احترت، واحتار دليلي في عشق المصريين للألقاب والمسميات.. ودرجات الناس.. وربما ذلك بسبب عمق التاريخ المصري.. فالمصري منذ الاف السنين.. وهو صاحب كلمة الفرعون التي تعني «صاحب البيت الكبير» أو البيت العالي، أي الرجل الكبير، وربما بسبب وقوعنا تحت الحكم الأجنبي - المتنوع - لمئات السنين.. ولذلك أخذ من كل استعمار كلمة من هذه وأخري من تلك، وربما أخذ من آخرها هذه الكلمات العثمانية «التركية» التي دخلتها أيضاً كلمات فارسية.. والمصري لا يتحمل أن ينادي أي فرد آخر مجردا من أي صفة.. فلابد له من صفة تسبق هذا الاسم وكلها تعني الرئاسة أو الأول أو الحاكم أو المدير وهكذا .. وهذا يفسر لماذا المواطن الامريكي الذي يكتفي بمخاطبة المسئول الأكبر بمسمي «السيد الرئيس» أي رئيس الجمهورية وتليها كلمة «مستر سيكرتيري» أي السيد الوزير.. بل إن ذلك ينعكس حتي داخل الأسرة.. وخارجها، فلا يري المواطن الامريكي أي غضاضة في أن ينادي الأبن والده باسمه الاول مجرداً!! بل إن زملاء العمل يكتفون أيضاً بذكر الاسم فقط.. وإذا أخطأ الواحد ونادي زميله بكلمة «مستر أي السيد» نبهه المقصود بكلمة واحدة.. هي اسمه مجرداً.. وكلما كان الشعب أقدم حضارة نجد ألفاظ التبجيل والاحترام، وهذا ما نجده في المجتمع الانجليزي أو الفرنسي.. أو الألماني.. أما نحن فنعشق مسميات التبجيل.. وقد أخذنا عن الاتراك الذي أخذوه علي الفرس كلمة باشا.. وباشا تعني رئيس الجماعة.. وكلمة أوسطي أصلها أستاذ.. ولأن المصري تعود أن يكون لكل مرؤس رئيس، أي باشا نجده حفظ عن الاتراك كلمة «باشا» فنجد رئيس الأطباء أي رئيس الحكماء يطلقون عليه «حكيمباشي» ورئيس الممرضين أي تمرجية يطلقون عليه اسم «باشتمرجي».. و«جي» في التركية تعني النسب.. أما كلمة خانة فتعني المكان، ولذلك نجد أجزخانة أي مكان تواجد الاجزاء، أي الأدوية المكونة من عدة أجزاء، ونجد عربخانة أي مكان تخزين العربات، وكتبخانة أي دار الكتب.. وحتي كلمة «كراخانة» أي دار مزاولة الرذيلة وكلمة كرخانة متداولة بين العامة.. فيقولون: يا سيدي عملها «كرخانة»!! حتي دار ضرب العملة أي سك العملة اسمها ضربخانة وهكذا... ومن كلمة باشا نجد أيضاً الباشمهندس.. أي رئيس المهندسين، ونجد كلمة الباشاويش أي رئيس طائفة أو جماعة العسكريين من صف الضباط أي جمع شاويش.. ووكيل.. وهكذا.. وللأسف بعد إلغاء ثورة يوليو للألقاب يوم 2 اغسطس 1952 والاكتفاء بكلمة «السيد» كان المصري يحن لهذه الالقاب، من حضرة إلي بك إلي باشا ومن صاحب العزة وصاحب المعالي إلي حضرة صاحب المقام الرفيع، ولم يعد يقنع بكلمة «السيد». ولكننا نجد - ومنذ سنوات قليلة - من يحن لهذه الألقاب، حتي أن المصري يخاطب أي ضابط شرطة بكلمة «ياباشا».. ثم نزل بها مرة أخري حتي أصبح يخاطب بها أمناء الشرطة.. وهكذا.. نعمل إيه «المصري يموت في الألقاب» ورغم أن لقب الباشا كان يمنحه السلطان العثماني لكبار موظفي الدولة ولحكام الولايات ومن في مستواهم .. ثم أصبح حاكم مصر: واليا أو خديوياً أو سلطاناً أو ملكاً يمنح هذا اللقب لمن يشاء، والاصل فيه أن تقدم خدمات جليلة للدولة.. ولكننا وجدنا في مصر من كان «يدفع» ليحصل علي لقب بك.. أو لقب باشا.. وهذه تلك درجات البداية لقب بك وكان حامله يحصل علي كلمة «فلان بك».. فإذا حصل علي وظيفة محترمة كان يضاف إليه «عزة.. فلان بك» فالوزير يحصل علي لقب «صاحب العزة» وكذلك المحافظ ومدير المديرية وهكذا.. أما كلمة معالي فيحصل عليها الباشا عندما يصبح وزيراً، فإذا تكرر توزيره يصبح صاحب المعالي فلان.. باشا.. وكان لكل لقبه قواعده فلا يجوز- زمان- التعدي أو قول ما ليس صحيحاً، وكان رئيس الوزراء لقب صاحب الدولة فلان باشا.. أما من يحمل شرف نجمة فؤاد الأول فكان يحصل علي لقب: حضرة صاحب المقام الرفيع، فلان باشا.. وأشهر من حمله مصطفي النحاس باشا - الذي أضاف إليه الوفديون تقديراً لتاريخه كلمات «صاحب المقام الرفيع.. الرئيس الجليل». الآن نجد «البزرميط» في الالقاب.. واذا تابعنا الصحف والحوارات نجد من يعطي لقب «معالي» للمستشارين والقضاة.. مع احترامنا لهم.. بل نجد من يمنحه لرؤساء المصالح الحكومية.. وآخر هذه أحد الاعلانات التي تستغيث بالسيد رئيس الجمهورية فتضيف إليه كلمة: معالي السيد الرئيس.. وتصف رئيس الحكومة بأنه معالي المهندس وهكذا.. أما الأكثر بلاهة فهو منح البعض للبعض درجات الدكتوراه هكذا «سبهللي» دون أن يكون قد حصل حتي علي درجة الماجستير وإذا كان البعض قد حصل علي الدكتوراه بالشراء.. فماذا نقول فيمن يصف السيد الرئيس بكلمة معالي!!. فهل نحتاج إلي قرار رئاسي من رئاسة الجمهورية أو قرار حكومي من رئاسة مجلس الوزراء تماماً كما فعل مجلس الوزراء المصري يوم 2 اغسطس 1952 بإلغاء الالقاب والرتب المدنية!! نطالب بذلك بعد أن زادت الملهاة.. وشاعت ألقاب باشا ومعالي يطلقها من يشاء.. ويسعي إليها البعض، ممن يشاء.. وماله «السيد»، إيه رأيكم يا أصحاب المعالي والعزة وباشاوات العصر والأوان!!