لا شك أن التحالفات الانتخابية لا تمثل ملمحًا جديدًا على السباق البرلماني، وإن حظيت هذه المرة بقدر أكبر من الشفافية، ووضوح الرؤى، فيما يعبر عن المتغيرات الثورية وانعكاساتها على ساحة العمل السياسي، لا يستثنى من ذلك سوى محاولات أتباع مبارك وبديع التخفى داخل بعض الصفوف الوطنية الثورية، أو استعادة أدواتهم البالية فى تزييف الإرادة الشعبية. غير أن المشهد الداخلى فى حاجة إلى مزيد من نواتج الثورة، نتجاوز بها حدود المظهر، وصولًا إلى جوهر العملية الديمقراطية، فى محاولة جادة لتأصيل ظواهر انتخابية تمثل مرتكزات قوية للانطلاق نحو تحول ديمقراطى حقيقي. فواقع الأمر أن تزايدًا عدديًا لافتًا، نال من مصداقية الأحزاب التى نشأت فى أعقاب الثورة المصرية، بنسختيها فى يناير ويونيو على التوالي، ما أتاح فرصًا لأعداء الثورة للتشهير بمفهوم الأحزاب، والنيل من مكانته ودوره البارز فى كافة المجتمعات الديمقراطية، باعتبار الأحزاب دعاة تعددية سياسية لا بقاء فى ظلها لأعداء الوطن. ومع الإقرار بأن الثورات الشعبية منتجة بالقطع لمثل هذا التدفق الحزبي، بعد طول حرمان، انتهكت فيه الحريات السياسية على وجه الخصوص، فإن دفعًا بمفهوم الأحزاب إلى موقعه الصحيح فى العقيدة السياسية الوطنية، كان جديرًا أن تتبلور بموجبه التحالفات الانتخابية فى صيغ أقرب إلى التحالفات السياسية، خاصة فيما بين الأحزاب ذات الأيديولوجيات الواحدة، أو المتقاربة، وهو أمر ستجيب عنه الممارسات البرلمانية المقبلة، فى ظل ما سيسفر عنه الصراع البرلمانى من نتائج. من جهة أخرى، فإن تغيرًا حقيقيًا يصيب العمل البرلمانى فى جوهره، بات أمرًا مُلحًا تنتظره التجربة المصرية لتأكيد صحة توجهها صوب تحول ديمقراطى حقيقي، وهو ما يشير بالقطع إلى مدى دقة الفرز الوطنى أمام صناديق الاقتراع البرلمانية، ونجاحها فى الانحياز لأبناء وخيارات الثورة، بعيدًا عن الثقافة الانتخابية التى رسخت لها الأنظمة الفاشية فى استبعادها لمضمون الإرادة الشعبية الحرة. فليس من شك أن امتدادًا لمفهوم «نائب الخدمات» لا يمكن أن يصب فى رصيد تحول ديمقراطى حقيقي، قدر ما يفيد غياب قناعات حقيقية بما جاء فى الدستور من دعم لقيم اللامركزية، وما يتبعها من دور مهم للمحليات، فضلًا عن طبيعة النائب البرلمانى القادر على إنجاز المسئوليات الجسام الملقاة على عاتق البرلمان الجديد، وفى الصدارة منها تجسيد الدستور فى برنامج عمل وطني، وهو ما يتطلب بالضرورة ثورة تشريعية باتت مُلحة، لا تقبل التحديات والمخاطر المحيطة بالوطن التراخى فى إنجازها، وهى أمانة لا يمكن وضعها فى عنق أعداء الثورة والوطن. وعليه، فليس الوطن فى فسحة من الوقت، تتيح آفاقًا لمزيد من الممارسات المعادية للثورة المصرية، وما استندت إليه من مبادئ، وما انطلقت منه من أهداف إنسانية نبيلة، بموجبها يتطلع الشعب إلى فرصته فى حياة كريمة حرة، تتبناها دولة ديمقراطية حديثة، على صلة وثيقة بمنظومة القيم الدافعة لحركة المجتمعات الديمقراطية صوب رفاهية شعوبها. والحال كذلك؛ فأى موقع ينتظره أتباع مبارك وبديع فى المرحلة المقبلة!، وقد استندت الأخيرة إلى مبادئ وقيم لطالما شكلت هواجس مخيفة زلزلت أركان حكمهم، بعد أن شكلوا معًا ما يمكن اعتباره نظامًا حاكمًا امتد بنهجه الفاشي، من مبارك إلى بديع، مع اختلاف الوجوه، حيث تبادلا انتهاك الحقوق المشروعة للشعب؛ ومن ثم لم تكن إلا الثورة سبيلًا وحيدًا للخلاص منهما، وليست الانتخابات النيابية المقبلة إلا امتدادًا للثورة، وحلقة جديدة فى سلسلة الكفاح الوطنى ضد أعداء الوطن.