يبدو أننا نهوى تعقيد أمورنا ونبحث عن الطرق الوعرة فنسلكها رغم وضوح الأيسر منها، أقول ذلك بمناسبة تعثرنا فى انجاز الاستحقاق الثالث فى خارطة المستقبل وهو انتخاب مجلس النواب، وذلك بسبب الحكم بعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخاب, وهو ما أعاد إجراءات هذا الاستحقاق إلى المربع صفر. لقد جاء الحكم بعدم دستورية قانون تقسيم الدوائر الانتخابية ليفصح فى حقيقة الأمر عن خلل وعدم انضباط بعض المواد الدستورية ومنها المادة رقم 102 التى جاءت بصياغةٍ مختلةٍ فأوجبت أن يبين القانون تقسيم الدوائر بما يراعى التمثيل العادل للسكان والمحافظات والتمثيل المتكافئ للناخبين، فكان أن حُكم بعدم دستورية القانون لأنه لم يراعِ ذلك الشرط الفضفاض الوارد بتلك المادة, ولذلك فإنه فى ظل وجود هذه المادة بحالتها وعدم إمكانية وجود حصر يقينى لعدد سكان كل منطقة, ومع وجود مثل دوافع الطاعنين على القانون لدى مئات الأشخاص غيرهم, فإنه من المتصور الحكم بعدم دستورية أى قانون آخر سيصدر فى هذا الصدد مهما كانت العناية القانونية والسياسية المبذولة فى إصداره. ونفس الشىء فيما يتعلق بالقوائم وشروط العضوية وغيرها من الأمور التى تستوجب بصراحة تعديلاتٍ دستورية ولكن الوقت الآن غير مناسبٍ لها. لقد اضطرت الحكومة بعد صدور تلك الأحكام الدستورية إلى إعادة دراسة قوانين الانتخابات برمتها لتعديلها بالتوافق مع القوى والرموز السياسية, ولكن ما نشهده من خلافات وما نلمسه من صراعات فى هذا الإطار بما ينذر بدخولنا فى دوامةٍ عاتية والدوران فى حلقة مفرغة, يدعونى لأن أرفع ندائى للسيد الرئيس بالنقاط التالية: (1) أن الشعب المصرى بطبيعته الخاصة لا يرى فى حاضره ولا يختزن فى ذاكرته مسئولاً عن كل أمور حياته وأحداثه العامة إلا رئيس الدولة, ومن ثّمَّ فإن أى قانون يصدر خاصة بمثل أهمية قانون الانتخاب، سيظل رئيس الجمهورية مسئولاً عنه مهما كانت المؤسسات والقوى الوطنية المشاركة فى إصداره. (2) الحقيقة التى يدركها الجميع وتؤكدها معلومات أجهزة الرصد والمتابعة بالدولة, أن 95% من الأحزاب القائمة لا تمثل إلا أعضائها المؤسسين فقط, وبالتالى ستظل آراؤها فى الشئون العامة قائمةً على مرجعيات شخصية وليست شعبية. (3) أنه سبق اجراء حوار مجتمعى مكثف حول نظام الانتخاب، وانتهى بما أعلنه المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية آنذاك، برغبة الأغلبية للنظام الفردى. ومن جانبى أرى أنه حتى مع افتراض صحة دواعى البعض لتغيير هذا النظام, فليس من الحكمة إجراؤه فى هذه المرحلة المضطربة, ومن الأفضل ترك ذلك لمجلس النواب القادم، خاصةً وقد ألفه واعتاد عليه المصريون، كما أن الاحزاب العريقة القوية بشعبيتها الحقيقية ستقبل به لأنها قادرةٌ عليه وتقدر دواعى المرحلة. (4) بالنسبة لتقسيم الدوائر كنت أرى الابقاء على التقسيم القديم فى هذه المرحلة، ولكن فى ظل المادة 102 من الدستور فلا مناص من الأخذ بما ورد بقانون تقسيم الدوائر مع الاكتفاء بتعديل المواد التى حُكم بعدم دستوريتها. أما بالنسبة لما يُقال عن ضرورة الأخذ بالقائمة لأنها الوسيلة الوحيدة للدولة لتحقيق التمثيل المناسب لبعض الفئات بالمجلس إعمالاً لنص المادتين 243، 244 من الدستور فأراه قولاً خاطئاً، لأن نص هاتين المادتين ورد بتعبير تعمل الدولة وليس تضمن الدولة وفرقٌ شاسع بين التعبيرين، فالأول يعنى إتاحة الدولة لأوجه المساعدة العامة التى قد تكون اجتماعية أو إدرية أو مالية أو إعلامية وما شابه ذلك، أما التعبير بتضمن أو تكفل فهو يعنى أن تفرض الدولة إرادتها بالقانون. هذا من ناحية ومن ناحيةٍ أخرى فإن فرض فئاتٍ بعينها فى القائمة يتعارض صراحةً مع نص المادة التاسعة من الدستور التى تنص على التزام الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، والمادة رقم 53 التى تنص على تساوى المواطنين فى الحقوق والحريات والواجبات دون تمييز لأى سبب، ومن ثَمَّ فإن الأخذ بنظام القائمة على هذا النحو يمكن أن يعرض القانون للحكم بعدم دستوريته. (5) ستظل فطنة الشعب وحسه الوطنى هما الحائل لمنع عناصر الثورة المضادة من الاستحواذ على المجلس مهما كانت الظروف, والقول بغير ذلك أراه درباً من دروب الظن الآثم. (6) أما بالنسبة لتخوف البعض من توليفة المجلس القادم, فأعتقد أن من سيقود حركة البرلمان بطبيعة المراحل الانتقالية هم المعينون من النخب السياسية وأصحاب القامات الرفيعة، كما أن بقاء ذلك المجلس فيما أظن, سيكون مرهوناً بتوافقه مع سياسة رئيس الدولة الذى سيظل مدعوماً بالتأييد الشعبى الجارف لسنواتٍ طويلةٍ قادمة وهو ما يمثل ثقلاً سياسياً له فى مواجهة المجلس. من هذه المعطيات أناشد السيد الرئيس للتدخل الحاسم لإصدار قوانين الانتخاب المطلوبة وفقاً لرؤيته لظروف الوطن ودواعى المرحلة. حفظ الله مصرنا الغالية, وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل،، لواء بالمعاش E-Mail :