أثارت التصريحات التركية الباكستانية حول الدعم المشترك للسعودية في حربها ضد التحالف الحوثي مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ردود فعل دولية واسعة الانتشار خاصة بعد تأكيد إسلام أبادوأنقرة أنهما مستعدان "للرد بقوة على أي انتهاك لوحدة الأراضي السعودية" خلال اتصال هاتفي بين الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، ورئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف". الحديث بأسلوب الرد بقوة واستخدام تعبير "انتهاك وحدة الأراضي السعودية" يجعل من الخطاب ينتقل من اليمن والصراع الدائر هناك ويخرج من هذه الدائرة الضيقة ليتوجه بشكل مباشر لإيران التي تعتبر العنصر القوي والمنظم لما يعرف بالهلال الشيعي في المنطقة فتعبير الرد بقوة فيه تلميح للقوة النووية الباكستانية التي يحتل جيشها الترتيب الخامس عشر بين أقوى جيوش العالم والآلة العسكرية الجبارة لتركيا صاحبة ثاني أقوى جيش فى حلف شمال الأطلسى "الناتو" بعد الولاياتالمتحدة وثامن أقوى جيش في العالم. إذا وضعنا تصنيفات وتسلح هذين الجيشين في ميزان القوى الإقليمية وأضفنا إليهما قوة الجيش السعودي الذي يحتل المرتبة الخامسة والعشرين في ترتيب القوة فإننا نقف أمام قوة عسكرية هائلة ينبغي على الملالي الإيرانيين وضعها في حسبانهم قبل التفكير في أي خطوة غير مدروسة قد تجلب عليهم ويلات حرب لا قبل لجيشهم بها وبخاصة إذا توقفوا قليلا لقراءة تسليح جيشهم الذي يحتل المرتبة 22 بين أقوى جيوش العالم. الحقيقة أن اليمن كقيمة استراتيجية لا تمثل الكثير بالنسبة لأطراف النزاع ويبدو أن إيران لا تعول الكثير على الحوثيين الذين تعلم طهران جيدا انهم لن يحسموا أي مواجهة عسكرية لصالحهم حتى لو تحالف معهم فلول علي عبد الله صالح في الجيش اليمني لكن المشهد بالنسبة لإيران يشبه إلى حد كبير مشهد الصراع بين القط والفأر فقد يدخل الحوثيون جحورهم بمجرد تحقيق الأهداف الإيرانية الأكثر أهمية وهو تخفيف الضغط السعودي التركي على الجبهة السورية وإلهاء السعودية عن المفاوضات الإيرانيةالأمريكية التي أوشكت على الخروج في شكل اتفاق شامل بعد التوقيع على الاتفاق المبدئي. أما بالنسبة للسعودية فهي في الموقف الأكثر تعقيدا في المنطقة فالتمدد الشيعي على حدودها لابد من التعامل معه بشكل جدي مهما كانت الأهداف الإيرانية وهي في نفس الوقت تقف مذهولة من التقارب الأمريكي الإيراني الذي طالما كان مستبعدا وتحول بين عشية أو ضحاها لواقع ملموس يهدد مصالحها وهي في كل ذلك تراجع تحالفها الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة وتقف بين خيارين أحلاهما مر فإما التراجع عن هذا التحالف وفتح علاقات جديدة مع حلفاء جدد وإثارة غضب حليفتها الأمريكية للدرجة التي تجعلها تبني تحالفا مع جارتها الإيرانية أو فتح حوار مع ألد أعدائها حتى لا تتخلف عن حفل المصالحة التي تزعمته واشنطن. وبنظرة سريعة على تسليح الجيشين الباكستاني والتركي نجد أن الجيش التركي يمتلك 4246 دبابة و1940 طائرة حربية و874 طائرة مروحية بينها 154 طائرة بدون طيار، وقامت أيضًا بتصنيع أول مروحية هجومية محلية الصنع فى شهر يونيو الماضي. كما يمتلك الجيش التركي 16 غواصة وقامت تركيا بتصنيع أول سفينة حربية محليا في أكتوبر 2013. وفي باكستان يتجاوز عدد من يصلون إلى سن التجنيد سنويا أربعة ملايين فرد ويمتلك جيشها 3124 دبابة و3187 عربة عسكرية فيما يصل عدد طائراته ومروحياته العسكرية إلى 847 طائرة بجانب ثماني غواصات و11 بارجة حربية مقاتلة وسفن بحرية وثلاث كاسحات ألغام. أما الجيش السعودي فيمتلك 1095 دبابة، و652 طائرة عسكرية، فيما تتجاوز ميزانيته 56 مليار دولار. وفي المقابل تمتلك إيران 471 طائرة و1658 دبابة بينما تمتلك البحرية الإيرانية 6 فرقاطات و3 طرادات و3 غواصات و7 قطع للألغام البحرية. الأرقام السابقة لا تحتاج إلى تفسير فالتفوق محسوم لا محالة لصالح الجيوش التركية والباكستانية والسعودية والقدرات العسكرية الإيرانية لا تتجاوز في أحسن أحوالها 25% من القدرات العسكرية للدول الثلاث لكننا لسنا بصدد إثبات هذه الحقيقة في هذا المقال بقدر ما نحاول إلقاء الضوء على تحالف وليد بدأ يتكون في رحم المنطقة بأسرها يعتمد في الأساس على وحدة المذهب ونستطيع أن نطلق عليه التحالف السني ويمتد من إسلام أباد إلى الرياض جنوبا إلى أنقرة شمالا. التدقيق في المواقع الاستراتيجية للعواصم الثلاث يجعلنا نكتشف أن هذه العواصم تشكل مثلثا سنيا يحاصر الهلال الشيعي من جميع جوانبه ويجعل للتصريحات التركية الباكستانية أثر كبير على إيران التي - إن شاءت - لن تفتح على نفسها ثلاث جبهات في وقت واحد. أما إذا شاءت فتح هذه الجبهات فعليها أن تواجه عاصفة تأديب أقوى وأشد وطأة من عاصفة الحزم السعودية في اليمن ولكن العاصفة في هذه الحالة ستأتيها ريحها شمالا من تركيا وغربا من باكستان النووية وشرقا من السعودية وحتى إن لعبت إيران على وتر التقارب في علاقاتها مع واشنطن فالحليف التركي جاهز للقيام بالدور الأمريكي في إمداد المثلث السني بالمعلومات الاستخباراتية وصور الأقمار الصناعية.