احتفاء بالدور الوطنى العظيم خالد الذكر سعد باشا زغلول مفجر ثورة 1919 التي أعادت للمصريين كرامتهم، ووضعتهم على أول طريق الاستقلال ودرء الاحتلال الإنجليزى للبلاد، أعد مركز الهلال للتراث الصحفي ملفاً قيماً وثرياً عن «أيام سعد باشا زغلول» ذلك الزعيم الذي أسس وأرسى القواعد الصحيحة للمواطنة، وغرس في قلوب المصريين جميعاً كل معانى الولاء والانتماء وحب الوطن. وتقديراً من مجلة المصور لهذا الدور الوطنى الكبير لزعيم الأمة، قررت نشره مع جريدة الوفد، لتكون صفحات الملف نبراساً يعيد لشباب الأمة معاني الوطنية، ولتكون أيام الزعيم وتجربته الليبرالية السياسية الرائدة نموذجاً يحتذى به، في عصر اختفت فيه كل القيم النبيلة للسياسة، وتاه وسط صراع الأحزاب الأخرى والكيانات السياسية الهدف الأسمى للتجربة الحزبية وهو التداول المدنى للسلطة الذي أرسى مبادئه زعيم حزب الوفد. «الوفد» إذ تقدر للزميلة «المصور» حرصها علي نشر الملف، فإنها تثمن أيضاً الدور والجهد المبذول من الزميل عادل سعد، مدير مركز الهلال للتراث الصحفى. ورغم أن هذه الصفحات لا تفى وحدها بتاريخ زعيم هز العالم في أوائل القرن العشرين إلا أنها قدمت لنا من جديد الكثير عن حياة سعد باشا الذي كان يدافع عن رجال الأحزاب المنافسة حتي ولو كان رأيهم ضد الوفد.. فإلى أيام الزعيم. تلك الصفحات عن أيام نرجو أن نستعيد ملامحها حرصاً على أوطاننا من التمزق والانحلال، وحرصاً على استمرار حياتنا في ظل القيم التي مات سعد باشا زغلول من أجلها لإرساء قواعد صحيحة للمواطنة. ومازلت أتذكر كلمات الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وإيمانه الراسخ بالوفد وسعد زغلول ومصطفى النحاس، وبأننا تلاعبنا برعونة بوحدة عنصري الأمة، وأضعنا تجربة ليبرالية سياسية رائدة، وتداول مدني للسلطة لا يضيع. لم يكن سعد باشا زغلول رجلاً يبحث عن مال أو زعامة، كان بقامته المهيبة وعمله الدؤوب بيتا لكل المصريين، يدافع عن رأي رجال الأحزاب المنافسة لو كانوا على حق، ويقف بجانبهم في الشدائد ولو كانوا ضد حزب الوفد، ولذلك استحق الإعجاب من الخصوم بل ومن الإنجليز. في تلك الأيام اكتتبت الأمة المصرية، بعمومها، توكيلا لسعد ورفاقه للدفاع عن الأمة، والوقوف في وجه الانجليز، أكبر قوة عاتية في ذلك الوقت، ولم يتعامل سعد مع الملف بحماقة أو تشنج، فاستحق إعجاب حتى البريطانيين أنفسهم. إنها مسيرة الليبرالية المصرية الوارفة الظلال، التي أنبتت دستور 1923، الذي يعتبره بعض فقهاء القانون إلى الآن أفضل دستور في تاريخ المصريين، وأول برلمان مصري حقيقي، وأنجب طلعت حرب وأم كلثوم وطه حسين وسيد درويش وعبدالوهاب وأحمد شوقي وبيرم التونسي والعقاد ونجيب محفوظ وأنور وجدي والريحاني ومصطفى النحاس وعبدالخالق ثروت وعدلي يكن وغيرهم من رجال الفكر والثقافة والصناعة والسياسة. أيامها زار مصر غاندي وجواهر لال نهرو، وتوقف الاثنان في إعجاب لرصد تجربة انصهار عنصري الأمة، فقد كانت الهند وقتها تعاني مما نعاني منه الآن. لكل هذه الأسباب اختار مركز الهلال للتراث الصحفي إصدار عدد خاص عن حياة ومواقف سعد باشا زغلول، رئيس حزب الوفد والمؤسس الأول للوطنية المصرية وقائد ثورة 1919، وليس صحيحاً أن ثورة 1919 كانت مجرد انقلاب لعربات السوارس في ميدان العتبة الخضراء وخروج فتيات مدرسة السنية يهتفن وبعض المظاهرات هنا وهناك،على طريقة الصورة التي رسمتها أفلام حسن الإمام عن الثورة في أذهان الناس، لأن ما جرى في القطر المصري أعمق كثيرا، فقد تفجرت مظاهرات الغضب وسقط الشهداء. وهناك دراسات مستفيضة في هذا الشأن في كتب عديدة نذكر منها «تاريخ الحركة الوطنية» للرافعي و«مذكرات سعد زغلول» لعبدالعظيم رمضان، لكننا في الإصدار نشير لبعض ما جرى بتلخيص سريع لبعض أحداث وقعت في محافظتين في الجنوب. في أسيوط حكم على 151 من الأهالى بالإعدام، وضربت بريطانياالمدينة بالقنابل واحتلتها بالجنود الهنود السيخ، وامتدت المشانق من أسيوط جنوبا إلى دير مواس شمالاً، وفي الفيوم اجتاح فرسان العربان جنود الجيش الإنجليزى وعساكر الحكومة معا، وهاجم الإنجليز خيام البدو بالمزيد من الجنود وعساكر الهجانة واختطفوا الأطفال والنساء لإجبار الثوار على التسليم. إنها ثورة الشعب التي لم يختطفها أحد، وتحققت على أرض الواقع بفضل رجال في قامة سعد باشا زغلول، وعدلي يكن وعبدالخالق ثروت ومصطفى النحاس، وما أشد حاجتنا بعد ثورة يناير وثورة 30 يونيو، لاستعادة معالم عيد الجهاد، وإرساء قواعد دستور 1923 وتشكيل أول برلمان حر منتخب في البلاد.