر التحقيقات    الطب الشرعي يعيد فحص الطالبة كارما لتحديد مدى خطورة إصاباتها    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    رغم هطول الأمطار.. خبير يكشف مفاجأة بشأن تأخير فتح بوابات سد النهضة    بالصور.. انطلاق فعاليات المؤتمر العام العاشر لمنظمة المرأة العربية    الحكومة الفلسطينية: نرفض الآلية الإسرائيلية المقترحة لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة    إعلام عبري: الحكومة بدأت حساب تكاليف توسيع الحرب    ضبط طفل تحرش بكلب في الشارع بالهرم    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    جداول امتحانات نهاية العام للصف الأول والثاني الإعدادي بمدارس الجيزة 2025 - (مستند)    لماذا رفضت "العدل الدولية"دعوى الإبادة الجماعية التي رفعها السودان على دويلة الإمارات    موعد مباريات يوم الثلاثاء والقنوات الناقلة    رياضة ½ الليل| مصائب تغزو الزمالك.. انقلاب على بيسرو.. موقف محرج للأهلي.. وبطولة قتالية لمصر    عمرو أديب: قانون الإيجار القديم يحتاج "نواب الرحمة"- تفاصيل    25 صورة من عزاء المنتج وليد مصطفى زوج الفنانة كارول سماحة    بالفيديو.. رنا رئيس ترقص مع زوجها في حفل زفافها على أغنية "بالراحة يا شيخة"    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    ليلى علوي تقدم واجب العزاء في المنتج الراحل وليد مصطفى    جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 في القاهرة لطلاب الابتدائية    هل ارتداء القفازات كفاية؟.. في يومها العالمي 5 خرافات عن غسل اليدين    «حتى أفراد عائلته».. 5 أشياء لا يجب على الشخص أن يخبر بها الآخرين عن شريكه    محافظ سوهاج: مستشفى المراغة المركزي الجديد الأكبر على مستوى المحافظة بتكلفة 1.2 مليار جنيه    خوفا من الإلحاد.. ندوة حول «البناء الفكري وتصحيح المفاهيم» بحضور قيادات القليوبية    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني| صور    ما حكم نسيان البسملة في قراءة الفاتحة أثناء الصلاة؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    وصلت لحد تضليل الناخبين الأمريكيين باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي.. «التصدي للشائعات» تناقش مراجعة وتنفيذ خطط الرصد    "قومي حقوق الإنسان" ينظّم دورتين تدريبيتين للجهاز الإداري في كفر الشيخ    وزارة الصحة تعلن نجاح جراحة دقيقة لإزالة ورم من فك مريضة بمستشفى زايد التخصصي    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 48 عاماً من نكسة 5 يونية 67.. هل استوعبنا درس الهزيمة؟
اللواء حسام سويلم يكتب:
نشر في الوفد يوم 05 - 06 - 2015

ثمانية وأربعون عاماً مضت منذ هزيمة يونية 1967، تلك الهزيمة التي كانت ولاتزال لها مردود خطير على واقع ومستقبل الأمة العربية، وذلك رغم نجاح مصر في استعادة سيناء بحرب 1973 حتي آخر حبة رمل في طابا بجهود عسكرية وسياسية رائعة، حيث لاتزال هناك أراض عربية أخرى في الجولان السورية والضفة الغربية للأردن وغزة تحت الاحتلال والحصار الإسرائيلى، وهو ما يفرض على كل العرب -خاصة المؤسسات السياسية والعسكرية- أن تستعيد دروس هذه الحرب وأسباب الهزيمة، من خلال استعادة الظروف التي واكبتها على الساحات المحلية والإقليمية والدولية، فضلاً عن مجريات الحرب، وما واكب ذلك من قرارات سياسية وعسكرية كانت من أسباب هذه الهزيمة، ذلك لأنها لم تخرج كاملة إلى الوعى العربي بشكل عام والوعي المصرى بشكل خاص، سواء بسبب عدم الإفراج عن الوثائق السرية الخاصة بهذه الفترة أو إخفائها، وأيضاً نتيجة عدم المناقشة والبحث العلمى السليم لأسباب وظروف هذه الهزيمة، ناهيك عن تغلب الأهواء والأغراض الشخصية للذين تعرضوا للكتابة عنها، سواء بدفاعهم وتأييدهم، أو بتهجمهم ومعارضتهم بشكل أعمى ودون موضوعية للمسئولين عن هذه الهزيمة، الأمر الذى أبعدهم كثيراً عن الوقوف علي حقيقة ما حدث خلال هذه الفترة الخطيرة من حياة مصر والأمة العربية.
