أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على أن القضية الفلسطينية لم تعد مسألة سياسية خاصة بالشرق الأوسط فقط، بل إنها تؤثر أيضا في الأمن القومي في جميع دول العالم".. قائلا: "إنني أعتقد أننا - وكما هو مؤمل - سنعاود المحاولة لتخطي العقبات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في بداية العام المقبل، فهناك العديد من المسائل التي يجري الحديث حولها ونأمل أن يتحقق النجاح في هذه المساعي". جاء ذلك في مقابلة أجراها الإعلامي الأمريكي تشارلي روز مع العاهل الأردني خلال زيارته لواشنطن ووزعها الديوان الملكي الهاشمي على وسائل الإعلام اليوم السبت فيما بثتها شبكة (بي بي أس) الأمريكية اليوم وتبثها محطة (بلومبيرج) الإخبارية خلال الأيام القادمة، حيث تناولت أبرز التحديات الإقليمية والدولية ورؤية الملك عبد الله الثاني حيالها. وشدد العاهل الأردني على أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والقدس سيبقى جوهر الصراع في المنطقة بالرغم من أن بعض الناس لا يروق لهم هذا الربط، لافتا إلى أن العديد من المتطرفين يستخدمون القضية الفلسطينية في خطابهم، كما أن دول العالم باتت تدرك الآن أنه أصبح لزاما عليها أن تجد حلا لهذه المشكلة خدمة لمصالحها. وردا على سؤال حول الجهود التي يبذلها وزير الخارجية جون كيري ومبادرته لإحياء عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؟ أجاب الملك عبد الله الثاني بأن مبادرة كيري لم تفشل وما زال الأمر قائما ومستمرا وأيضا لا يزال الباب مفتوحا، منوها في هذا الإطار بالاجتماع الثلاثي الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكيري يوم 13 نوفمبر الفائت في عمان، والذي جرى خلاله اتصال هاتفي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي حيث بحث على مدى ساعة كاملة في كيفية المضي قدما. ووصف العاهل الأردني الاجتماع الثلاثي بأنه كان "ناجحا" بكل المقاييس.. قائلا: "تم خلاله الحديث عن كيفية إحداث تقدم وتحديدا فيما يتعلق بالشأن الإسرائيلي الفلسطيني خصوصا وأننا الآن جميعا أمام تحد أكبر وهو الحرب الدولية على الإرهاب والتطرف". وأضاف "العالم يتحرك الآن، ولكن إذا لم نتحد ونجد حلا لهذه المشكلة سنكون كمن يقاتل بيد واحدة والأخرى مقيدة خلف ظهره، إنه أمر مهم جدا بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين أن يكونوا قادرين على المضي قدما".. مشيرا إلى أن كيري لديه عدة أفكار فيما يخص ذلك كما أنه (كيري) كان شديد التكتم حول طبيعة الصفقة؛ لأنه كان يؤمن بأنه إذا ما تسرب معلومات عنها فإن بعضهم سيبدأ بانتقادها. وعن طبيعة هذه الصفقة؟ أجاب الملك عبد الله الثاني أن الأردن يعد جزءا من العملية، خاصة عندما تتصل الأمور بقضايا الوضع النهائي .. قائلا: "نحن معنيون بجميع التفاصيل سواء كانت حول الحدود أم القدس أم اللاجئين؛ لذلك فقد تمكنا من مساعدة الطرفين في تجاوز العديد من العقبات". وتابع "نتيجة لذلك؛ كنا مشاركين في الحوار حول عملية السلام، كما أن الحديث معنا يؤشر إلى جدية عملية السلام وعلى قربنا مما كان يمكن التوصل إليه، ولأسباب عديدة لم تتخذ الخطوات اللازمة والحاسمة حيث كانت لكل طرف من الطرفين مخاوفه". وحول إمكانية أن يتم ذلك في السنوات الباقية من حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما؟ قال الملك عبد الله الثاني: "يجب أن تكون؛ لأنه كيف سيكون الوضع إذن .. هذا باعتقادي العامل الأهم الذي يجب على جميع الأطراف إدراكه .. نحن جميعا نتحرك لشأن أكبر، وهو تلك الحرب الدولية على الإرهاب؛ لأنها مستمرة لأجيال قادمة"، مضيفا "إذا ما بقي هذا الأمر بين مد وجزر ومن دون حل، فكيف يمكن لنا إذن أن ننجح في الشأن الأوسع والأشمل؟ وتساءل العاهل الأردني: لماذا نجد كل هذه الحكومات حول العالم تعترف بطريقة غير مباشرة بدولة فلسطين؟ أو يقولون بعد سنة أو سنتين إذا لم تحل هذه المشكلة سيعترف بدولة فلسطين؟ مرجعا ذلك إلى مشكلة المقاتلين الأجانب التي تعاني منها العديد من الدول. وقال العاهل الأردني: إن هذه الدول أدركت بأن كل الطرق تؤدي إلى القدس، وبأنه إذا لم يحل الفلسطينيون والإسرائيليون هذه المشكلة، ستكون لها انعكاساتها على نمو الفكر المتطرف لدى سكانها المسلمين.. مضيفا "العديد من دول العالم الآن تتوجه بالنداء للفلسطينيين والإسرائيليين: (حلوا مشكلتكم لأنها تؤثر علينا)". وردا على سؤال: هناك من يقول: إن الإسرائيليين لم يكسبوا في النهاية حرب غزة بسبب نتائجها وعواقبها عليهم؟ قال الملك عبد الله الثاني: "من هذا المنظور أقول: إنك على حق".. منوِّهًا في هذا الإطار بأن معظم العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام الدولية في الصيف خصوصا غير الأمريكية ركزت على أحداث غزة بدلا مما يجري في أوكرانيا، "أي إنه قد حدث تغير في الاهتمام". وأضاف "يجب أن يكون هنالك فهم من كلا الطرفين بأننا جميعا قد تحركنا نحو شيء أكبر، وإن لم يدركا ذلك فإننا جميعا سندفع الثمن".. مشيرا إلى أن الحديث الذي جمعه مع كيري والسيسي ونتنياهو كان إيجابيا ومريحا وصادقا وباعثا على الأمل بشكل كبير، والطريقة التي كان كل واحد يتحدث فيها عن المشكلة "جعلتني أشعر بجديتهم في المضي إلى الأمام". وتابع "إنه كان يتعين على الإسرائيليين أن يدركوا أنه لو استمر الوضع على ما هو عليه، خصوصا أننا جميعا تحركنا باتجاه حل المشكلة، فإن ذلك يمكن أن يؤثر في العلاقة الأردنية الإسرائيلية والمصرية الإسرائيلية.. وإذا استمر هذا الأمر بشكل يشعل التوتر في المنطقة؛ فإنه سيشكل ضغطا كبيرا على هذه العلاقة.. لذلك أعتقد أنه كان هناك فهم كبير لضرورة أن ندفع بعملية السلام للأمام.. وأعتقد أن الجميع غادر الاجتماع بانطباعات متفائلة وأنهم متحمسون للخطوة التالية". وفيما يتعلق بمشروع قانون الدولة اليهودية الأخير.. أكد العاهل الأردني أن هذا المشروع عقد الأمور بالتأكيد وجاء بعد الاجتماع الرباعي الناجح.. قائلا: "إنني أتطلع لبداية السنة الجديدة، وما أقوله هو لنعطي الفرصة ونرى ما سيحدث". وحذر الملك عبد الله الثاني من أنه إذا لم يُتَوَصَّل لحل هذا الصراع، فإنه ستكون هنالك انتفاضة سادسة أو سابعة وستكون هناك حرب ثانية في لبنان.. منوِّهًا بأن المستشفى العسكري الأردني لا يزال قائما في غزة منذ الحرب الأولى؛ لأنه إذا لم تحل المشكلة فإنها مسألة وقت فقط حتى تكون هناك حرب جديدة. وردا على سؤال: هل استدعيتم سفيركم لدى إسرائيل؟ أجاب الملك عبد الله الثاني: "استدعيناه للتشاور، وكان ذلك بعد سنتين من المراوحة لمشكلاتنا وخلافاتنا حول القدس والمسجد الأقصى، ولعدم تمكننا من الحصول على الاستجابة الملائمة من إسرائيل حول كيفية التعاطي مع هذه المسائل". وقال: "تحدثت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء حرب غزة وقلت له: (اسمعني جيدا، هذا أمر جاد وخطير جدا، لقد تحدثنا عن هذا الموضوع في مناسبات عديدة، وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فسأتخذ إجراء)، وقد اتخذ الإجراء بسبب ما حدث في القدس". وأضاف "اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بي في اليوم التالي، بعد أن اتخذت القرار، وقال لي: "علينا أن نتخذ خطوات تخفف من حدة التوتر"، لكننا بعد ذلك اتخذنا حزمة من الإجراءات للتأكد من أن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح، وبالمناسبة فقد كانت صلاة الجمعة في الأقصى هي الأفضل منذ 15 أو نحو 20 سنة عندما اتخذنا هذه الإجراءات".. مؤكدًا على أن هناك رغبة من جميع الأطراف للمضي بعملية السلام قدما وهناك الآن هدوء في أيام الجمع في القدس. وتقييما للعلاقة الأردنيةالأمريكية؟ نوَّه العاهل الأردني بأنها في أحسن أحوالها، قائلا: "نحن نعمل سويا، كما هو الحال دائما، بتناغم وانسجام متكامل في مواجهة كل التحديات خاصة وأن الأردن لا يتعامل مع قضاياه المحلية فقط". وأضاف "تربطني بالرئيس الأمريكي علاقة قوية، كما أنه يبدى استجابة لكل ما أقترحه وأقوم به، وهو في الحقيقة محط التقدير لأسلوب تعامله مع الأزمة في كل من العراق وسوريا من العديد من الزوايا، كما أننا نجلس معا، وننظر في كيفية التعامل مع الأمور من حيث الطريقة التي يجب إشراك كل الأطراف المعنية بالموضوع وكيفية المضي قدما، ويتفق معي في كيفية التعامل مع التهديد الذي يواجهه العالم". وتابع "وإذا كانت هنالك مشكلة من النوع الصعب، أرفع سماعة الهاتف وأتصل به، وتكون هناك فرصة لنقاش الأمر بلا تأخير، لذا فإنني مرتاح لعلاقات التعاون مع الرئيس الأمريكي ولرؤيته حيال القضايا وكيفية التعامل معها".