منذ الإعلان عن مشروع قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وهناك جدل ثائر حول مواد القانون، وحدث انقسام كبير بين مؤيد ومعارض أو متحفظ على بعض مواد القانون، خاصة مواد الطلاق والزواج المدني والتبني التي تضمنها مشروع القانون، وعلى التوازى من هذا الجدل تحاول الكنائس إيجاد توافق فيما بينها لتعديل بعض بنود القانون تمهيداً لإرساله إلى لجنة الإصلاح التشريعي بناء على طلب الرئيس عبدالفتاح السيسي حيث يتم إصدار القانون الذي ظل حبيساً في أدراج الحكومة منذ عام 1979 وذلك استجابة لطلب الكنيسة الأرثوذكسية. «الوفد» تستعرض الجدل الثائر حول التشريع، وتستعرض تطور التشريعات المسيحية والقوانين المنظمة للأحوال الشخصية لغير المسلمين بغية الخروج بنتيجة مرضية حول القانون الجديد، ففي 3 مارس سنة 1883 أصدر الخديو محمد توفيق قراراً بتشكيل المجلس الملي الذي صدرت لائحته التنفيذية من مجلس الوزراء برئاسة شريف باشا في 14 مايو سنة 1883 وبناء عليه تم تأسيس المجلس الإكرليكي الذي يختص بالنظر في مسائل الأحوال الشخصية لأبناء الملة الواحدة. توقف العمل باللائحة 1938 في نوفمبر عام 1977 بعد جلوس البابا شنودة الثالث على الكرسي البابوي، حيث قام البابا شنودة بإلغاء العمل بهذه اللائحة لأنها مخالفة لتعاليم الإنجيل وأن من وضعها هم «العلمانيون»، وقصر البابا شنودة التصريح بالزواج الثاني لعلتي الزنى أو تغيير الديانة فقط على أن يمنح الطرف المتضرر في حالة الزنى تصريح الزواج ويحرم منه الطرف الآخر، وفقا للقانون رقم 1 لسنة 2000 المعروف باسم قانون الأحوال الشخصية الجديد تنص المادة الثالثة فيما يتعلق بغير المسلمين «تصدر الأحكام في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بين المصريين غير المسلمين المتحدي الطائفة والملة الذين كانت لهم جهات قضائية ملية منظمة حتي 31 ديسمبر سنة 1955 طبقا لشريعتهم فيما لا يخالف النظام العام». وفي عام 2008 أصدر المجلس الملي برئاسة البابا شنودة تعديلاً جديداً لهذه اللائحة يقضي بقصر أسباب الطلاق علي سبب واحد هو علة الزنا في حين ظلت طائفة الروم الأرثوذكس تطبق لائحة 1938 وهي طائفة لها تابعون فى مصر وإثيوبيا وليبيا ودول أفريقية أخرى ويتبعها 26 بطريركية وكنيسة. في عام 2010 اجتمعت الكنائس لوضع مسودة لقانون لتنظيم الأحوال الشخصية لغير المسلمين قدم إلى وزارة العدل وضم 122 مادة تناولت المادة 111 انحلال الزواج وذلك في حالتين. الأولى وفاة أحد الطرفين وجاء في نص المسودة «الزواج الصحيح المكتمل بالمخالطة الجسدية الذي تعقده الكنيسة الكاثوليكية لا ينحل إلا بالموت، أما الزواج الصحيح المقرر غير المكتمل فيجوز انحلاله بناء على طلب الطرفين أو أحدهما بعد مواقفة الرئاسة الدينية الكاثوليكية إذا وجد سبب قوى يوجب انحلاله»، وأجازت المادة 112 من مسودة قانون 2010 التطليق بسبب واحد وهو علة الزنا وهو ما يتفق مع ما جاء بلائحة 2008. القانون