إن نسبة كبيرة من الأجيال الشابة التي ولدت خلال هذه الفترة والتي قاربت نصف قرن، وتناحر ما بين 50 و60 بالمائة من جملة شعب مصر والشعوب العربية الأخرى، لم تطَّلع علي الأبعاد الحقيقية لنتائج هذه الحقبة المريرة، لكي تستخلص الدروس والعبر منها، لاسيما أن جذور الهزيمة النفسية والعقلية مازالت تعشش تحت السطح من حياتنا العامة، كما لايزال بعض الذين يتصدرون مواقع العمل العام ينتمون إلى نمط التفكير السياسي الذي كان سائداً إبان حقبة الستينيات، وكان سبباً رئيسيًا في هزيمة 1967، لاسيما فيما يتعلق بعملية منع القرار السياسي، خاصة قرارات الحرب، وربما كان أبرز مثال علي ذلك عدوان العراق على الكويت عام 1990 حيث ينتمي صاحبه -صدام حسين- إلي نفس المدرسة الديكتاتورية التي صنعت هزيمة 1967، وتفتقر الرشادة والعقلانية في صنع القرار، وتعتمد الفردية والعفوية سبيلاً في اتخاذ القرارات السياسية المصيرية والمتعلقة بمسائل الحرية والسلام.. وهو ما أدى إلى الكوارث المتلاحقة التي حلت بالعراق بعد ذلك وحتي اليوم وأدت إلي غزوه واحتلاله بواسطة القوات الأمريكية في عام 2003، ثم بعد ذلك تقسيمه وتحكم تنظيمات إرهابية (القاعدة ثم داعش) في حاضره ومستقبله حتي اليوم، وهو تقريباً نفس الأمر الذي أدى إلى انهيار وتفكك دول عربية أخرى مثل سوريا وليبيا واليمن، وتحولها إلى دول فاشلة.
وبالنسبة لإسرائيل -العدو الرئيسى للأمة العربية- ورغم انسحابها من سيناء بالكامل في أبريل 1982، فإنها لاتزال تسعي لاحتلالها مرة أخرى إذا ما أتيحت لها الظروف لذلك، وإسرائيل في هذا الصدد تراقب جيداً تطور الحرب التي يخوضها الجيش المصرى ومعه الشرطة ضد الإرهاب هناك، وتحين الفرص لتحقيق حلمها القديم والحديث بإعادة احتلال سيناء مرة أخرى والوصول إلي قناة السويس والتحكم فيها، وهو الهدف الذي لم يستطع بعض من قادة إسرائيل إخفاءه، فضلاً عن استمرار احتلال أراض عربية أهمها القدس التي تحوى المسجد الأقصى.. أحد أبرز المقدسات الإسلامية، والتوسع في بناء المستوطنات وشق الطرق وسرقة المياه والثروات، ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والقرارات الدولية.. بما فيها تلك التي وقعتها إسرائيل (اتفاقية أوسلو) واضعين في الاعتبار أن إسرائيل لا تعمل بمفردها لتحقيق أهدافها، بل تساندها الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، لاسيما أن غايات وأهداف إسرائيل القومية الساعية إلي التوسع على حساب الأراضى العربية، تصب في نفس قناة الهدف الأمريكي لبسط هيمنتها علي المنطقة العربية من خلال خطة تفتيت الدول العربية عرقياً وطائفياً ومذهبياً، التي تحقق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي بشّر به الرئيس الأمريكى بوش عام 2003، ووسيلة أمريكا في ذلك الاعتماد علي منظمات الإسلام السياسي وعلي رأسها جماعة الإخوان وما انشق عنها من تنظيمات إرهابية.. ربما القاعدة وداعش وأيضاً بيت المقدس ليست آخرها، وبأسلوب الفوضى الخلاقة التي أعلنت عنه مديرة الخارجية الأمريكية كونداليزارايس عام 2006.
