فتحت عينى صباح يوم العيد. ووجدت قلبى يهفو إلى سماع صوت صاحبى الجميل. لم أكن حتى قد تناولت فنجان قهوة الصباح. ولا اشتعلت سيجارتى الأولى. كان النوم لايزال فى عينى. مددت يدى إلى قرص التليفون. وطلبت رقم تليفون صاحبى. على الناحية الأخرى سمعت صوت جرس تليفونه يدق.. ووجدت نفسى ابتسم فرحة رغمًا عنى.. التليفون مازال يدق.. لابد أنه مازال نائمًا بعد. لكن السماعة ظلت على اذنى. وعبر فى خيالى شريط ذكريات صداقتنا الطويلة. التى نسيت متى وكيف بدأت. ابتسمت لنفسى أكثر. كان يكفينى دائمًا أن أتخيل صاحبى «عبد الله». أو أراه أو اسمعه. لأبتسم. هكذا كنت وكان صاحبى طوال السنوات! كان «عبد الله» بقامته الطويلة. ووجهه الطفولى. وكلماته الريفية الفطرية. وبساطة قلبه. يزرع الفرح فى نفسى. فأنسى همومى ومشاكلى. بمجرد أن أراه أو أسمعه! لم نكتب فى البداية «عقد صداقة». لكننا مع الحياة أصبحنا صديقين دون أن ندرى. ما أكثر ما يستمع إلى نجواى وأسرارى. كلما وجد متاعب الدنيا تحاصرنى. ما أكثر ما نصحنى. ومسح دموعى. وحاول التهوين من همومى. كان يقول لى ان الحياة قصيرة. ولا يجب أن نضيعها فى الأحزان والمشاكل والصراعات. كان يقول لى: الدنيا حلوة يا صاحبى.. والآلام التى نعيشها. هى ثمن اللحظات والأوقات السعيدة. فلا تشكُ ولا تندم على ما ضاع. وانهل من دنياك أية لحظة سعادة. واستمتع بها. وكأنك تقضم ثمرة فاكهة طازجة حلوة! وعلمنى «عبد الله» كيف أصمد ولا أرفع راية الاستسلام عند أول مشكلة تواجهنى. وكان يقول لى: أنت جميل فى داخلك. فلا تدع قبح الآخرين يلوث جمال روحك. أنت عصفور حياة. حلق فوق السحاب شاكرًا. ولا تغُص فى الوحل نادمًا! كان يقول لى ويقول.. وكان جرس التليفون مازال يدق بلا مجيب. فجأة انتبهت إلى الحقيقة. التى يبدو أن عقلى الباطن تعمد أن ينساها. حتى لا يتألم أكثر. الحقيقة التى توجع القلب وتضربه بقسوة.. الحقيقة.. أن صاحبى «عبد الله» قد مات ورحل عن هذه الدنيا التى لا تسوى، من شهور! مات لكنى نسيت.. أو تناسيت! كان جرس تليفونه مازال يدق. وأدركت أن أحدًا لن يرد! وضعت سماعة التليفون فى خيبة وتثاقل وإحباط. وكنت لا أزال أريد أن أقول له أشياء. كنت أريد أن أقول له : كل عيد وأنت طيب يا صاحبى! كنت أريد أن أقول له : وحشتنى! وكنت أريد أن اقول له : انتظرنى!