الجديد وفي شهر نوفمبر الماضي أعلن عن مسودة القانون الحالية والتي أثارت الجدل منذ الإعلان عنها، كما أثار النص المتعلق بالطلاق الكثير من الخلافات أو كما جاء في مسودة القانون حالات انحلال عقد الزواج نظراً لوجود مشكلة المعلقين وزيادة أعدادهم وهم طالبو الطلاق لأسباب لا تتعلق بالزنا والراغبين في الزواج مرة أخرى ما يتطلب الحصول على تصريح كنسي. ونصت المادة 136 من مسودة القانون الحالية على: «ينحل الزواج المدني غير الكنسي في حالة موت أحد الزوجين أو التطليق في حالة توفرت الأسباب الممثلة في خروج أحد الزوجين عن الدين المسيحي أو غياب أحد الزوجين 5 سنوات متتالية بحيث لا يعرف مقره والحكم على أحد الزوجين بعقوبة السجن المشدد لمدة 7 سنوات، فأكثر أو إصابة أحد الزوجين بجنون مطبق أو مرض معد يخشى منه على سلامة الآخر أو إصابة الزوج بالعنة أو اتفاق الطرفين على إنهاء الزواج بما لا يخالف هذا الاتفاق قواعد النظام العام والآداب العامة». ويشتمل القانون الجديد على 7 أبواب، الأول يتحدث عن الخطبة وأركان الزواج وشروطه وموانع الزواج وإجراءات عقد الزواج وبطلان عقد الزواج، وحقوق الزوجين وواجباتهما. فيما يختص الباب الثاني بالأحكام العامة، والنفقة بين الزوجين، والنفقة بين الآباء والأبناء ونفقة الأقارب، وتناول الباب الثالث ما يجب على الولد لوالديه وما يجب له لكليهما، والسلطة الأبوية، والحضانة. ويتناول الباب الرابع ثبوت النسب من حيث ثبوت نسب الأولاد المولودين حال قيام الزوجية، وثبوت نسب الأولاد غير الشرعيين، وتصحيح النسب، والإقرار بالنسب والادعاء به، ويتناول الباب الخامس انحلال الزواج، والتفريق بين الزوجين. أما الباب السادس فحمل عنوان «الجهاز والزواج المدني غير الكنسي ولجان تسوية المنازعات الأسرية المسيحية»، حيث تناول الفصل الأول الجهاز، والفصل الثاني تناول الزواج المدني غير الكنسي. وناقش القانون قضية بطلان الزواج، وأوضحت المواد 31 و32 و33 و34 و35 على أن الزواج يعد باطلاً في حال عقد بغير رضاء الزوجين أو أحدهما رضاء صحيحاً، أو وقع أحد الزوجين في غش أو غلط، ولكن لا تقبل الدعوى إلا إذا رفعت خلال ستة أشهر من وقت علم الزوج المعيب رضاءه بالغش أو الغلط، وأيضا إذا عقد زواج القاصر بغير إذن وليه فلا يجوز الطعن فيه إلا من الولي أو القاصر نفسه ولا تقبل دعوى البطلان من الولى إذا كان قد أقر الزواج صراحة أو ضمنا أو مضى شهر على علمه بالزواج، ولا تقبل الدعوى من الزوجين بعد مضى شهر واحد من بلوغه سن الرشد. تشريع مدنى وحول التشريع الجديد وما يجب أن يكون عليه، يرى نجيب جبرائيل المحامى ورئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان أن عقد الزواج فى المسيحية له طبيعة خاصة يختلف عن أى عقد آخر ، فأى عقد آخر يمكن أن يفسخه أو يتحلل منه أحد الطرفين بسهولة أو عند الاتفاق على الفسخ فعقد الزواج له طبيعة خاصة ومراسيم وطقوس دينية، وبدون هذه المراسيم يكون