أبرز دروس هزيمة 1967
أولاً: الصراع العربي - الإسرائيلى مصيرى
تؤكد جولات الحروب التي جرت بين الدول العربية وإسرائيل منذ نشأة الأخيرة فى عام 1948، ثم 1956 و1967 و1973 و1982 و2006 و2009 أن الصراع العربى-الإسرائيلى صراع ممتد، وفي جوهره صراع وجود وليس صراعاً على حدود أو مياه أو أراض أو حقول نفط.. إلخ، وهو أشبه بالحروب الصليبية التي دامت 198 عاماً، أى قرنين من الزمان- أسس خلالها الصليبيون خمس ممالك في الشام، وحيث يستحيل علي العرب أن يقبلوا باستمرار وجود إسرائيل تهدد كياناتهم وليس أمنهم فقط، سعياً لإقامة دولة إسرائيل الكبرى التي يحلم بها اليهود وتمتد فى مخيلتهم من النيل إلي الفرات، فإذا وضعنا فى اعتبارنا أن الأحزاب والقوى السياسية والعسكرية اليمينية والدينية المتطرفة التي تؤمن بضرورة تحقيق إسرائيل الكبرى.. هي المسيطرة على الحياة السياسية فى إسرائيل اليوم، ومنذ أكثر من عشرين عاماً، وأبرزهما حزب الليكود، سبيلهم في ذلك التوسع الجغرافى علي حساب الأراضى العربية، وإضعاف الدول والجيوش العربية بتقسيم ما هو مقسم، وتجزئة ما هو مجزأ فعلاً منذ اتفاقية سايكس بيكو التي أبرمتها بريطانيا وفرنسا لتوزيع الدول العربية فيما بينهما عام 1916.
لذلك وأمام هذه المخاطر الوجودية، لا سبيل لمواجهتها إلا باستعادة وتطبيق السبل والوسائل التي لجأ إليها العرب بقيادة صلاح الدين الأيوبى عندما نجح في تجميع قوى الجيشين المصري والسورى، أو حشدهما لهزيمة الصليبيين على النحو الذي تحقق بفضل الله في معركة حطين عام 1187، وبعدها تم تحرير القدس، ثم باقى مدن الشام إلي أن غادرها الصليبيون من آخر محطة لهم في عكا عام 2095 عائدين إلي بلادهم بعد هزيمتهم في وضع نهاية لمشروعهم الاستعمارى الذي بدأوه من عكا عام 1091، ومن ثم، وبنفس المنظور فإن الصراع العربى-الإسرائيلى لن ينتهي إلا عندما تستعيد الدول العربية والفلسطينيون كامل أراضيهم من براثن إسرائيل، وهو ما يحتاج إلي نضال حضارى ممتد ذى أبعاد سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وأيديولوجية، وبما يجبر إسرائيل على التخلى عن أهدافها وأطماعها التوسعية، ولا سبيل آخر سوى هذا السبيل لاستعادة الأراضى والمقدسات والدفاع عن الحرمات. ولعل القرار الأخير للقمة العربية السادسة والعشرين في مارس الماضى بإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، تعتبر الخطوة الأولى والأهم في توحيد جهود الجيوش العربية لمواجهة التهديدات الأمنية والوجودية التي تتعرض لها الأمة العربية.
