مهما ارتفعت تحذيرات وزارة الصحة.. ومهما نصحتنا الوزارة بعدم تناول الفسيخ.. إلا أن المصري مازال- وسيظل- يعشق أكل الفسيخ، في عيدين هما عيد شم النسيم.. وأول أيام عيد الفطر المبارك. والمصري يأكل الفسيخ من أيام الفراعنة.. قامت دول.. وذهبت دول ولكن ظل المصرى يعشق الفسيخ.. بكل أنواعه: البوري أو الجرانة أو الطوبارة وكذلك السردين المملح، في الوجه البحري.. والملوحة- وبالذات الفسيخ الكلابي- في الوجه القبلي وامتدت هذه العادة أيضاً إلي الشمال، إلي الوجه البحري.. وقد وجدنا في المقابر الفرعونية هذا الفسيخ وكأن المصري الذي يؤمن بالحياة الأبدية، بعد الموت الأول، يخشي ألا يجد الفسيخ- هناك- فدفنوا معه.. هذا الفسيخ، واسألوا أشهر وأشيك وأفضل أثري مصري الآن، الدكتور زاهي حواس الذي يزيده شعره الرمادي المثير للجنس اللطيف.. شياكة وجاذبية.. اللهم لا حسد! المهم أن تحسن اختيار الفسيخ، أي من نوع جيد وطازج ونظيف من الأسماك، وليس من السمك البايت! وقارنوا بين طريقة المصري لتحنيط الجسد الآدمي، والحيواني أيضاً.. وطريقة تحنيط الفسيخ.. فالنظرية واحدة، ولاحظوا الاسم «الفسيخ» أي تتفسخ أي نتخلص من السوائل الموجودة في الجسم، وهذه السوائل هي التي تعجل بفساد الجسد، وبعد أن تفقد السمكة معظم سوائلها- سواء بالدفن في رمال جافة أو من خلال دواليب حرارية 3- 4 أيام، يتم حشو رأس السمكة بالملح الخشن الرشيدي وليس بالملح الناعم، لأن الناعم تمتصه أنسجة ورأس السمكة بسرعة.. أما الخشن فإن جسم السمكة يمتص الملح منها ببطء.. لتستوي ببطء.. زي الطبخ علي الكانون.. فاكرينه؟! وحسب حجم السمكة يجب تركها في الملح، إذ كلما زاد حجمها.. احتاج لمدة أطول، فالبوري الواحدة من 400 جرام وأكثر تحتاج 21 يوماً للتمليح تصبح بعدها صالحة للأكل، دون خوف، ويفضل ألا تأكل فسيخ البوري إذا كان جسم السمكة مازال منتفخاً لأنها- في هذه الحالة- تكون البكتيريا فيها في قمة نشاطها، مما يعرض أكلها إلي التسمم أو الضرر. أما السمكة الأقل وزناً فنحن نأكل السردين المملح بعد ثلاثة أيام فقط والجرانة أو الطوبارة الواحدة 100 جرام مثلاً فنأكلها بعد أسبوع أو 10 أيام.. وهكذا، وبعض مناطق تمليح الفسيخ تضع كميات من الشطة المطحونة وكميات من الكركم لتغيير المذاق، أي الطعم، وضماناً لسلامة أكثر.. لأن الشطة والكركم قاتلة للجراثيم. ولابد من حماية السمك قبيل وخلال التمليح من الذباب.. حتي لا تضع الذبابة بيضها فوق السمكة فتتسرب إلي داخلها.. وينتشر فيها وبالذات بين الأمعاء، أي أحشاء السمكة، هذه الديدان الضارة ولذلك وبعد انتهاء طريقة دفن البوري في الرمال، أو تعريضها لحرارة الشمس.. أو حرارة اللمبات الحرارية يجب غسل السمكة بماء خفيف دافئ لقتل أي بيض للذباب.. أو أي حشرات. وهنا يجب اختيار الملح الرشيدي الخشن، النظيف، وليس ملح السياحات لأن ملح السياحات يأتي من مياه غير نظيفة تحمل كثيراً من الميكروبات ثم يرص السمك بعد حشو رأسها بالملح- خلف خلاف- وبين كل طبقة وأخري نضع كميات من الملح الخشن أيضاً. وقديماً كان الفسيخ يحفظ- بعد ذلك- في براميل خشبية لأنها مسامية.. محكمة الغطاء، أي تعزل تماماً عن الهواء.. لأن الهواء مع ما في السمكة من سوائل هي المجال الحيوي لنشأة البكتريا والهواء يساعد علي ذلك! ونضع أعلي طبقة من السمك كمية كبيرة من الملح.. ونترك الكل المدة المناسبة، حتي تجري عملية التفسخ أي التمليح بهدوء. وست البيت المدبرة- وبدلاً من شراء الفسيخ جاهزاً بسعر يتراوح بين 40 و70 جنيهاً للكيلو حسب الجودة.. يمكنها أن تقوم بتمليح السمك في بيتها.. بشرط أن يكون السمك طازجاً.. وتعزله تماماً.. أما الخطأ فهو وضع الفسيخ في أوعية مثل الصفيح.. أو البلاستيك وبالذات تلك التي استعملت في نقل وتخزين المواد الكيماوية. وهنا لا أنصح بأكل الفسيخ «الدلع».. يعني أبو ملح خفيف.. ونحن نعلم أن وسائل حفظ الأسماك عديدة منها: التجميد، والتجليد، والتدخين، والتمليح، والتعبئة سواء مع زيت أو صلصة طماطم وشطة وفلفل كما في التونة والسالمون والسردين والأنشوجة.. وأيضاً التدخين مثل الرنجة.. وقديماً حتي أول الخمسينيات عرفنا سمك الباكلاه! طيب.. الآن وقد ذهب عصر عمل الفسيخ في البيوت.. كيف نأكل الفسيخ.. وما هي طقوس ذلك.. وأن تأكله دون ضرر.. وما هي الكمية المناسبة لكل واحد؟ أقول لكم: تعالوا نأكل الفسيخ، كما كان يأكله المصري أيام الفراعنة وهي الطريقة الأكثر أمناً.. غداً نشرح لكم ذلك.. بل وأنصح الدكتور «العدوي» وزير الصحة نفسه أن يأكل الفسيخ بهذه الطريقة.. يأكله وهو آمن.. ولكن كيف.. تعالوا معنا إلي بكرة.. ولن تندموا. أي والله.. بشرط أن تشتروه من محل نظيف معروف وليس من السريحة.