يقف المخرج محمد كامل القليوبي في منطقة وسط بين المبدع والأكاديمي، فهو استاذ الإخراج بالمعهد العالي للسينما، وهو الباحث الأكاديمي البارز، الذي قدم تجارب مختلفة للسينما الروائية الطويلة، ولكنه ارتد مرة أخري للفيلم التسجيلي، إيماناً منه بما يحمله العمل الوثائقي من رؤي تعمل علي كشف الماضي واستشراف المستقبل، كما اهتم «القليوبي» في السنوات القليلة الماضية بنشر الثقافة السينمائية من خلال مؤسسة نون للثقافة والفنون المنظمة لمهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، ومن خلال هذه السطور نناقش مع القليوبي مستقبل مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية بعد رحيل مدير المهرجان يوسف شريف رزق الله ورئيسته ماجدة واصف في هذا الحوار. كيف تري مستقبل الدورة القادمة لمهرجان الأقصر بعد أن اصبح مهرجاناً بلا رئيس؟ - مستقبل المهرجان مرتبط بالرؤية الموضوعة من قبل المؤسسة، فالمهرجان مستمر وكونه بلا رئيس هو أمر سيتم حسمه بعد الحصول علي استراحة محارب نستحقها مع الجهد الكبير الذي بذلناه في الدورة الثالثة التي أرهقت الجميع وهناك العديد من الخبرات داخل وخارج المؤسسة تستطيع تحمل مسئولية المهرجان وتقديم المزيد من الدورات الناجحة. وهل تعتبر اختيار ماجدة واصف ويوسف شريف رزق الله لإدارة مهرجان القاهرة السينمائي شهادة لمهرجان الأقصر؟ - لا ننظر للأمر من هذه الزاوية فنحن نقدر خبرات ماجدة واصف ويوسف شريف رزق الله ونعتبرهما مكسباً لمهرجان القاهرة السينمائي فنحن في حركة سينمائية وثقافية واحدة ونجاح مهرجان القاهرة من نجاحنا واختيارهما لأي مهرجان آخر يسعدنا وهناك تطور في القاهرة السينمائي حققه سمير فريد للاحتفاء بالسينما قبل النجوم فلم يأت بنجمات يمسحن المسرح بفساتينهن ليتحول المهرجان ل«فرح العمدة» ولكنه أتي بأفلام جيدة ولم يقلد بعض المهرجانات العربية التي تدفع المال لنجوم هوليوود لتحقيق شو إعلامي لا علاقة له بآلية عمل المهرجانات. وما الذي تطمح إليه في الدورة الرابعة لمهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية؟ - أتمني للمهرجان الاستمرار في مسيرته التي تهدف لنشر الثقافة السينمائية بين أبناء الاقصر رغم المعوقات التي نواجهها إلا أن هناك العديد من الخطط الموضوعة التي ننوي تنفيذها في الدورات القادمة أهمها تحويل المهرجان من مهرجان مصري أوروبي إلى عربي أوروبي وقد بدأنا هذه الخطوة من الدورة الثالثة بتدشين قسم خاص لليالي السينما العربية عرض مجموعة من الأفلام العربية المتميزة وقد نبدأ هذه الخطوة من الدورة الرابعة بعد دراستها لأننا لا نستطيع تجاهل وجودنا في العالم العربي. وما الدولة الأوروبية التي ستتصدر الدورة الرابعة للمهرجان بعد بريطانيا وألمانيا وفرنسا؟ - اختيار الدولة التي نحتفي بالسينما التي تقدمها لا يأتي عشوائياً ولكن من خلال دراسة فنحن نقدم بانوراما لأهم الأفلام الأوروبية إلى جانب نظرة فاحصة لأهم خصائص سينما الدولة ضيف الشرف ومراحل تطورها فقد عرضنا أفلاماً لجودار ونماذج من السينما الفرنسية الجديدة وبعض الكلاسيكيات وأعمال المخرجات الفرنسيات ولكن الدولة الاقرب لتصدر الدورة الرابعة هي إيطاليا لما تحمله السينما الإيطالية من خصوصية ولكن الأمر مرتبط بالحصول علي الأفلام. وهل تواجهون صعوبة في الحصول علي الأفلام الأوروبية؟ - بالطبع الأمر ليس سهلاً لأن هناك مقابلاً لعروض أفلام المهرجان قد يكون كبيراً ولا تقوي ميزانية المهرجان علي الوفاء به لهذا نتحرك في اتجاهات أخري، فبانوراما السينما البريطانية في الدورة الاولي كلفتنا 30 ألف دولار ولم تدفع السفارة البريطانية شيئاً رغم وعود السفير بدعم المهرجان وتسهيل الحصول علي الأفلام. ولماذا لا يلجأ المهرجان للرعاة لتجاوز أزمة التمويل التي أثرت سلباً علي الدورة الثالثة؟ - العام الماضي كان هناك شيء من الدعم سواء من البنك الأهلي أو من رجل الأعمال نجيب ساويرس ولكن هذا العام لم نحصل علي هذا الدعم أو غيره وهو ما سبب أزمة كبيرة تجاوزناها بصعوبة خاصة أن الميزانية المخصصة من قبل الشركات والمؤسسات الداعمة للعمل المؤسسي وجهت للانتخابات البرلمانية باعتبارها أحد انشطة مؤسسات المجتمع المدني وقد حصلنا علي وعود بتسوية المبالغ التي صرفناها من جيوبنا بعد نهاية المهرجان الذي يضم فريقا يعمل طوال العام ويستأجر مقراً. وهل تري ضرورة إسناد التنظيم لشركة خاصة لتفادي أزمات تأخر العروض وتلف بعض النسخ أو تأخر مواعيد وسائل نقل ضيوف المهرجان؟ - إذا ما استطعنا الحصول علي دعم مادي مناسب فما المانع من إسناد هذه الأمور لشركة ما رغم أني لا أري مسئولية علي المهرجان في نسخ الأفلام التي يتحمل مسئوليتها المخرج وتأخر الأتوبيسات يأتي لضيق ذات اليد لأن هناك ثلاثة أتوبيسات فقط مخصصة من المحافظة للمهرجان ولكن اثنين منها تعطلا في وقت ما مما أثر علي الحركة لبعض الوقت وأنا من هواة الانتقال بالأتوبيس وعايشت التجربة ومع حدوث تأخير تم طبع ملصقات بمواعيد التحرك وتغلبنا علي هذا الأمر واستقامت مواعيد التحرك ومواعيد العروض. وهل إقامة المهرجان في هذا التوقيت كان صائباً في ظل زيادة العمليات الإرهابية التي تضرب مصر؟ - إقامة المهرجان أمر لا يجب مناقشته لأن ما نقوم به عمل لا يقل وطنية عن أي مصري يسعي لنشر الوعي بين أبناء هذه الأرض وما نقوم به نوع من مقاومة الإرهاب لأن كل مليم يصرف علي عمل ثقافي يمنع الإرهاب ويدشن المواطن ضد هذه الأعمال التي تنال من أمن واستقرار الوطن فإذا ما حصلنا علي ثمن دبابة واحدة من تلك التي تحرق في سيناء سنستطيع مواجهة الإرهاب بتثقيف المجتمع من خلال المهرجانات والعمل الثقافي الذي يهدف للتنوير وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي يزرعونها في أذهان المصريين مع غياب الوعي وانحسار دور الثقافة والمثقفين من النخبة في المجتمع. ولكن هناك الكثير من مهرجانات بير السلم انطلقت باعتبارها سبوبة لا تهدف للعمل الثقافي بالإضافة إلى أن كثيراً من المثقفين مازالوا في حظيرة النظام؟ - بالطبع هناك فرز يحدث وهذه المهرجانات تولد لتموت لأنها في الغالب تكون بلا رؤية حقيقية أو فكر وأنا أرفض مصطلح حظيرة المثقفين الذي ظلم فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق رغم أني لم أكن أؤيده ووقفت ضده طويلاً ولكني أؤكد أن هذا التعبير تم تأويله بشكل خاطئ علي عكس ما كان يقصده وبغض النظر عن هذا المصطلح فأزمة مصر أن مفهوم «البقالين» يسيطر علي الاستثمار الثقافي وهذه كارثة لأن الثقافة هي استثمار في البشر الذي يشاهد هذه الأفلام وقد تسهم هذه الأفلام في تنظيم الأسرة وتوفير الكثير من المال في حملات لا طائل منها وبالطبع ستسهم في تحضر المواطن وتغذية إحساسه بالجمال وهو ما ينعكس علي سلوكياته كما سيعمل علي معالجة فساد منظومة التعليم التي نعاني منها، بالإضافة للدور الذي أشرت إليه في مكافحة الإرهاب والأفكار الهدامة لأن الثقافة تبني الإنسان. وكيف تري واقع السينما المصرية وقدرتها علي التطور في المرحلة المقبلة؟ - أنا متفائل بالتطور في مسار السينما المصرية المعاصرة خاصة مع تجدد دمائها لا من خلال أشخاص ولكن من خلال تغلب مبدعيها علي الصور الهوليوودية السائدة والاتجاه نحو السينما الإنسانية التي يقدمها مخرجوها الشباب بخصوصية في التناول والأسلوب كما في فيلم «بتوقيت القاهرة» لأمير رمسيس أو «ديكور» لأحمد عبدالله أو مخرجات مثل كاملة أبو زكري فهذا الجيل يقوم بدور كبير وقوي لإعادة السينما إلى مسارها الصحيح بتقديم إنتاج متقدم علي مدي السنوات القليلة الماضية وهو أمر مبشر من وجهة نظري. وهل تسهم الدولة في دعم هذه الحركة مع سعيها للعودة للإنتاج السينمائي من خلال شركة قابضة يجري تأسيسها من خلال وزارة الثقافة؟ - وزارة الثقافة قدمت مشروعاً لدعم الأفلام الروائية والتسجيلية وهو مشروع ناجح وحقق الغرض منه وما نحتاجه لدعم الحركة السينمائية الجديدة هو زيادة قيمة هذا الدعم دون أن تقحم وزارة الثقافة نفسها في منظومة الإنتاج السينمائي لأنها ستفشل في هذا العمل والتجربة أثبتت هذا الأمر كما أثبتت أن مشروع الدعم آتي ثماره خلال السنوات القليلة الماضية بما أفرزه من تجارب هامة. ولكن مؤسسة السينما في عقد من الزمان استطاعت تقديم كم كبير من الأفلام التي تصنف علي أنها الأفضل في تاريخ السينما المصرية؟ - لن نستطيع تكرار تجربة القطاع العام في الستينات، فعلي الرغم من أن مؤسسة السينما أنتجت 159 فيلماً من أهم أفلام السينما المصرية طوال تاريخها إلا أن عودة الدولة للإنتاج بهذه العقلية لن يحقق نفس النتيجة كما أن مؤسسة السينما التي أنتجت «شيء من الخوف» هي أيضاً من أنتجت افلام من نوعية «شنبو في المصيدة» و«من أجل حنفي» فأصول السينما ملك وزارة الثقافة ولكنها لم تستفد منها طوال سنوات احتلت خلالها كيانات إنتاجية أخري الساحة وتدخل الدولة يجب أن يكون من خلال الدعم فقط بعيداً عن الإنتاج أن أرادت للصناعة أن تستقيم.