ثانياً: مسئولية القيادة السياسية
1- قرارات عفوية وفردية أعطت الذريعة لإسرائيل
يقال في معرض الدفاع عن عبدالناصر ومسئوليته عن هزيمة 1967، إنه لم يكن يعرف حالة الاهتراء التي كانت عليه القوات المسلحة آنذاك، وأنها لم تكن قادرة علي الدخول فى أي عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وأن المشير عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة آنذاك حجب عن عبدالناصر هذه الحقيقة، باعتقاده أن عبدالناصر بعد تورطه في حرب اليمن لمدة خمس سنوات (1962 - 1967)، وما تكبدته القوات المسلحة من خسائر بشرية ومادية جسيمة في هذه الحرب، لن يجرؤ علي اتخاذ قرار سياسي بتوريط مصر في حرب أخرى مع إسرائيل، وهذا القول يسىء إلى عبدالناصر كثيراً، لأنه يعني أنه بحكم كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة لم يكن يعلم أن هذه القوات غير قادرة علي تنفيذ قراره بالدفاع عن سيناء في وجه هجوم إسرائيل اعترف هو نفسه أمام الطيارين في قاعدة أبوصوير الجوية قبل الحرب بأيام أنها صارت وشيكة بعد أن اتخذ ثلاثة قرارات خطيرة بطريقة فردية وعفوية، كانت بمثابة قرارات مُهلكة ودعوة صريحة لإسرائيل لكي تشن حربها ضد مصر. وهذه القرارات بدأت بقرار تعبئة القوات المصرية في سيناء يوم 15 مايو 1967، وكانت تحركات القوات أشبه بمظاهرة عسكرية نهارية شدت اهتمام جميع أجهزة المخابرات الغربية التي تابعتها بدقة بمعرفة عملائها في مصر، ثم كان القرار الثانى بطرد البوليس الدولي من سيناء وغزة وهو الذي كان متواجداً في وجه الملاحة الإسرائيلية، وبذلك القرار أعطى عبدالناصر المبرر والذريعة لإسرائيل لشن ضربتها الاستباقية ضد القوات المصرية في سيناء صباح يوم 5 يونية 1967.
2- تجاهل وجود ثلث الجيش في اليمن
كما تجاهل عبدالناصر -وهو رجل عسكرى في الأساس- حقيقة أن ثلث قواتنا البرية كانت متورطة لمدة خمس سنوات في حرب عقيمة في اليمن ذات الطبيعة الجبلية الصعبة غير المؤهلة على خوضها، بما كبدها خسائر بشرية ومادية جسيمة، وقد استتبع وجود أكثر من فرقة مشاة في اليمن وجود وحدات مساعدة ومساندة أخرى هناك من القوات الخاصة والمدفعية والقوات الجوية والبحرية، مما أدي بالطبع إلي تفاقم الخلل الموجود أصلاً فى الميزان العسكرى بين مصر وإسرائيل لصالح الأخيرة، وبالتالى لم تكن القوات الباقية في مصر قادرة على تنفيذ الخطة الدفاعية الموضوعة تحت اسم (قاهر) والتي صدَّق عليها عبدالناصر بعد مناقشتها تفصيلياً بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة في نوفمبر 1966، وإدراك عبدالناصر لحجم الخلل الموجود في هذه الخطة، فضلاً عن عدم تجهيز مسرح العمليات فى سيناء، خاصة ما يتعلق بمطالب التجهيز الهندسى لخط الدفاع الرئيسى في خط المضايق بسيناء يدعو إلي احتياجات بناء السد العالى لكل إمكانات مصر من