أمام دار عرض شهيرة اختلف الأصدقاء على حال السينما، الأول يرى أن الفيلم المعروض لا يستحق ثمن تذكرة الدخول، والثانى يرى أنه جيد وصالح للتسلية، والثالث اكتفى بالصمت وراحت عيناه تبحث عن فيلم أجنبى يسافر بخياله إلى بعيد.. وفى النهاية كان القرار بالعزوف عن دخول السينما ومطاردة اختيار جديد للاستمتاع بالخروج. فى شوارع القاهرة تزين الأفيشات الجدران، أفيشات باهتة تؤكد أنها عنوان لأفلام محدودة التكلفة.. وأفيشات تحاصرها الأضواء ويتصدرها فنان له رصيد كبير لدى شباك التذاكر.. ومن الصعب أن ترصد ملامح الجيد والردىء، لأن شباك التذاكر فى الفترة الأخيرة أنصف أعمالاً متواضعة وتخلى عن أفلام أخرى كانت تحمل كل مواصفات الجودة.. من يتأمل حال السينما يكتشف أن هناك نية لدى فريق من المبدعين لتقديم أعمال ذات قيمة وهناك مؤامرة من جانب فريق آخر لتشوية صناعة كانت ذات يوم مصدراً للرخاء الاقتصادى فى مصر. كل الشواهد حولنا تؤكد أن مساحة السيئ أكبر اتساعاً من الأفضل، وأن السينما الجيدة حاضرة ولكن بطعم الغياب، فى هذا التحقيق نرصد ملامح السينما فى عام 2014 وتوقعات رجال الصناعة فى العام الجديد. عبر الهاتف تحدث محمد حسن رمزى، رئيس غرفة صناعة السينما، وقال: «إذا أردنا أن نصنع سينما جادة ومحترمة يجب أن نطالب المبدعين بمراعاة ضميرهم، بكل أسف بعض الفنانين - ميعرفوش ربنا - ولا يؤمن بالله لو كان لديهم إيمان قوى ويقين بأن هناك حساب فى الآخرة لأدرك المبدعين تأثير الأعمال الهابطة التى يتم تقديمها للناس، حتى نصنع سينما جادة يجب أن يتقى المبدعين الله فى عملهم وأن تنشئ الدولة مجلس أعلى للفنون وتكون مهمته رعاية كل الفنون، سينما، مسرح، تليفزيون، فنون تشكيلية، أدب، موسيقى، طرب، وتتولى رئاسة الدولة الإشراف على هذا المجلس، خاصة أن لدينا رئيساً يهتم بالفن ومؤمناً بمدى تأثيره فى بناء نهضة المجتمع». يتوقف المنتج محمد حسن رمزى عن الحديث ويحاول ترتيب أفكاره وبعد نفس عميق، يواصل «المجتمع المصرى فى حاجة ماسة إلى العودة لقراءة الكتاب وإلى المسرح والسينما، كل روافد الإبداع تسهم فى الارتقاء بوعى وثقافة المواطن والسينما بالتحديد يطلق عليها الفن السابع لأنها تضم أكثر من رافد للإبداع.. يجب ألا ندفن رؤوسنا فى الرمال مثل النعام ونعترف بأننا ندفع ثمن جهل الواعظين فى المساجد والقائمين على العمل فى الرقابة على المصنفات الفنية أغلبهم جاهل وتسيطر عليه طبيعة الموظف وليست روح المبدع.. فى مجال السينما نحتاج رقابة مجتمعية تهتم بمستوى العمل وتناقش محتواه وتأثيره على الناس ولا نحتاج مصادرة بدون وعى او دراسة.. فقد أجازت الرقابة فيلم «حلاوة روح» بطولة هيفاء وهبى وأصدرت الدولة قرار بمنع عرضه ومن أيام صدر حكم قضائى بعرض الفيلم وهذا أمر خطير يكشف ضعف مستوى وموقف الرقابة.. حتى تنهض السينما يجب تنهض الرقابة ويراعى المبدعون ضميرهم ويكون لدينا مجلس أعلى للفنون يساوى ويعادل المجلس الأعلى للثقافة فى الدور والقيمة. يستوقف عنوان التحقيق الناقد الكبير طارق الشناوى، السينما الجادة حضور بطعم الغياب