مع بداية عصر الخصخصة تم استحداث نظام يسمح بمنح أعضاء مجالس الإدارات نسبة 5% من صافي أرباح المؤسسات المالية والاقتصادية المملوكة للدولة بغرض تحفيز تلك المجالس لتعظيم العائد علي الاستثمار، بيد أن الوقع يؤكد انحراف تلك السياسة عن مضمونها الرئيسي فتحول جزء كبير من الأداء إلي نمط لحظي لا يراعي مستقبل المنشأة في الأجل المتوسط والطويل ومن ثم تم خلق موجات متتالية من الأرباح الدفترية علي حساب التوسعات الاستثمارية وحقوق العاملين والنفقات الحتمية اللازمة لصيانة رأس المال. فعلي سبيل المثال اتجه القطاع المصرفي نحو منح الائتمان لمشروعات هشة واستهلاكية أو وفق التعليمات العليا علي حساب تمويل الصناعات الرأسمالية أو المشروعات الإنتاجية، ومن ثم انزلقت المدخرات الوطنية إلي هوة التلاشي، وفي المجال الصناعي تغاضت مجالس الإدارات عن تطوير بقايا الشركات الحكومية فأهملت الدراسات والتنبؤات المستقبلية، وببراعة استخدمت بعض القيادات مؤشرات اقتصادية براقة لتسوق من خلالها قراءات باطلة ومضللة ؛ معتمدة في ذلك علي إلجام القيادات الأكبر منها بنصيبها في الأرباح الوهمية، وضرب بالتقرير الرقابية التي ترصد الظاهرة عرض الحائط فلم تغادر الأدراج المغلقة. وتطور الأمر بأن تحولت تلك المناصب في معظمها إلي مجرد عطايا أو منح عائلية، علاوة علي مرور بعضها عبر دائرة الفساد، ليسفر هذا الأمر في النهاية عن وضع بعض الأقزام وأنصاف الرجال فوق قمة الهرم الإداري، وقد تجاوزت هذه الجرائم الاقتصادية مرحلة الفشل ؛ لتصبح مقدرات الأمة المصرية بأكملها علي حافة الهاوية. ورغم أن الصورة قاتمة؛ توجد شريحة محدود للغاية من أعضاء تلك المجالس وصلت لمناصبها عبر الاجتهاد والعلم، وتمتلك من الأفكار الإيجابية الكثير، بيد أنها وسط طوفان العشوائية تقف مشلولة وعاجزة عن الحركة بسبب بعض الأوامر الفوقية والبيروقراطية داخل نظم الإدارة بتلك المؤسسات، ومن ثم لا تستطيع التفاعل أو التأثير في مجريات الأحداث وتسير رغما عنها في مواكب الفوضى لتبارك عملية الدمار القائمة، ومن ثم تصبح النتائج واحدة في كلتا الحالتين، ولعل تطبيق قرارات الحد الأقصى للأجور أن تسفر عن ثورة إدارية كبري يأمل الجميع منها إنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار الكامل.