الأسمنت. ناهيك عن تأثير حرب اليمن على الاتفاق الدفاعى.. حيث كانت تنفق مصر يومياً مليون جنيه مصرى علي الحرب في اليمن، في وقت كان الجنيه المصري يساوى 2 دولار، وقد أدى ذلك إلى فرض قيود شديدة على الإنفاق علي التدريب، الذي اقتصر علي مستوي سرية لقلة مخصصات الوقود للقوات المسلحة، كما أدى أيضاً إلى عدم استكمال بناء الوحدات العسكرية الجديدة في شكل نوايات بنسبة 25٪ من حجمها المفترض طبقاً لمرتبات الحرب، بعد أن تقلص حجم الميزانية الدفاعية إلي 150 مليون جنيه سنوياً، معظمها كان موجهاً لتغطية نفقات الحرب في اليمن، ومرتبات القوات المسلحة، لذلك كان عام 1966 وما تلاه هو عام اختزال كل خطط القوات المسلحة، مما اضطر عبدالناصر مرغماً إلى التوجه إلي السعودية وعقد اتفاقية جدة مع خصمه اللدود الملك فيصل ملك السعودية، والتي نصت علي سحب مصر لقواتها من اليمن، وعندما بدأ تنفيذ سحب هذه القوات، فوجئ العالم كله بقرار عبدالناصر بحشد قواته في سيناء في مايو 1967 واستفزاز إسرائيل علي النحو السابق إيضاحه، وهو ما يعني قمة الحماقة السياسية، حيث اعتبرت إسرائيل أن قرار تعبئة القوات المصرية في سيناء، وطرد القوات الدولية، وانتهاء بإغلاق مضيق تيران.. بمثابة خنق لها يحرمها من الحصول على احتياجاتها الأساسية -خاصة النفط- من مصادرها في إيران وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، وبمثابة إعلان حرب من مصر علي إسرائيل.
3- السوفييت لعبوا بعقل عبدالناصر بشأن سوريا
وكما لعب الاتحاد السوفيتي بعقل عبدالناصر عام 1962، ودفعه إلي إرسال قواته إلي اليمن بدعوي الدفاع عن ثورتها التي تمثلت في انقلاب عسكرى قامت به وحدة عسكرية بقيادة العقيد عبدالله السلال ضد نظام حكم الإمام أحمد هناك، وكانت بداية التدخل العسكرى المصري بواسطة سرية صاعقة انتهى بتورط ثلث الجيش المصرى هناك، لعبت أيضاً نفس القوي الدولية بعقل عبدالناصر عام 1967 بأن أوعزت إليه بوجود نوايا إسرائيلية لشن هجوم ضد سوريا، مستغلة في ذلك عاطفة عبدالناصر تجاه سوريا منذ أيام الوحدة بين البلدين والتي لم تصمد أكثر من عامين، فما كان من عبدالناصر إلا أن استجاب لهذه الخدعة، وقام بتعبئة قواته إلي سيناء علي النحو السابق إيضاحه، وما تلا ذلك من قرارات كارثية أعطت الذريعة لإسرائيل لشن حربها صباح يوم 5 يونية 1967. والغريب في هذا الأمر أن رئيس الأركان المصرى -الفريق محمد فوزى آنذاك- ومعه رئيس الأركان السورى العماد سويدان قاما بمراقبة الحدود السورية الإسرائيلية جواً، وتأكدا من عدم وجود أية حشود إسرائيلية على حدود سوريا، وأبلغا عبدالناصر بذلك، ولكن أصر علي الاستمرار في تنفيذ قراراته المهلكة المشار إليها آنفا - ولم يقتصر الرد علي ذلك، بل إن جهات عربية ومصرية حذَّرت عبدالناصر من تصديق الادعاءات السوفييتية، ولكنه رفض الاستماع إليها.
