استكمالاً للحديث السابق الذي تحدثنا فيه عن انه من الضمانات الاساسية لحقوق المتهم في أن يحظي بمحاكمة عادلة منصفة وناجزة أن نكون أمام فصل بين سلطة التحقيق وسلطة الاحالة وقلنا إن قانون تحقيق الجنايات قد تضمنت نصوصه ما يحقق ذلك إذ اختص سلطة احالة المتهمين في جناية إلي محكمة الجنايات بغرفة الاتهام وأوردنا اختصاصاتها بما يكفل تحقيقا لما يبديه المتهم أو دفاعه من طلبات جوهرية لازمة لإظهار وجه الحق في الدعوي بما يحقق العدالة.. وينقي الدليل في الدعوي لتكون الدعوي جاهزة للفصل فيها أمام محكمة الجنايات دونما طلبات تعطل الفصل في الدعوي أو قد يكون تحقيقاً مستحيلاً أو متعذراً.. وقلنا إن قانون الاجراءات الجنائية الذي صدر سنة 1950 قد نحا هذا المنحي واختص بإحالة الدعوي إلي محكمة الجنايات بما اسماه مستشار الاحالة واختصه بذات الاختصاصات التي كانت من قبل لغرفة الاتهام إلا أنه وبلا اسباب معقولة وبلا ادراك للغاية المبتغاه من الفصل بين سلطة التحقيق وسلطة الاحالة كضمانات أساسية تتعلق بأصول المحاكمات الجنائية فقد ألغي المشرع مستشار الاحالة 1981 وأصبحت سلطة الإحالة من اختصاص النيابة العامة لتجمع بين سلطة التحقيق والإحالة والاتهام. ووفقاً لهذا التعديل فقد أصبحت الدعوي الجنائية للمتهم بجناية المحال إلي محكمة الجنايات تدخل في حوزة محكمة الجنايات بمجرد تأشيرة المحامي العام بالإحالة وفقاً للمادة 214 من قانون الاجراءات الجنائية. وهذا التعديل علي النحو السالف البيان اثبت الواقع والعملي لتطبيقه عن تأخير الفصل في الدعوي اذ اصبح علي عاتق محكمة الجنايات تحقيق أوجه القصور التي قد تشوب التحقيقات الابتدائية التي اجرتها النيابة ومنها طلب اجراء معاينات تصويرية لمكان الحادث تحقيقا لدفاع المتهم من استحالة تحقيق الواقعة وفقاً لتصوير الشهود في ذات الزمان والمكان وقد يكون مسرح الحادث بعيداً عن مقر لمحكمة بمسافة زادت علي المائة كيلو في بعض القضايا وهو ما يشكل عبئاً وإرهاقاً للمحكمة اذ إن عليها وفقاً للقانون لتحقيق هذا الدفاع الجوهري ان تنتقل بكامل هيئتها أو تنتدب أحد أعضائها لتحقيق هذا الدفاع اذ إن نص المادة 294 من قانون الاجراءات الجنائية يحظر عليها أن تعيد القضية للنيابة العامة أو تنتدبها لإجراء هذا التحقيق مادامت القضية قد دخلت في حوزتها بتأشيرة المحامي العام بالاحالة إليها. هذا فضلاً عن أن كافة أوجه الدفاع والطلبات الجوهرية عليها أن تحققها بنفسها ولا يجوز لها قانوناً ندب النيابة العامة لذلك وهو ما كان يدخل في اختصاص مستشار الاحالة الذي كان لديه من السلطات القانونية في أن يعيد القضية للنيابة العامة لتحقيق أوجه الدفاع المثارة أو يحققها بنفسه علي نحو تكون معه الدعوي مهيأة للفصل في موضوعها وقد استوفي الدفاع كافة أوجه دفاعه وطلباته الامر الذي تتحقق معه العدالة الناجزة إذ إن محكمة الجنايات وقد احيلت إليها الدعوي وقد باتت جاهزة للفصل فيها علي النحو السابق لتحقيق مستشار الاحالة كافة طلبات المتهم والدفاع فإنها تفصل في الدعوي علي نحو ناجز وهو ما يحقق هدف العدالة في أن نكون أمام عدالة ناجزة. وازاء هذا القصور التشريعي الذي افتقدته العدالة الجنائية منذ 1981 فإنني أطالب بعودة قضاء الإحالة في ثوب جديد يحقق العدالة الناجزة علي نحو أكثر انجازاً من نظام مستشار الاحالة. وهو ما سنعرض له في الحديث القادم بإذن الله. سكرتير عام حزب الوفد