الزواج باطلاً وبالتالى لا يمكن لأى أحد أن يفسخ إلا إذا كان له مرجعية فى الكتاب المقدس، ولهذا لا يجوز فسخه إلا إذا كان هناك حالة زنى أو تغيير الدين المسيحى وبالتالى الكنيسة لا تقبل عقد الزواج المدنى لأنها تعتبره لا يتفق مع ثوابت الكتاب المقدس وهذا هو الاختلاف ما بين الطوائف المسيحية وبين الدولة. وأردف «جبرائيل» ومن جهة أخرى وطبقا للدستور هناك المادة الثالثة التى تعطى الحق للمسيحيين للاحتكام إلى شرائعهم، ومن تلك الشرائع الكتاب المقدس الذى لا يسمح بأن يتم عقد الزواج إلا داخل الكنيسة ولكن فى ذات الوقت هناك إشكالية، فى الدستور فهو يكفل حق تكوين أسرة ويؤكد «جبرائيل» على ضرورة أن يسن تشريع مدنى خارج نطاق الكنيسة وخارج نطاق الأحوال الشخصية تحترمه الكنيسة كقانون فى الدولة ولكن لا يلزمها بمعنى من يتزوج مدنياً لا يجوز له اللجوء إلى الكنيسة لإضفاء المراسيم الدينية أو الحصول على تطليق فى حالة التصريح بالزواج الثانى ويكون تشريعاً مستقلاً تماماً. وعن المادة الخاصة بالتبنى أكد «جبرائيل» أن الكنائس متفقة تماماً على عدم إدراج أى نصوص خاصة بالتبنى واحتراماً للأغلبية فمنعت وجود نص يسمح بالتبنى فى قانون الأحوال الشخصية. ويرى القمص عبدالمسيح بسيط أستاذ اللاهوت الدفاعي في الكنيسة القبطية الأرثوكسية وكاهن كنيسة العذراء بمسطرد ومدير معهد الكتاب المقدس أن هذا القانون سيحل مشاكل المطلقين بنسبة 90 % على الأقل لكنه متوسع فى أسباب بطلان الزواج والطلاق وحرص قداسة البابا والمجمع المقدس والمجموعة التى وضعت القانون على ألا يخرجوا عن روح الإنجيل وليس فى النص فقط فعلى سبيل المثال هناك زنى حكمى بمعنى أن هناك سيدة تحب شخصاً ما وبرغم أنها لم تخطئ معه جسدياً، لكن هناك مراسلات بينهم واتصالات تليفونية فهذا فى حد ذاته يعتبر زنى حكمى لأنه نوع من الخيانة وهذا الزنى يثبت عن طريق الرسائل سواء الإيميل أو التليفون وله وسائل كثيرة لأن إثبات الزنى فى المسيحية يختلف عن إثبات الزنى فى الإسلام، فالإسلام يحتاج أربعة شهود عدول وهذه إجراءات معقدة لكن فى المسيحية رسالة إيميل كفيلة بإثبات الزنى فهذا القانون سيحل هذه المشكلات وغيرها. وتابع أستاذ اللاهوت الدفاعى: لا يوجد عليه أى اعتراضات لأن القانون وضعته الكنيسة فلماذا الاعتراض؟ كما أن هناك لجنة متخصصة فى الكنيسة درست الأحوال الشخصية، بالإضافة إلى أعضاء المجلس الإكريليكي الذين لهم زمن طويل يواجهون مشاكل لديهم خبرة عالية جداً من خلال الحالات التى تعرض عليهم كل يوم ويستطيعون أن يخرجوا بقانون يحل جميع المشكلات التى تعرض عليهم. وقال كمال زاخر، المفكر القبطى ومؤسس التيار العلمانى القبطى بالكنيسة الأرثوذكسية المصرية، نحن لا يوجد لدينا نص نهائى لمشروع القانون ولم يقدم لوزارة العدل الانتقالية إلا من الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية، أما الكنيسة الإنجيلية فلم تستقر على نص نهائى حتى الآن.