الكل بات يترقب الانتخابات البرلمانية القادمة، التى لا أجد سبباً قانونياً أو منطقياً لعدم الإعلان عن موعد فتح باب الترشح لها حتى الآن رغم إعلان مواعيد إجرائها، ولكنى أظن أن ذلك قد يكون لأسبابٍ إدارية تتعلق بمؤسسات الدولة وأعبائها بأكثر مما هى سياسية لمراعاة ظروف الأحزاب وقدرتها على الاستعداد والتوافق. وعموماً فإن غداً لناظره قريب فقد يُعلن عن ذلك قبل نشر هذه السطور. أعود إلى المشهد السياسى الذى لم يعد يشغله شىء أهم من الاستحقاق الثالث فى خارطة المستقبل التى رسمها الشعب بثورة 30 يونية المجيدة وهو انتخاب المجلس النيابى الذى سيمثل ضميرَ الأمة وقلبَها النابض بكل آلامها وأتراحها وكل أحلامها وطموحاتها, وعليه ينعقد الأمل لمؤازرة رئيس الدولة فى الحفاظ على دعائم الثورة التى أذهلت العالم وأوقفت أخطر مخطط لتدمير المنطقة، واستكمال تحقيق أهدافها الوطنية المنشودة. إن المتابع للحوار والسجال بين مختلف القوى السياسية عبر وسائل الإعلام, يستطيع أن يلمس حرص الأحزاب وسعيها إلى أمرين اثنين, الأول: هو ضمان تمثيلها بنسبةٍ مؤثرةٍ فى البرلمان، والثانى استبعاد عناصر الفاشية الدينية أو ما يمكن تسميته بالتيار السياسى المتأسلم من دخول البرلمان. وأعتقد أن كلا الأمرين جائزٌ ومقبول، فالأول هو أملٌ مشروع لأىِ حزبٍ سياسى، والثانى هو مطلبٌ وطنى عليه إجماعٌ شعبى ولكنه إجماعٌ يحتاجٌ إلى إرشادٍ وتبصير حتى يحقق ما يريد. إننى رغم تقديرى لحرص الأحزاب الوطنية على هذين الأمرين إلا أننى أتحفظ كثيراً على رؤيتها ومنهجها السياسى للوصول إليهما, وهو منهج يمكن استخلاصه من أحاديث وتصريحات الرموز الحزبية وما تزخر به وسائل الإعلام من تعليقات ودعاياتٍ فى هذا الاتجاه أو ذاك، وأرى إيضاحه والتعقيب عليه فى النقاط التالية: (1) أن الأحزاب تسعى للتحالف فيما بينها بشأن القوائم الانتخابية فقط، وهذا نهجُ أراه خاطئاً لأن القوائم الأربعة فى مجملها لا تمثل إلا نسبةً ضئيلةً فى البرلمان، وبالتالى فإن الأهم فى حالة التحالف أن يكون بالتوافق على المقاعد الفردية قبل كل شىء، وبالقدرات والتعهدات التى تتناسب وتتلائم مع كل حزب. (2) إصرار الأحزاب على إشراك أكبر عدد من عناصرها فى القائمة كشرطٍ لانضمامها للتحالف. وهذا أراه قصوراً فى الرؤية السياسية، لأن التحالف الحزبى فى هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة وفى ظل نظام القائمة المطلقة، يكاد يكون الوسيلة الوحيدة للأحزاب الناشئة للعبور إلى البرلمان، ومن ثَمَّ فخيرٌ لتلك الأحزاب أن يمثلها نائبٌ واحد بالبرلمان من أن يجرفها تيار العند بعيداً عن ساحة الحياة السياسية إلى الأبد. كما يجب الانتباه إلى أن أعضاء القائمة الفائزة سيعبّرون دون تمييز عن توجهات كل الأحزاب المشاركة فى التحالف بغض النظر عن عدد عناصرها المشاركين فى القائمة، وتلك من أدبيات الممارسة السياسية المستقرة. (3) مازال البعض يردد المطالبة أو التمنى بإجراءاتٍ لإقصاء أو عزل فصائل أو أحزابٍ بعينها، وهى نغمةٌ ليست باليةً فحسب وأعرض عنها المصريون، وإنما هى أيضاً تقلل من شأن المتحدث بها وتعطى انطباعاً لدى المتلقى بضعف وهشاشة القاعدة الحزبية التى ينتمى إليها. (4) ظهور أسماء غريبة للتحالفات الجارى تأسيسها وهو ما يؤدى إلى التباس الفهم لدى المواطنين واضطرابهم فى الاختيار، ومن ثَمَّ أرى تسمية القائمة باسم حزبٍ بذاته إذا كان التحالف حزبياً، ولا ضير من إقران التسمية بكلمة ائتلاف, فإذا كان التحالف بين المستقلين فتسمى قائمته باسم أبرز عناصرها حتى ولو شارك فيها حزبيون. خلاصة القول وإضافةً إلى ما سبق، فإننى أتمنى من كل الأحزاب - خاصةً تلك العريقة منها ذات الثقل الشعبى - أن تبادر أولاً باحتواء كل الحركات والأطياف الوطنية المخلصة تحت لوائها وأن تنتشلها من حالة التشرذم التى تعيشها تحت مسمياتٍ غير مرحبٍ بها. وثانياً أن تسارع بالتوافق فيما بينها على مقاعد القوائم والفردى، وأعتقد أن أربعةً فقط من الأحزاب العريقة قادرةٌ على ذلك، ويمكنها أن تعهد لكل حزبٍ إعداد قائمةٍ من القوائم الأربعة وتُطرح تحت اسمه وبمساندة باقى أحزاب التحالف، كما يكون التوافق على المقاعد الفردية بنفس المنهجية. وثالثاً أن تحرص الأحزاب المتحالفة على عدم ترشيح رموزها الشعبية المعروفة ضمن القوائم الانتخابية, فالأفضل أن يتم ترشحها على مقاعد الفردى لتزايد احتمالات الفوز بالنظر لشخص المرشح وليس لحزبه. ورابعاً أن يكون اهتمام وإخلاص وعطاء الأحزاب لاجتياز هذه المرحلة التاريخية الفارقة وليس لأى اعتبار آخر، والتاريخ دائما يسجل مواقف الرجال ويرسم المستقبل على قدرها.