نعم, إنه تاريخ جديد لمصر، كتب سطره الاول الرئيس المشير عبدالفتاح السيسي في زيارته الكاتدرائية المرقسية في القاهرة للمشاركة بقداس ميلاد السيد المسيح «عليه السلام« وقوله «اننا اليوم نكتب تاريخا جديدا امام العالم», فهذا الزعيم التاريخي اعاد الى بلاد النيل وجها حضاريا طمسته لعقود عدة غلواء التهميش التي شعرت بها اكبر طائفة مسيحية في الشرق الاوسط. السيسي بحضوره القداس ساوى بين كل ابناء وطنه, ليس فقط في الحقوق والواجبات, انما ايضا بالكرامة والانتماء, وفي هذا نفض غبار النسيان عما فعله الصحابي عمرو بن العاص اول الولاة المسلمين على مصر برده رئيس الكنيسة, آنذاك, البابا بنيامين, الى كرسيه البطريركي بعدما طرده الروم منه, بل انه زاد في منح الاطمئنان للاقباط بزيارته الكنيسة, مرسخا في موقفه هذا اوضح معاني التسامح التي قام عليها الاسلام. ما فعله عمرو بن العاص كرس تعاونا وطنيا طوال قرون, أنتج العديد من الشواهد الحضارية على العيش المشترك بين الديانات السماوية الثلاث, وهو ما افشل كل محاولات شق الصف الوطني, وأحبط الغزوات الاجنبية التي تعرضت لها هبة النيل حتى اوائل القرن العشرين حين استطاعت شرذمة «الاخوان» يومذاك نشر مرض التفرقة بين ابناء المجتمع الواحد, وفرض رؤية سوداء على الحياة السياسية أدت لاحقا الى نشوء تمييز لم تألفه مصر من قبل. ولأن مواقف الرجال هي التي تكتب تاريخ الامم, فقد اصاب الرئيس السيسي في موقفه, فهو اول رئيس مصري يشارك في قداس عيد الميلاد, ويزور الكنيسة في مناسبة عظيمة كهذه, واذا كانت ميزة جمال عبدالناصر انه اول مواطن مصري يحكم بلاده, فإن السيسي اول رئيس يرسخ المعنى الحقيقي للمواطنة في بلاده. هذا التاريخ الجديد, لن يبقى مقتصرا على تلك الناحية من العالم العربي, فمن حيث ولدت آفة الارهاب والتطرف المسماة جماعة الاخوان المسلمين جاء الرد بهذه الخطوة, لتنحي جانبا صفحات سوداء من تهميش الاقباط بسبب ممارسات من نصبوا انفسهم اوصياء على الناس, زاعمين انهم وحدهم احباب الله, متناسين ان اصل مصر قبطي, ليس في التسمية فقط, انما في التاريخ ايضا, ولا فضل لاحد على غيره الا بالعمل لمصلحة الوطن وسلامه واستقراره وأمنه. جماعة الافك والعدوان تلك هي من اطلق وحش القتل والاغتيال وحرق اماكن العبادة, ساعية بذلك الى اشعال نيران حرب طائفية, لكن كما امتزج دم المصريين بمختلف اطيافهم في التصدي للعدوان الخارجي, منذ الحملات الفرنسية وماقبلها, وما بعدها, جددوا العهد بأوضح صور التعبير عن الانتماء للوطن الواحد, في ثورة 25 يناير حين كان الاقباط يحرسون المسلمين اثناء صلاتهم في ميدان التحرير. اليوم, تدخل مصر مرحلة جديدة مع زعيم سيكون له في التاريخ مكانة كبيرة, فهو ترجم رد التحية الوطنية بأفضل منها للبابا تواضروس الثاني الذي كان عض على الجرح حين أقدم رعاع «الاخوان» على حرق الكنائس, فقال: «لن ننجر الى الفتنة حتى لو أحرقوا كل كنائسنا فحينها سنذهب الى المساجد لنصلي». مبادرة السيسي هذه ترجمة لروح الزعامة الوطنية, وهي ضربة المعول الاولى لهدم مشروع القتل والتدمير والارهاب المتستر بعباءة التدين, والعقاب الحقيقي لكل عصي سحرة النفاق والتدجيل والتعصب, اولئك الذين أفرغوا مخزون تخلفهم وتعصبهم في ليل الجهل تعبيرا عن حقدهم في محاولة منهم لتضليل الناس من جديد. زعيم مصر عبدالفتاح السيسي يفاجئنا دائما بما سيسجله له التاريخ من مواقف وافعال, فهو يسن للرؤساء القادمين سننا حميدة لن يستطيعوا الحيدة عنها, ولذا فهو الكبير الذي قصده البابا تواضروس الثاني بقوله: «اللي ما عندوش كبير يشتري كبير».