ما بين هدى «العربية» و«كاترينا» الأمريكية، تشابهت الرياح العاتية، وموجات الصقيع والغبار والبرودة التي ضربت أخيرًا الدول العربية، وقبلها السواحل الأمريكية منذ سنوات عدة. عاصفة «هدى» اجتاحت الشرق الأوسط دونما سابق إنذار، لتصب غضبها بشكل خاص على مخيمات اللاجئين السوريين لتزيد من معاناتهم، على غرار عاصفة «أليكسا» التي اجتاحت بلاد الشام وتركيا العام الماضي. تسببت «هدى» في جرف مئات الخيم، وتشريد مئات الآلاف من النازحين السوريين؛ أغلبهم من النساء والأطفال؛ لتعمق جراحهم وتزيد من معاناتهم، فأصبحوا بلا مأوى، بعد أن ضربت بقسوة مخيمات «عرسال» و«الزعتري» و«أضنة»، كما لم تستثن أحدًا من مشردي الداخل في مخيمي «أطمة وباب السلامة» الحدوديين مع تركيا. الطقس في الأيام الماضية لم تشهده الدول العربية منذ عقود طويلة، ولم يكن واردًا على الإطلاق قدوم «هدى» أو «أليكسا» أو غيرهما، لأن وجودهما غير مرحب به، خصوصًا في تلك المناطق التي يعيش فيها «الفارُّون» من جحيم الموت، الذين يَحْيَون حياة بدائية، تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية. لا نعرف إلى أي مدى يعاني هؤلاء اللاجئون السوريون، الذين يواجهون الموت البطيء، في ظل ظروف معيشية بالغة السوء، لا ينقصها الحصار أو المجاعة، وفقدان الضمير الذي خرج ولم يعد، وانعدام «الرحمة» في قلوب العالم، وزوالها من أفئدة «الأشقاء» العرب المغيبين! إن «هدى» فاقمت أوجاع ومعاناة السوريين، الذين يعيشون في العراء ويلتحفون السماء، ولم يجدوا من وسائل التدفئة سوى براميل البارود المتفجرة، وأطنان القنابل التي تتساقط على رؤوسهم، بشكل يومي! عاصفة «هدى»، نذرت استخدام قوتها العاتية، ضد الضعفاء المسحوقين واللاجئين، وتركت هؤلاء المنهمكين، في التندر باسمها، الذين لم يشغلهم ما وصل إليه حال المشردين في مناطق متفرقة من عالمنا العربي، والذين تجمدت قلوبهم ألماً، من شدة البرد، أو كمداً على ارتجاف نسائهم وأطفالهم، تحت وطأتها. تسببت «هدى» في جرح غائر أدمى القلوب، على مَن رُوِّعوا وهُجِّروا قسرًا من بيوتهم، كما تورطت في تغييب الضمائر التي تجمدت من شدة البرد القارس، وكأنها جاءت لتكشف سوءات وعورات حناجر صدَّعت رؤوسنا بحقوق الإنسان! إننا لم نكن نرغب في معرفة «هدى»، التي صارت مأساة على القابعين في خيم المعاناة، و«غضبها» الذي خلَّف وراءه ظلمًا واقعًا على الشيوخ والنساء والأطفال، ولم تعد تجدي الكلمات نفعًا، في التضامن مع ضحاياها، الذين أثقل كاهلهم «قسوتها». أيًّا كان اسمها، أم صفتها، أو حتى هويتها، يجب ألا يكون اختلاف مسماها حائلًا دون معرفة هذا الإعصار المدمر الذي ألقى بهؤلاء الملايين على قارعة الصحراء الباردة، في مشهد يعيد للأذهان ظلمات عصور القرون الأولى، حتى أصبح لسان حال هؤلاء المشردين البؤساء «مات الفرح في قلوبنا كما ماتت الإنسانية في قلوبكم»، ولا عزاء لمجموعة «أصدقاء سوريا»!