هذا عنوان معبر عن الحالة السينمائية.. مساحة الأعمال الجيدة صغيرة ولكنى لست منزعجاً أو قلقاً على حال السينما، وأتصور أن الأيام القادمة سوف تحمل تجارب كثيرة جادة وأن المناخ السينمائى سيكون أكثر انتعاشاً.. شركات الإنتاج الكبيرة تنظر تحت الأقدام ولا تسعى لتقديم رؤية ولكن مصدر تفاؤلى هو التجارب التى تقدمها السينما المستقلة والشىء اللافت للنظر فيها أنها تقدم أعمال فيها إصرار وإرادة.. ديكور، الخروج للنهار، هرج ومرج، كلها أفلام تؤكد أن لدينا تجارب جادة ومحترمة، فى كل دول العالم تجد السينما الجادة بجانب السينما التجارية والمشكلة التى يجب أن نقف أمامها هو أن السينما التجارية فى مصر رديئة جداً ولا تقارن بالسينما التجارية فى أى دولة أخرى.. السينما الجادة ليست السينما الكئيبة أو الحزينة لكنها السينما التى تستند إلى عقل وإرادة مخرج يفكر وليس إرادة نجم.. سطوة النجم فى مجتمعنا شوهت أعمالاً كثيرة. بأسلوب مباشر يتهم الناقد طارق الشناوى الدولة بالمسئولية عن تدهور حال السينما «لست منزعج رغم ضبابية الصورة وأرى أن الدولة ترتكب حماقات كثيرة فى حق السينما فقد جلس على كرسى وزير الثقافة حوالى خمسة وزراء ولا يفكر أى وزير فى فتح ملف الدعم ولم يفكر فى التحقيق فى ملف فيلم «المسافر» ذلك الفيلم الذى رصد لإنتاجه 5 ملايين جنيه وبلغت الميزانية فى نهاية التصوير 20 مليون.. أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات واضحة من القائمين على العمل بوزارة الثقافة منها على سبيل المثال ما هوية القائمين على اللجان التى تمنح الدعم للمشروعات السينمائية؟.. لماذا لا يحاسب الناس الذين حصلوا على الدعم دون وجه حق ولم يقدموا أى إنتاج فنى، داخل وزارة الثقافة أعمدة قوية للفساد ولا توجد أى ملامح للتغيير. وتتحدث الفنانة وفاء عامر بنبرة صوت تحمل قدراً من التفاؤل: «أمر طبيعى أن تكون الأعمال الجيدة قليلة لأن المجتمع مر بظروف سياسية مرتبكة فى الفترة الأخيرة، السينما صناعة مثل أى صناعة أخرى تتأثر بالواقع والظروف المحيطة، كما أن الأفلام الجيدة مكلفة جداً وتحتاج إلى تمويل ضخم، ورغم التحديات الكثيرة يجب أن نتفاءل، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت عودة الأعمال الجادة إلى دور العرض مثل «الجزيرة 2» بطولة أحمد السقا وهند صبرى وإخراج شريف عرفة، وفيلم «الفيل الأزرق» بطولة كريم عبدالعزيز وإخراج مروان حامد.. إن نجاح هذه الأعمال أيضاً يكشف أن لدينا جمهوراً لديه قدرة على الفرز والاختيار وأنه ينحاز بشكل إيجابى إلى الأعمال الفنية الجادة.. ولا أقصد بالأعمال الفنية الجادة الأعمال التى تناقش قضية مهمة بشكل مباشر، فالسينما الجادة هى التى تقوم على بناء درامى سليم وتحترم عقل المتلقى ويدرك صناعها أن الفن له تأثير كبير على الجمهور.. إذا كنا نطالب المنتجين بتقديم أعمال جادة يجب أيضاً أن نطالب الدولة بتقديم تسهيلات لشركات الإنتاج وتخفيض رسوم التصوير فى المناطق الأثرية مثل القصور التاريخية، يجب أن يدرك المسئولين أهمية الفن فى الترويج للسياحة وتقديم