مرت أربع سنوات على رجال خرجوا ولم يعودوا.. ضحوا بحياتهم في لحظة إيمان وحب لهذا الوطن.. جميعهم من أبناء هذا الوطن.. جميعهم من أبناء هذا الشعب المكافح، منهم العامل والفلاح والضعيف والقادر، هذا الجيل الذي مات في ميدان التحرير وكل ميادين مصر وجد نفسه قد نشأ وترعرع في ظل نظام فاسد لمدة ثلاثين عامًا، فقرر أن يثور ضده وكتب بدمائه لحظات مضيئة ستظل باقية في تاريخنا. لقد استشهد هذا الجيل لكي نعيش نحن ومن يأتي بعدنا ب«العيش والحرية والعدالة الاجتماعية». هؤلاء الشهداء ليسوا مجرد أسماء نمر عليها ونترحم عليهم ثم ننساهم بل هم بشر من لحم ودم لهم أبناء مازالوا ينتظرون عودتهم وزوجات حلمن معهم بغد أفضل وحبيبات انتظرن عودتهم بثوب الزفاف، فلم يترك لهن القدر إلا ثوب الحداد.. ولهم أطفال مازالوا ينتظرونهم على بوابات البيوت ويحلمون بحضن أب يملأ حياتهم دفئاً.. هم قبل كل شيء أرواح هائمة مازالت تحلق فوقنا تنتظر الحق والعدل بعد أن دفعوا حياتهم مقابل حريتنا. فى البداية يجب أن نشير إلي أن كثيراً من هؤلاء الشهداء لا ينتمون إلي حزب أو حركة وربما لم يقوموا بأي عمل سياسى طوال حياتهم ولكن حماسهم ورغبتهم في تبديد ظلام القهر والاستبداد، هو الذي دفعهم إلي المضى قدماً نحو غاياتهم. الغريب هو اهتمام مؤسسات الدولة فقط «بأب» و«أم» الشهيد، علماً أن أبناء الشهداء يواجهون مشاكل نفسية كثيرة، فضلاً عما يواجهه أسر الشهداء من صعاب حين يذهبون إلي المجلس القومى لأسر الشهداء، حيث يصطدمون بحائط الروتين. ونحن هنا نعيد إلي الأذهان حكايات هؤلاء الشهداء وما خلفوه وراءهم من فراغ وألم شديدين لدى أسرهم. مازال آدم -ابن الشهيد أحمد بسيونى- الذي يبلغ الآن من العمر 8 سنوات يتذكر خروج والده من المنزل يوم جمعة الغضب، ووعده بأن يعود بعد نصف ساعة، كان قدره أن يعرف معنى جديداً لتوقيت «نصف الساعة» ليدرك أن أباه لم يعد ولن يعود. كان الشهيد «أحمد» -33 عاماً- يعمل فى مجال الفنون السمعية والبصرية، حصل علي الماجستير من كلية التربية الفنية بجامعة حلوان، كان دائماً يدعو تلاميذه إلي النزول للشارع، لهذا نزل إلي الشارع يوم 25 يناير حاملاً كاميرا فيديو يسجل بها خروج الناس إلي الشارع وأصوات هتافاتهم وحين نزل مرة أخرى في جمعة الغضب تلقي طلقة نارية أدت إلي وفاته. وقبل أن يستشهد «أحمد» يوم 28 يناير، كتب علي صفحته علي موقع «الفيسبوك»: «عندي أمل كبير في الناس أن تستمر في المطالبة بحقوقها». ولا شك أن ذكرى الثورة تحرك في نفوس أسر الشهداء الكثير من الأحزان، أم الشهيد «ولاء الدين» البالغ من العمر 32 سنة، تحكي عن وفاته يوم جمعة الغضب قائلة: كان ابني عائداً من عمله فى منطقة جسر السويس وحاول إنقاذ بعض المتظاهرين، فتلقى رصاصة شطرت رأسه، ومن يومها وأنا مقهورة والنار التي بداخلي لم تهدأ بعد، ولا أدرى دمه في رقبة من؟ كل ما أتمناه أن الشارع الذي كنت أسكن فيه مع ابنى الشهيد يتسمى باسمه. لم يتبق لي بعد فراقه سوي طفليه «مصطفى» و«مازن» اللذين كتب عليهما الحرمان من والدهما وهما مازالا طفلين صغيرين، تتراوح أحلامهم بين ما هو مستحيل، وما هو صعب، هي لا تقدر أن تجيبهما عندما يخبراها أنهما يريدان والدهما أن يعود إليهما ولكنها تحاول أن تستمع لأحلامهما التي هناك أمل في تحقيقها. يقول والد كريم جونيور، الذي استشهد في مجزرة بورسعيد في فبراير 2012، ابني كان بطلاً لم يتعد ال18 عاماً، وكان يلعب كرة القدم بنادى منتخب السويس وقام بتأسيس ألتراس أهلاوى، كنت أتوقع له مستقبلاً باهراً ولكن القدر لم يمهله، مازال والد «كريم» يستيقظ كل صباح ليطل علي صورة ابنه المعلقة علي حائط صالة منزلهم ويخاطبه ويقص عليه تفاصيل حياته اليومية. ولا يمكننا أن ننسى أيضاً شهداء الشرطة الذين جادوا بحياتهم دفاعاً عن الوطن، كشفت وزارة الداخلية أن عدد شهداء الشرطة منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 حتي يناير 2014 بلغ 432 شهيداً بينهم 91 ضابطاً، و191 فرداً عسكرياً، و11 خفيراً، و137 مجنداً. وربما كانت قضية مقتل اللواء البطران، رئيس مصلحة مباحث مصلحة السجون من أكثر القضايا المثيرة للجدل، فالراحل قتل فجر 29 يناير في أكثر الأيام الدامية التي مرت علي الوطن والذي شهد عمليات سلب ونهب وفوضى عارمة وفتح السجون وتهريب المسجونين في هذا الوقت، كان اللواء البطران في سجن القطا، وكأنه يستشعر ما سيحدث ورفض الخروج من السجن أو فتحه وكان ثمن تمسكه بواجبه رصاصة غدر فارق على إثرها الحياة. وهناك من دفع حياته ثمناً للدفاع عن القسم بعد أن هاجمه البلطجية، الشهيد الرائد «طارق أسامة»، حيث استشهد يوم 29 يناير برصاصة في الرأس بعد الهجوم علي قسم ثان شبرا الخيمة، تقول «نجوى» والدة الشهيد طارق: لقد توفى ابنى وترك لى ابنته الوحيدة «ملك» 6 سنوات، وكان طارق سندى في دنياى بعد وفاة والده وكان محباً لعمله متفانياً في أدائه على أكمل وجه وقد مرت 4 سنوات الآن علي فراقه ومازال الجرح في قلبى غائراً. وهناك الشهيد العميد محمد رضا، رئيس فرع الأمن العام بدمنهور، والذي استشهد يوم 30 يناير لعام 2011 خلال مقاومته للبلطجية الذين أرادوا سرقة أحد البنوك. وتحكى زوجته قائلة: كان زوجى مثالياً لأقصى درجة، عطوفاً وطيب القلب، لم نختلف في حياتنا سوى مرتين فقط، الأولى عندما أردت أن ألحق ابني الأكبر بكلية الشرطة لكنه رفض، والثانية عندما حصل ابني الأصغر علي الثانوية العامة، وأردت أن ألحقه بكلية الشرطة فرفض أيضاً، فهو كان يرى أنه جهاز متعب وشاق وكان يخشى علي أولاده من المشقة والتعب.. وبالرغم من أنه يفترض أن تكون وظيفته إشرافية وهي تقييم الضباط، إلا أنه أصر علي أن ينزل بنفسه لحماية البنك. وهناك عشرات ومئات من الضباط الشرفاء الذين يستحقون أن نذكرهم، فالواجب الذي أدوه كان مخلوطاً بالدم.