4- عبدالناصر يستقوي أمريكا ضده
- وهنا يفرض السؤال نفسه: هل كان عبدالناصر - وهو المحنك سياسيا - غير مدرك الحقيقة أن إسرائيل ليست فقط هي التي تريد توريطه في حرب بعد أن أصبح له كل هذا النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، بل أيضا الولايات المتحدة التي أهانها عبدالناصر عندما قال «إن عليها أن تشرب من البحر الأبيض وإن لم يعجبها تشرب من البحر الأحمر»، فكان رد رئيسها جونسون «سنجعل عبدالناصر يشرب من....»، وغيرهما من دول غربية وأيضا الاتحاد السوفييتي، ليقضوا علي نفوذه و«يُقزِّموه» بعد أن أطلقت عليه واشنطن (الديك الرومي) توطئة لزبحه؟! فلو أمسك عبدالناصر آنذاك بورقة وكتب في منتصفها (تقدير موقف)، وسجل أهداف ومواقف وحسابات الأطراف الدولية والإقليمية في هذه الأزمة، وأبعد أهواءه وأهدافه الشخصية بأن يستعيد زعامته في العالم العربي بعد هزائمه في سوريا واليمن، وذلك قبل أن يتخذ قراراته السياسية المهلكة، لأدرك تماما أن الجميع يريدون توريطه في مستنقع لا خروج منه، وأنها ليست شجاعة منه أن يذهب برجليه إلي كمين أعده أعداؤه له، وهم مدجَجون بالسلاح وهو أعزل منه، ثم يشكو بعد ذلك إذا هم قتلوه!!
5- عبدالناصر يستبقي عامر رغم تكرار فشله:
- وإذا انتقلنا إلي عبدالحكيم عامر - القائد العام للقوات المسلحة آنذاك - فإن مسئولية فشله في هذه الحرب، لا يمكن إعفاء عبدالناصر منها، فهو الصديق الحميم جدا لعبدالناصر، والذي ارتقي به من رتبة رائد إلي لواء ثم إلي مشير دون تأهيل سابق، حيث اقتصرت خبرته القيادية علي سرية فقط بالنظر لصغر رتبته ومنها مباشرة إلي قائد للقوات المسلحة. ورغم انكشاف محدودية قدراته العسكرية.. وهو ما انعكس في فشله في إدارة حرب 1956، وتسبَّبه أيضا في فشل الوحدة مع سوريا وكان مسئولا عنها عام 1960، وكذلك فشله في حرب اليمن.. فقد أبقاه عبدالناصر علي رأس الجيش، بل وأولاه مسئوليات سياسية إضافية باعتباره النائب الأول لرئيس الجمهورية.. تمثلت في رئاسته لجنة الإقطاع، وتأميم القطاع الخاص، والوحدة مع سوريا، والتنسيق السياسي مع قادة ثورة اليمن، ناهيك عما كشفت عنه الأحداث بعد ذلك من ضعف شخصيته كما تولي الجيش بدوره مهاماً أخري مثل هيئة النقل العام، والجمعيات الاستهلاكية، والمباحث الجنائية، ومصايد الأسماك.. وغيرها مما أثر سلبا علي اهتمام الجيش وقياداته بمهامهم الرئيسية في الدفاع عن مصر.. ورغم توالي الفشل في كل المهام التي تولاها عبدالحكيم عامر، فقد كان مُصراً بعد هزيمة 1967 علي الاستمرار بتولي منصبه كقائد عام للقوات المسلحة بعد أن عزله عبدالناصر عن هذا المنصب.
6- عبدالناصر ليس لديه معلومات عن قواتنا
- وإذا كان عبدالناصر يجهل نوايا إسرائيل الحقيقية، ومن ورائها الولايات المتحدة تجاه مصر، وحقيقة أهداف الاتحاد السوفييتي من وراء دس معلومات مضللة عليه.. فتلك وصيبته، أما المصيبة الأعظم أنه لم يكن علي بينة من موقف قواته المسلحة.. وهي قدرتها واستعدادها علي تنفيذ قراراته السياسية وحمايتها، ولا يعفيه من ذلك مقولة إن عبدالحكيم عامر كان مستحوذاً علي الجيش، ذلك لان عبدالناصر أولا وأخيراً كان هو القائد الأعلي للقوات المسلحة وهو الذي يتخذ القرارات المصيرية والتي يجب أن يؤمن لها الإمكانات والقدرات اللازمة لتنفيذها، وإن لم تكن هذه القدرات والإمكانيات غير متوافره، فما كان عليه أن يتورط في اتخاذها.