صورة الدولة للعالم الخارجى.. هناك دول كثيرة ترصد ميزانيات ضخمة من أجل صناعة أفلام تعبر عنها وتروج لأهم معالمها السياحية وأكبر دليل على ذلك تركيا وفرنسا.. نحن نحتاج إلى دولة راعية للفنون وليست منتجة أزمة السينما فى هذه المرحلة تحتاج إلى حلول غير تقليدية، ومطلوب من المبدعين تقديم أعمال تعبر عن روح مجتمعنا وتشتبك مع واقعه السياسى والاجتماعى بشكل مباشر وقوى دون تجميل أو تزييف.. فعندما قدم عاطف الطيب ورأفت الميهى ومحمد خان سينما الواقعية الجديدة انحنى لها الجمهور احتراماً وتزاحم الناس أمام شباك التذاكر.. الناس فى بلدنا تحتاج أن ترى نفسها وتلمس أوجاعها وأفراحها فى فيلم سينمائى». يفكر السيناريست الكبير بشير الديك قبل الإجابة إبداء رأيه فى التحقيق ويعلق متعجباً: «إذا أردت أن تنمو المحاصيل جيد فعليك توفير المناخ والتربة الجيدة.. الفن نفس الشىء عندما يتعافى المجتمع ويخرج من عنق الزجاجة سوف يتحسن حال السينما والمسرح والدراما التليفزيونية فى مصر توجد كل الإمكانيات التى تفرز أعمالاً سينمائية رائعة ولكن الخوف من الخسارة وتوتر المشهد السياسى، أحياناً أمور تهدد حماس المنتجين وتدفعهم للهروب.. السينما الجيدة تحتاج تمويلاً وتحتاج إلى منتج لديه روح محبة للمغامرة.. المجتمع المصرى يبحث عن نافذة كى يخرج من خلالها إلى الشمس وعندما يتحقق الحلم ويحدث الاستقرار والأمان المنشود سنجد نهضة فى السينما والأدب وكل روافد الإبداع».. ويواصل بشير الديك حديثه: «الدولة مطالبة بدعم الفن واستخدامه كسلاح رادع ضد الجهل والإرهاب.. الفن قوة ناعمة ومؤثرة ولا يجب أن نحصر دور الدولة فى مسألة الإنتاج ولكن يجب تشجيع المواهب الشابة فى الإخراج والإضاءة والديكور والكتابة.. الأجيال الجديدة سوف تقدم سينما جديدة وتكنيكاً جديداً أيضاً ويجب على الدولة رعاية المواهب الفنية وعدم التقصير معها». ويرى الفنان طارق لطفى أن صناعة سينما جادة مسئولية الدولة والفنانين وأن صناعة السينما تحتاج إلى حماية، أعمال القرصنة أضرت بشركات إنتاج كبيرة ودفعتها لغلق أبوابها، مهمة الدولة هى تأمين صناعة السينما وتوفير كافة الضمانات لحمايتها من القرصنة والسرقة، أمر صعب أن يجد المنتج فيلمه يباع على الرصيف فى أول أسبوع عرض.. ويواصل طارق لطفى حديثه: «الدولة مطالبة أيضاً برفع سقف الحرية للمبدعين وعدم فرض قيود تقتل خيال البدع وتجعله حبيس الجدران، أما مسئولية النجوم كبيرة أيضاً فيحب عليهم تخفيض أجورهم وعدم المغالاة، لأن أجور النجوم المرتفعة فى أحيان كثيرة تطغى على عناصر الإنتاج وتكون النتيجة أن يكون الإنتاج الفنى متواضعاً.. فى دول كثيرة يتنازل النجوم الكبار على جزء من أجورهم من أجل دعم ميزانية الإنتاج ولذا تخرج أعمالهم بشكل مبهر يرضى الجمهور والنقاد.. إن المشهد السينمائى فى الوقت الحالى يحمل روح التفاؤل، خاصة بعد ظهور تجارب سينمائية جادة فى الفترة الأخيرة، والدولة مطالبة بدعم تيار السينما الجادة وتشجيع المواهب الشابة لأن السينما تحتاج دائماً إلى دماء جديدة فى الكتابة والإخراج والتمثيل». ويرى