فضحت عملية التوغل العسكري التي قام بها الجيش التركي في عمق الأراضي السورية مؤخراً، لاستعادة رفات جد مؤسس الدولة العثمانية (عثمان بن أرطغرل)، الأهداف الحقيقية لأنقرة، تزامناً مع تحالفات وتقاطعات إقليمية ودولية جديدة، سعت إلى توظيفها في لعب دور أكثر وضوحاً في الصراع الدائر في المنطقة . كانت أنقرة تبذل جهوداً حثيثة لإحياء الإمبراطورية العثمانية البائدة، واستحضرت كل رموز تلك الإمبراطورية التي ظهرت بين جنبات القصر الرئاسي الجديد، الذي افتتحه أردوغان مؤخراً، من أزياء وأسلحة وأعلام الدول الست عشرة التي حكمت تركيا عبر التاريخ، قبل أن تتذكر ضريح سليمان شاه "مسمار جحا" العثماني الذي زرعته داخل الأراضي السورية من خلال اتفاقية وقعتها مع الانتداب الفرنسي آنذاك عام 1921 . جاءت معركة عين العرب (كوباني) لتشكل نقطة تحول مهمة حاولت أنقرة استغلالها في تبديد الشكوك التي أثيرت عن عدم مشاركتها في التحالف الدولي ضد الإرهاب، وتوضيح موقفها إزاء الجوار الإقليمي ومجمل ما يدور في المنطقة . وبالفعل ذهبت أنقرة لتحضير مسرح العمليات، فوقعت اتفاقاً مع أمريكا لتدريب المعارضة السورية "المعتدلة" هيّأ لها الأرضية المناسبة للتحرك، وسعت إلى مقايضة الأكراد بتأمين الحماية لقواتها مقابل سماحها بدخول قوات البشمركة القادمة من كردستان العراق إلى عين العرب، واعتمدت على بعض فصائل المعارضة السورية الموالية لها في تأمين المناطق المحيطة بالضريح، لكنها كشفت في الواقع عن حقيقة موقفها الداعم والمتحالف مع تنظيم "داعش" الإرهابي . وقد شكل التناقض بين المستويين العسكري والسياسي في هذا المجال فضيحة مدوية، فبينما كشف الجيش أنه قام بالتعاون والتنسيق الكامل مع الأكراد وتنظيم "داعش" معاً، أصرّت الحكومة والرئاسة التركيتان على عدم حدوث مثل هذا التنسيق، واكتفت بالقول إنها أبلغت التحالف الدولي والقنصلية السورية في اسطنبول مسبقاً، الأمر الذي قالت دمشق إن الجانب التركي لم ينتظر ردها عليه . أيا يكن الأمر، فإن اللافت في كل ذلك أن العملية برمتها تبدو مصطنعة، فالضريح لا يوجد فيه رفات أصلاً، وهو مقام لسليمان شاه الذي قضى غرقاً في نهر الفرات هرباً من المغول، ثم شيده السلطان سليم الأول تخليداً لذكراه بعد معركة مرج دابق عام ،1516 وكانت تحميه "داعش" تحديداً . ولعل نقله إلى بلدة أشمة السورية على بعد نحو 200 متر من الحدود التركية يفصح نيّات أنقرة في الإبقاء على "مسمار جحا" لاستغلاله مستقبلاً، بذريعة أنه أرض تركية، متناسية تماماً حقيقة أن لواء اسكندرون بكامله هو أرض سورية، وأن سلخه من قبل الاستعمار الفرنسي عن الوطن الأم لن يلغي إمكانية العودة للمطالبة به أو تحريره، حينما تتغير الظروف . يبقى أن نشير إلى أن هدف أنقرة الحقيقي من وراء كل ذلك، هو تذكير المنطقة بأن تتهيّأ لدور عسكري أكثر علانية للجيش التركي، يعمل على إقامة المنطقة العازلة على الشريط الحدودي في شمالي سوريا، والتذكير بأن إطماع تركيا في المنطقة لا تزال قائمة، وأنها تعمل بالفعل على إعادة إحياء امبراطوريتها القديمة إن استطاعت . نقلا عن صحيفة الخليج