- وإذا كانت المعلومات عن العدو مهمة عند صنع القرارات السياسية، خاصة ذات الصيغة العسكرية، فإنه بنفس القدر وربما أكبر أن يكون لدي صانع القرار معلومات يقينية عن موقف قواته، ومدي مقدرتها علي تنفيذ القرارات التي سيتخذها، وهو ما لم يهتم به عبدالناصر معتمدا علي كلمة صديقه عبدالحكيم عامر التي قالها له ليطمئنه علي موقف القوات المسلحة قائلاً: «برقبتي يا ريس»!! وهو تعبير لا يصلح للقول إلا في المقاهي وليس عند إجراء حسابات دقيقة تهئ لاتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بقضية الحرب.
7- وزير الحربية شمس بدران يضلل عبدالناصر عن موقف السوفييت
- ولم يكن الأمر مقصوراً علي تعيين عامر - رغم فشله أكثر من مرة - قائدا عاما للقوات المسلحة، بل لقد وافق عبدالناصر أيضا علي تعيين العقيد شمس بدران مدير مكتب عامر وزيرا للحربية، وهو الذي لم يحصل منذ تخرجه عام 1948 من الكلية الحربية علي أي مؤهل عسكري، وكان حريصا علي تعيين دفعته (1948) في المناصب القيادية ضمانا للولاء السياسي دون النظر للكفاءة العسكرية والقيادية. وكانت أبرز مظاهر فشل وجهل شمس بدران.. أن عبدالناصر عندما أرسله إلي موسكو لاستطلاع رأي القادة السوفييت في مساندة مصر إذا دخلت في حرب ضد إسرائيل، ورغم أن القادة السوفييت - سياسيين وعسكريين - أبلغوه صراحة حرص الاتحاد السوفييتي علي عدم التورط في حرب الشرق الأوسط قد تجر أمريكا إليها بفعل دعمها المطلق لإسرائيل، وأن علي مصر أن تحل مشاكلها مع إسرائيل سياسيا، إلا أن بدران عندما عاد إلي القاهرة أبلغ عبدالناصر عكس هذا الموقف تماما، وأن السوفييت سيكونون معنا في حالة وقوع حرب اعتماداً علي كلمة مجاملة من وزير الدفاع الروسي الماريشال جريشكو عندما قال له (إننا معكم) وهو ما يعكس قمة البلاهة السياسية لرجل يتولي منصب وزير الحربية، في وقت تتعرض فيه بلده لخطر ضربة استباقية من إسرائيل طبقا لتوقعات رئيس الجمهورية نفسه، بل أضاف بدران في رده علي الدكتور لبيب شقير رئيس البرلمان عندما سأله الأخير عن الموقف من الأسطول السادس الأمريكي في البحر المتوسط، أن أجابه بيده «سندفعه في قاع البحر»!! إلي هذا المستوي من الغرور والجهل والعنجهية كان مساعدو عبدالناصر من شلة عامر يتعاملون مع أزمة 1967 المعقدة سياسيا وعسكريا وأمنيا.
8- تجاهل عبدالناصر استراتيجية الضربات المسبقة الإسرائيلية
- لم تكن الاستراتيجية المصرية للدفاع عن سيناء غائبة عن عبدالناصر، وهي بجميع المقاييس استراتيجية دفاعية ليس فيها أي بعد هجومي، باستثناء الهجمات المضادة لاستعادة المواقع التي قد تسقط في أيدي القوات الإسرائيلية إذا ما هاجمت قواتنا مع سيناء، وقد صدَّق عبدالناصر علي هذه الخطة التي عرفت آنذاك بالخطة (قاهر) عام 1966. وفي المقابل وعلي الجانب الآخر، لم يكن غائبا أيضا عن عبدالناصر- وهو الرجل العسكري الذي عمل مدرسا في كلية أركان الحرب - أن العقيدة الدفاعية للجيش الإسرائيلي في جوهرها عقيدة هجومية.. تنهض علي مفاهيم الضربات الوقائية والضربات المسبقة،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.