المخرج الكبير على عبدالخالق أن الفن عنصر مهم وضرورى لنهضة المجتمع وأن ثورة عام 52 عندما قامت أدركت قيمة الفن وقيمة النهوض بالحياة الثقافية، لذا تم إنشاء معهد السينما والباليه وإنشاء عدد كبير من الفرق المسرحية.. كان هناك رؤية استراتيجية وهناك اهتمام كبير بدور الثقافة الجماهيرية.. كان «عبدالناصر» يدرك أن الارتقاء بوعى الناس يمنع العنف ويعزز قيمة جمالية كثيرة، والحقيقة أننى توقعت بعد ثورة 30 يونية أن يتغير الحال ونرى رؤية للواقع الفنى، لكن بكل أسف مازالت الرؤية غامضة ومبهمة.. لذا أطالب الدولة بعمل منظومة شاملة للارتقاء بالحياة الثقافية، فمن الصعب أن تراهن على تحسين حال السينما فقط.. يجب أن تسعى للنهوض بكل روافد الإبداع. وتتحدث الناقدة خيرية البشلاوى فى الموضوع قائلة: فى تصورى السينما الجيدة هذا العام حضرت على استحياء ولكن بشكل جيد، والدليل أننا شاهدنا فيلماً جيداً مثل «الفيل الأزرق» الذى جذب الجمهور رغم صعوبة موضوعة وهناك ظواهر كثيرة إيجابية فى عام 2014، منها مثلاً أن فيلم «الفيل الأزرق» مأخوذ عن عمل أدبى للمؤلف أحمد مراد، وشاهدنا أيضاً فيلماً يناقش التعليم وينتقد الحياة التعليمية فى فيلم «لا مؤاخذة» تأليف وإخراج عمرو سلامة.. وعاد إلى السينما روح الثمانينيات، حيث عاد محمد خان وقدم فيلماً رائعاً يحمل عنوان «فتاة المصنع» والشىء اللافت للنظر أيضاً فى عام 2014 هو أن الأعمال التى تم تمصيرها والمأخوذة عن عمل أمريكى جاءت جيدة عادة تأتى النسخة المصرية سيئة ولكن الثلاثى الكوميدى قدموا فيلم «الحرب العالمية التالتة» بلغة ساحرة، وشاهد الجمهور عملاً كوميدياً بعيداً عن الإسفاف والابتذال.. هذا الفيلم ابتعد عن القاموس اللغوى المنحط الذى سيطر على لغة الحوار فى أعمال فنية كثيرة.. ولكن لا يمكن وضع روشتة للنهوض بحال السينما فى العام الجديد لأن السينما ظاهرة مجتمعية والنهوض بها مرتبط بحال المجتمع، وأقصد أنه يجب أن يكون لدينا تعليم جيد وصحة جيدة وحركة ثقافية، كل هذه العوامل سوف تنهض بحال الجمهور وتخلق جمهوراً واعياً قادراً على الفرز والاختيار، ولذا سوف يعتزل مشاهدة الأعمال الهابطة ويتزاحم على الأعمال الجادة.. باختصار فى العام الماضى حضرت السينما الجيدة على استحياء والعام الجديد يحمل علامات التفاؤل إذا حدثت نهضة مجتمعية. وترى المخرجة هالة لطفى أن النهوض بحال السينما مرهون بعملية التوزيع، وتقول: إن الاحتكار آفة تهدد مستقبل السينما فى مصر، أمر مدهش غرفة صناعة السينما المكلفة بحماية ورعاية الصناعة يسيطر عليها من يمارس الاحتكار ويمنع أفلاماً مهمة ويسمح بأفلام أخرى ضعيفة المستوى كيف يكون الخصم هو الحكم فى نفس الوقت وتريد النهوض بحال السينما؟.. هناك عشوائية وتعسف ضد الأفلام الجيدة وضد الجيل الذى يمثل تياراً جديداً فى السينما.. بالمناسبة أنا ضد مصطلح السينما المستقلة ومن يردد هذا التعبير يريد تهميش الأجيال الجديدة.. الدولة لديها فقر خيال ومن الضرورى منع الاحتكار ووضع آليات عادلة لعملية التوزيع حتى لا تتعرض أعمال جادة ومحترمة للحرق.